لغة التهديد والوعيد والقمع والتحدي كانت تؤتي ثمارها ربما مع العدو الاسرائيلي ولكنها لم تكن يوما اللغة الصحيحة مع وجع الناس ومعاناة الناس وفقر الناس وقد وصلت الأمور حتى الإنهيار ولم يعد التشبث بالمواقف المتهورة في مصلحة البلد ولا في مصلحة حزب الله.
 

لقد فرض الحراك الشعبي نفسة على الساحة اللبنانية بكل مكوناتها من السلطة والاحزاب والزعامات الرسمية وغير الرسمية، وفي بداية هذا الحراك وقف هؤلاء جميعهم موقف الصدمة والحيرة، ويوما بعد يوم أثبت الشعب أنه الأقوى وأن الكلمة الوحيدة هي للساحات وصوت الشعب، فخرج المسؤولون في السلطة والأحزاب عن صمتهم بإطلالات متلفزة ومواقف متعددة وكان أبرزها مواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي خرج خلال الأيام الأولى للحراك بخطابين لم يكونا على مستوى الآمال والتطلعات التي يريدها المتظاهرون بل جاءت في سياق تحدي الحراك من خلال لاءاته الثلاث لا لإسقاط العهد لا لاستقالة الحكومة ولا لحكومة تكنوقراط الأمر الذي فرض على الحرك الشعبي معادلة التحدي بالتحدي وتسارعت التحركات الشعبية لتلامس الثورة على كل شي وسط استنكار كبير لمواقف الأمين العام لحزب الله من الحراك.

في أيام قليلة واقع جديد فرض نفسه وكانت قبضات الثوار الأقوى حضورا من كل المواقف والخطابات والهدف هو التغيير والإصلاح والفساد والمحاسبة وعناوين أخرى كلها تصب في استعادة الدولة المنهوبة من أيدي السياسيين وكثر الحديث والتساؤل لماذا يصرّ حزب الله أمينه العام على تغطية الفساد والمفسدين؟ ولماذا ينتحر حزب الله لأجل جبران باسيل؟ ولأجل عهد أصبح العهد الأكثر فشلا وفسادا في تاريخ لبنان؟


هذا الواقع الجديد وأمام حجم الإنكسار الشعبي الذي تركته مواقف الأمين العام لدى اللبنانيين كان لا بد من خطاب جديد لحزب الله وهو ما يشبه الإنقلاب على خطابات الأمين العام ومواقفه من الحراك، وربما كان الحزب بحاجة إلى لغة أكثر عقلائية من لغة التحدي والتصادم، وربما في الحزب من يريد فعلا الإقتصاص من خطاب نصر الله غير الموفق فغابت في أيام قليلة لغة التخوين والمؤامرات وخرج رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين للتصحيح وفي موقف مغاير لموقف السيد نصر الله قال صفي الدين : "أننا ومنذ بداية هذا التحرك الشعبي والذي بدأ بشكل عفوي، دعمنا المطالب التي تحدث عنها الذين نزلوا إلى الساحات، لأننا نحن من هؤلاء الناس، ونحن الأعرف بأوجاعهم وآلامهم، وإننا حينما حذرنا من استغلال البعض لهذا الحراك، إنما أردنا حفظه وصيانته حرصاً عليه، ودعونا أن يكون بمنأى عن الأحزاب والسياسيين كي لا يستغل هذا الحراك من قبل بعض الجهات التي لا يليق بها أن تتكلم باسم أوجاع الناس وصرختهم وحراكهم" .

اقرا ايضا : الإستدعاءات إلى القضاء محاولات بائسة لتطويق المتظاهرين


أعاد السيد صفي الدين خطاب حزب الله إلى مكانه الصحيح بعيدا عن لغة الإستعلاء والقوة وبعيدا عن خطاب التحدي وذلك بانقلاب واضح وصريح على خطابيّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله.

واستمرت التوضيحات ولغة الإنقلاب على الخطابات العفوية والفوقية ليطل نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم ليحدد اللغة الجديدة للحزب تجاه الحراك وبدقة أكثر ليقول: " إننا جزءٌ من هذا الشعب الذي يعاني، ومن الطبيعي أن نؤمن بالحراك الشعبي وأن نشجِّع عليه وأن ندفعه إلى الأمام وأن نطالب بأن يبقى في الميدان من أجل أن تبقى السلطات مستنفرة ومنتبهة إلى أنه يوجد رقابة ويوجد حساب، ولا بد أن نغيِّر الواقع الذي نحن عليه. ولكن خرجنا بأجسادنا وبعض مناصرينا من الساحة المباشرة من أجل أن لا تختلط الأمور ومن أجل أن لا تحصل المشاكل والتَّعقيدات ولكننا نعتبر أنفسنا جزءاً لا يتجزأ من هذا الشعب ومن مطالب هذا الشعب ومن الحراك الشعبي، والتظاهر حقٌ مشروع وهو وسيلةٌ من وسائل الضغط التي لا بدَّ من استخدامها من أجل أن يسمع المسؤولون، ونحن هددنا مرَّات ومرَّات عند دراسة موازنة 2019 بأننا سننزل إلى الشارع إذا أُقرَّت ضريبة الـ 3 % على جميع المستوردات، فكان أن تراجعت السلطة وأقرَّ مجلس النواب وقتها ضريبة 3 في المئة على المستوردات من غير المواد الغذائية والضرورية والأساسي" .
أراد الشيخ نعيم قاسم مجددا أن يحدد الإتجاه الصحيح للموقف فكان أكثر انسجاما مع التطلعات الشعبية وأكثر قربا من الناس وودعهم ومطالبهم ليؤكد أن اللغة التي كانت في الخطابات السابقة غير موقفة ولم تنسجم مع مباديء الحزب وأهدافه وأن تغطية الفساد لم تعد مقبولة شعبيا لا سيما ما ظهر خلال التظاهرات في بيئة حزب الله تحديدا وقد قرأ حزب الله جيدا ما حصل في بيئته، الصرخة المدوية التي لم يستطع أحد ولا حتى حزب الله تجاوزها أو قمعها بالرغم من المحاولات التي حصلت في عدد من المناطق ذات الأغلبية الشيعية.

السيد نصر الله الذي اشتهر بخطابات التهديد والوعيد والاستعلاء، لم تسعفه هذه اللغة في التعامل مع الداخل اللبناني مع شعبه وبيئته ولم تسعفه خطابات التخوين والقمع في بيئته فواجه المتظاهرون خطاب التحدي بالتحدي وخرجت حينها كل الامور عن سيطرة حزب الله .
لغة التهديد والوعيد والقمع والتحدي كانت تؤتي ثمارها ربما مع العدو الاسرائيلي ولكنها لم تكن يوما اللغة الصحيحة مع وجع الناس ومعاناة الناس وفقر الناس وقد وصلت الأمور حتى الإنهيار ولم يعد التشبث بالمواقف المتهورة في مصلحة البلد ولا في مصلحة حزب الله لأن المشكلة أكبر بكثير من المحافظة على عهد فاشل، ومن المحافظة على تحالف لم يأت إلى لبنان واللبنانيين سوى بالويلات، ومن المحافظة على وزير مشاغب تخطى كل لياقات الخطاب الداخلي وتجاوز كل الحدود في بناء وطن الوحدة والتلاقي والعيش المشترك.