التسوية الحالية هي أفضل حال بالنسبة إلى حزب الله: حليفه الاستراتيجي في رئاسة الجمهورية، وانصياع جيد من رئيس الحكومة، الذي لا يبدو مزعجاً للحزب
 
ما اشبه المشهد الجماهيري الجامع اليوم بمشهد الرابع عشر من ايار مع فارق اساس ان هذا المشهد اليوم لم يكن سياسيا .لقد كسر المتظاهرون اليوم جميع المحرمات. شتائم وسباب وهتافات طالت جميع السياسيين ولم تستثن أحداً. كما لو أن اللبنانيين خرجوا من جلدهم وما عادوا يريدون الإنصات إلى أحد. وإذ سقطت المحرمات عند المتظاهرين، في تناولهم جميع المسؤولين بأسمائهم بالشتائم والسباب، لم يسلم حتى نصر الله من هتافاتهم: كلن يعني كلن ونصر الله واحد منن، فبدوا غير عابئين بأي شيء غير الخلاص من الطبقة السياسية الحاكمة. والشرارة التي اشعلت التحركات الغاضبة ليست فكرة البحث عن ضرائب بل نوعية الضرائب. فلا اصلاحات من دون ضرائب، سواء كانت الاصلاحات مفروضة علينا من اجل استثمارات سيدر أو كانت من حاجات التطور وأقله من ضرورات وقف الانهيار في البلد. لكن الفارق كبير بين اصلاح السياسة الضريبية التي ساهمت في إفقارالكثير من الناس وإثراء القلة منهم، وبين فرض ضرائب عشوائية ضمن السياسة الضريبية نفسها، للهرب من الاصلاحات الحقيقية والضرائب العادلة التي تقطع طريق السطو على المال العام أمام الذين يعتبرون البلد بمثابة بقرة حلوب والسيطرة عليها حق من حقوقهم. فانطلاقاً من ساحة الشهداء في وسط بيروت، وصولاً إلى بقية المحافظات،من البقاع والشمال إلى صيدا وصور والنبطية والمتن والجبل وغيرها، رفضاً للواقع الاقتصادي والمعيشي وزيادة الضرائب، وفي ظل عجز فاضح عن المعالجة، ما جعل اللبنانيين يشكلون انتفاضة شعبية  تجاوزت كل القوى السياسية منتفضة على الواقع المزري ما ينذر بانزلاق البلد إلى الهاوية، إذا لم تحصل معجزة تنقذ هذا البلد وشعبه الطيب من السقوط في الهاوية لان السلطة لا امكانية للانصات اليها بعد الكثير من الفرص التي منحها لها الناس   واصبحت صرخة الناس اقوى من كل القوى السياسية والتي تطالب بسقوط الهيكل على رؤوس الجميع.لهذا لا يمكن الطلب من الشعب الثائر أن يثق بأنّ من أوصله إلى أقصى درجات الفقر والعوز نفسه قادر اليوم على إصلاح الوضع، أو حتّى بأنّه يملك النيّة في الإصلاح. لم يستقل مسؤول واحد استجابةً لرغبة الناس، فكيف له أن يستجب لتحقيق مطالبهم، في حين تعلو الهتافات المطالبة برحيل السياسيين وأصحاب السلطة جميعًا.
 
 
 
 ومع مبادرة القوات اللبنانية بالطلب من وزرائها تقديم استقالاتهم التي يبدو انها الخطوة الاولى نحو انفراط العقد ،لكن وبعيداً عن التزام لبنان بالعقوبات الأميركية المفروضة على حزب الله. تبقى السياسة أبعد من كل ما يجري. وبالمعنى الحقيقي، فإن حزب الله من خلال حرصه على الحكومة والعهد أظهر كم هي حاجته لهما، أو كم تتلاءم مصلحته الاستراتيجية في ظل بقائهما. وفي هذه الحسابات التي تضمّنها كلام نصر الله تسقط كل حسابات الناس ومطالبهم. الاعتبار أصبح للموازين السياسية ولمن يهيمن عليها. وهو الموقف الذي ووجه باعتراض شديد من المتظاهرين الذين لم يوفروا نصرالله ونوابه وحزبه من الهتافات، محملينهم المسؤولية عن الأزمة التي وصل إليها لبنان، مهددين بأن الشعب يتجه لإسقاط كل المحرمات وقلب الطاولة على رؤوس الجميع، كما أعلنوا في تظاهراتهم. أراد نصر الله بإعلانه هذا،أن يرسّخ حزب الله السلطة القائمة وبقائها بيده. إنها مرحلة الانقضاض على كل شيء في لبنان. مصادرة وجع الناس ومخاطبتهم به وإدعاء رفع شعارات داخل مجلس النواب والوزراء، ومصادرة القرار السياسي في البلد. ينظر حزب الله إلى إقبال المنطقة مستقبلاً على تسوية كبرى. لذا، المرحلة التي تستبقها بحاجة إلى امتلاك أكبر عدد من الأوراق، ومنها الامساك بلبنان.
 
 التسوية الحالية هي أفضل حال بالنسبة إلى حزب الله: حليفه الاستراتيجي في رئاسة الجمهورية، وانصياع جيد من رئيس الحكومة، الذي لا يبدو مزعجاً للحزب. وبالتالي، أي إخلال بهذه التسوية سيؤثر على الحزب ومعادلته السلطوية سلباً. والفارق اكبر بين النزول الى الشارع للمطالبة بالتغيير نحو الأفضل من أجل إدارة سياسية ديموقراطية وعصرية وبين توظيف الشارع من اجل حكومة تعتبر الاصلاحات المطلوبة بموجب سيدر نوعاً من المؤامرة، وتأخذ لبنان الى مواجهة مع العرب والغرب والى الحصار المطلوب على سوريا وايران. ما لم يدركه حزب الله، أنّ المواجهة قد انتقلت من الحدود إلى الداخل اللبناني، وأصبح التحدي اليوم بعد حماية الحدود هو في حماية الأمن الاجتماعي والاقتصادي في البلد. إنّ حماية البلد تمرّ بتحصين الجبهة الداخلية في الوطن.
 
 الشعب اليوم يتطلّع إلى خطوات ملموسة وجريئة، أقلّها حكومة مؤلّفة من شخصيات وطنية غير فئوية، لديها المعرفة والنزاهة الكافية لإدارة الشؤون العامة بما يخدم مصلحتهم. كما وإعداد قانون انتخابي جديد فورًا، خارج التقاسم الطائفي، يسمح لقوى وطنية دخول المعترك السياسي بهدف تجديد النخب السياسية ووضع أسس جديدة للحياة العامة.اخيرا من الواضح ان جهة ما يجب ان تدفع ثمن الاستعصاء عن تسوية الازمات. والحكومة هي الضلع الضعيف في مثلث السلطة منذ التسوية التي جاءت بالوضع الحالي. فلا أسف على حكومة ليست حكومة بل مجموعة مراكز قوى تدير المحاصصة، ولا تختلف الا على نسب الحصص.لكن المطلوب الان وبهذه المرحلة بالذات حماية الانتفاضة الشعبية من الاغتيال .