لماذا هذه الحملات المشبوهة على القاضي عويدات؟
 
منذ حوالي الاسبوعين يفرض الشعب اللبناني أجندته على مفاصل الدولة وأصاب المسؤولين اللبنانيين بالذهول عندما وقف هذا الشعب وقفة واحدة متجاوزا كل الحواجز الطائفية وكل الاصطفافات السياسية والحزبية، وذلك بعدما لمس اللبنانيون بكل طوائفهم ومكوناتهم خطورة الواقع الذي وصلت إليه الأمور المالية والاقتصادية والمعيشية.
وفيما السياسيون وأرباب الحكم والسلطة في واد آخر خرج الشعب اللبناني من عنق الزجاجة فيما يشبه الإنقلاب على كل الطغمة السياسية الحاكمة التي نهبت البلاد وأوصلت الوضع المالي إلى ما هو عليه اليوم، وما يزال هذا الشعب على الطرقات في محاولة تاريخية جريئة وجبارة لتخطي الازمة من خلال جملة مطالب محقة باتت ضرورية جدا لإنقاد الدولة والشعب.
 
كثيرون ركبوا موجة المتظاهرين من سياسيين وإعلاميين وحزبيين وقضاة ليقطفوا بعض الثمار حينا أو ليتجنبوا غضب الشعب حينا آخر، ومع بداية فترة الإحتجاجات خرجت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون بالإدعاء على نجيب ميقاتي بالإثراء غير المشروع، وهذا الادعاء حصل بناء على إخبار من أحد الصحافيين، علما أن ادعاءا من هذا النوع يجب أن يكون مبنياً على شكوى خطية، مع رسم 25 مليون ليرة كما لا  يحق للمدعي العام رفع دعوى على نائب إلا بعد استشارة مدعي عام التمييز في القضايا الخطيرة، وكذلك لا يحق للمدعي العام أو للقاضي أن يرفع دعوى على نائب قبل ارسال كتاب للمجلس النيابي بذلك، حين يكون بدورته العادية وهذا فضلا عن الضوابط الإعلامية التي يجب أن يتحلى بها القضاة ومنها استئذان مدعي عام التمييز.
 
ضهرت القضية إعلاميا وكما قصدت القاضية عون ركوب موجة الإحتجاجات الشعبية والتظاهرات ضد الفساد دون مراعاة الأصول المذكورة الامر الذي أساء إلى القضاء وأصابت سهامه المباشرة مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات الذي تحرك كقاض مسؤول لوضع الأمور في نصابها ووضع حد للتفلت من الاصول والبروتوكولات المعمول بها قضائيا فلجأ القاضي عويدات إلى إجراء إداري بــ  كف يدّ القاضية غادة عون وأصدر عقوبة مسلكية بحقها سنداً للمادة 16 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وقد أبلغ القرار من وزير العدل وهيئة التفتيش القضائي. وقد عدد قرار العقوبة المخالفات المسلكية المرتكبة من قبلها، والتي ضربت فيها القواعد القانونية وقواعد المناقبية.
 
القاضة عون خرجت في اليوم التالي للرد على القاضي عويدات وفي الإعلام أيضا وصرحت : عويدات صرّخ وقال لي: ما إلك حق. ناطرني عالمفرق حتى يدّعي علي". وأضافت: "لا يريدون لي أن أُكمل. يريدون الاستمرار في السرقات".
مع العلم أن خروج عون بتصريحات للإعلام من دون إذن، فيه مخالفة واضحة. وهي أرادت من خلال نقل القضية من داخل القضاء إلى الفضاء الإعلامي بهدف تسييسها والادعاء بانها مستهدفة، عبر اللعب على وتر قديم جديد، وهو الصراع على القضاء بين المسلمين والمسيحيين.
وهنا تداخلت السياسة بالقضاء مع خروج القضة الى الفضاء الإعلامي وكان لا بد من توضيح قانوني للأمر وهو ما تولته مصادر قضائية عليمة أيدت موقف القاضي عويدات كونه مسؤولا عنها ويجب عليها مراجعته وفقا للقانون .
وقالت هذه المصادر ان تحريك الدعوى العامة مناط بقضاة النيابة العامة، وبالتالي اي شكوى تأتي اليهم من حقهم ان يتحركوا ولكن في الدعاوى الكبيرة، كرئيس حكومة سابق لديه حصانة، يجب مراجعة مدعي عام التمييز وفقا للمادة 13 من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي تنص على ان سلطة النائب العام لدى محكمة التمييز تشمل جميع قضاة النيابة العامة، وله ان يوجّه الى كل واحد منهم تعليمات خطية او شفهية في كيفية تسيير دعوى الحق العام. وله الحق في ان يحيل الى كل المدعين العامين حسب اختصاص كل قاضِ، تقارير ومحاضر والوقائع التي يمكن ان تحرّك دعوى الحق العام.
واعتبرت هذه المصادر أن عويدات بصفته رئيس النيابة العامة، اي انه اعلى سلطة لتحريك الدعوى العامة، هو مَن يقرر مشروعية تحريك الدعوى العامة. وهنا، الدعوى على ميقاتي – اذا كانت صحيحة- فهي بلا مشروعية لان لديه حصانة، فلا يمكن للقاضية عون ان تدّعي على رئيس حكومة سابق ونائب حالي، كونه يتمتع بحصانة، فيجب اولا التزام اجراءات رفع الحصانة عنه ثم الادعاء، لان هذا الادعاء يوضع في خانة الفعل السياسي، وكأن احدا ما طلب منها القيام بهذه الخطوة.
واعتبرت هذه المصادر أن القاضية عون أُدرجت العقوبة بحقها بالخانة السياسية الأمر الذي جعلها تدفع الثمن وفي موقفها هذا أيضا مخالفة للقانون لا سيما أنها تقصدت إدخال القضاء بدهاليز السياسة عندما قالت أن محاولات كف يدها هي محاولات سياسية لتطال بذلك القاضي غسان عويدات الذي لجأ إلى قرار بلاعتبارات قاضئية بحتة لا علاقة لها بالسياسة.
 
استهداف القاضي غسان عويدات:
وفي السياق قالت مصادر متابعة للوضع الحالي أن هناك محاولات لاستهداف مدعي عام التمييز القاضي غسّان عويدات وأن هذه المحاولات تستهدف أهم مؤسسات الدولة اللبنانية التي هي الجسم القضائي وتساءلت هذه المصادر عن خلفيات وأهداف هذه الحملة الممنهجة، وخصوصًا في هذه المرحلة السياسية الحساسة التي تمر بها البلاد .
وتساءلت هذه المصادرعن سبب الهجوم على مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، في المرحلة التي يقال أن لبنان سيدخل فيها مرحلة جدية بمحاربة الفساد والهدر واستعادة الاموال المنهوبة، مستغربين شن حملات سياسية على عويدات ومن خلفه القضاء، علمًا أن مدعي عام التمييز هو عامل جامع لكل الأطراف السياسية، ومحط ثقة الجميع.. فلماذا هذه الحملات الفارغة؟ هل المطلوب كشف لبنان بهذه المرحلة وتعريته في وسط العواصف وتنفيذ أجندات هدفها ضرب أمن لبنان واللبنانيين.