بات واضحًا أنّ زمن الوجع قد بدأ فعلياً بالنسبة الى المواطن الذي بات يشعر يومياً بثِقل الوَضع الشاذ، سواء على مستوى تراجع قدرته الشرائية قياساً بالسعر الفعِلي للدولار في السوق السوداء، أو على مستوى فقدان المواد الأولية. ويُشارِف الاسبوع الجاري أن يقفل على تَلبّد الغيوم، إيذاناً بهبوب العواصف في مطلع الاسبوع المقبل. فالأزمات تتفاقم بسرعة البرق، وتتراكم المطبّات التي توحي بالأسوأ، فيما تمضي السلطة التنفيذية في مقاربة المعالجات على طريقة السلحفاة، وتبدو كأنها خارج الحلول الحقيقية.
 
وكشفت صحيفة الجمهورية انّ ما يتم طرحه حتى الآن من قبل الجانب الحكومي، لا يعدو أكثر من ترقيع لا يُلامس جوهر الأزمة، والاجتماعات التي تُعقد للجان الاصلاحات أو غيرها، لم تطرح أي حلول حقيقية، بل إنّ جُل ما يجري فيها ليس سوى رَمي أفكار لا تتصل بحلول لا قصيرة الأمد ولا متوسطة ولا بعيدة. إضافة الى مناقشات طويلة ومجادلات على أمور شكلية، على ما حصل في أحد الاجتماعات الاخيرة للجنة الاصلاحات، حيث تمكّنت، وبعد نقاش 4 ساعات، من تخفيض نحو 150 مليون ليرة في الموازنة فقط، وقد استغرق النقاش في تلك الجلسة حول وزارة تمكين المرأة 35 دقيقة، لتخفيض باب القرطاسية في هذه الوزارة من مليوني ليرة الى مليون!
 
واذا كانت الحكومة تسعى جهدها لإحالة مشروع موازنة العام 2020 الى المجلس النيابي قبل 15 الشهر الجاري، لإبعاد سيف وكالات التصنيف عنها، كما أكّد مسؤول كبير لـ«الجمهورية»، إلّا انّ مقاربة هذا المشروع من قبل الهيئات الاقتصادية والعمالية والنقابية يَكتنفها القلق الكبير ممّا يخبّئه حينما يصِل الى مجلس النواب.
 
 
وعلمت الصحيفة  أنه في موازاة التأكيدات الحكومية بخُلوّ مشروع الموازنة من اي ضرائب او رسوم، فإنّ مسؤولين حكوميين أكدوا صراحة «انّ مشروعاً كهذا خالياً من أي ضرائب ورسوم لن توصلنا الى باب المجلس النيابي، بحيث انها لن تحقّق المَرجو منها، لأنها ستصل الى المجلس مجرّد أرقام. لذلك، لا بد من تضمينها سلة الضرائب، الآن، وذلك حتى لا نصِل الى وقت يَفرض علينا الخارج ان نفرض هذه الضرائب، لأنه ساعتئذ قد لا يكون لدينا المال الذي يمكننا من أن ندفع التزاماتنا الداخلية والخارجية».
 
ووفق معلومات الصحيفة  فإنّ هذا النقاش بلغ الهيئات الاقتصادية والعمالية، وخَلص الطرفان الى التوافق على القيام بخطوات اعتراضية حيال «مجموعة الضرائب والرسوم التي يبدو انّ الحكومة ستأتي بها بالكميون»، على حَدّ الوصف الذي اجتمع حوله الطرفان اللذان أجمعا على التأكيد «على رفض أي زيادات للضرائب والرسوم، وانّ المطلوب قبل ذلك هو معالجة مزاريب الهدر والفساد الموجودة في مفاصل الدولة، قبل ان تتم المعالجة على شاكلة ملء صَب المياه في دلو مَنخور».
 
وتشير الصحيفة إلى انّ أخطر ما كشف عنه في الاجتماع هو انّ الوضع في انحدار مريع، والأزمة ضربت مجموعة كبيرة من المؤسسات، ودفعت بها الى الاقفال واحدة تلو الأخرى، بحيث انّ مئات من المؤسسات قد «سَكّرت» خلال الفترة الاخيرة. وأمّا ما بقي منها، فهو أمام خيارين: الأول، إن لم يصِل الوضع الى نوع من الحلول، فالفترة الممتدة من الآن وحتى آخر تشرين الثاني المقبل ستشهد خطوات من بعض المؤسسات لتخفيف ما نسبته 20 في المئة من موظّفيها. والخيار الثاني، لجوء تلك المؤسسات الى تخفيض كبير في رواتب الموظفين لديها.