إذا كانت بسحر الساحر قد انتهت أزمة العهد مع النائب وليد جنبلاط، فإنّ مفاعيل السحر امتدّت بعيداً لتشمل فصول تعاون ومبادرات إيجابية، لم تكن لتحصل لو لم يَتيقّن الجميع أنّ للعبة الالغاء حدوداً لا بد من ان تصطدم بها، لتعود الأمور الى ما قبل البدايات.
 

إذا كانت بسحر الساحر قد انتهت أزمة العهد مع النائب وليد جنبلاط، فإنّ مفاعيل السحر امتدّت بعيداً لتشمل فصول تعاون ومبادرات إيجابية، لم تكن لتحصل لو لم يَتيقّن الجميع أنّ للعبة الالغاء حدوداً لا بد من ان تصطدم بها، لتعود الأمور الى ما قبل البدايات.


لم يكن مفاجئاً انعقاد اللقاء في عين التينة بين وفد الاشتراكي ووفد «حزب الله»، فالرئيس بري كان يعدّ العدة قبل حادثة قبرشمون التي توقّع حصولها، الى إعادة ترتيب هدنة بين «الحزب» والنائب جنبلاط، وعَملَ دائماً وفق ما كان يردده «لن أترك ابن جنبلاط وحيداً»، في أعقاب كلام الاخير عن مزارع شبعا، لكن سَبقَ سيف قبرشمون المصالحة الثنائية، وكان لا بد من استئنافها، وفقاً لمبادرة بري الذي كان المفاوض الوحيد في حادثة قبرشمون، وهو الذي حَسم شكل اللقاء الخماسي في بعبدا، ومبادرته كانت الاولى والاخيرة، على الرغم من دخول وسطاء بتكليف من هذه المرجعية أو تلك.

عَملَ بري طوال الأزمة على منع تطويق جنبلاط، لأسباب كثيرة أهمها تَحسّسه لأي مَسّ بتركيبة الجبل، وخشيته من تكرار مناخ 7 أيار بما يتعلق بالعلاقة الشيعية الدرزية، هذه العلاقة التي كادت، خلال أزمة قبرشمون، أن تستعيد الحساسيات السابقة.

لم يشهد لقاء عين التينة عتاباً أو شجاراً سياسياً، بل استعرضَ فيه ما حصل بين الطرفين قبل حادثة قبرشمون وبعدها، كما تم توضيح ما حُكِي عن طلب جنبلاط ضمانات من «حزب الله»، ومَرّ وفد «الحزب» والاشتراكي على قضية معمل عين دارة مرور الكرام، حيث عاد وفد الحزب الى النقطة الاولى التي طرحها بري، المتمثّلة باحتكام الجميع الى ما يقوله القضاء.

ما بعد قبرشمون ساهَم سِحر الساحر، بطَي ملف الكمين بشكل نهائي، على أنواعه، سواء الذي قال النائب طلال ارسلان انه طالَ الوزير الغريب، او الذي أعلن رئيس الجمهورية أنه طالَ الوزير جبران باسيل. وبَدَت نغمة العودة الى المصالحة نغمة جماعية، تجاوزت المتوقع، ووصلت الى حد رفع الوزير باسيل سمّاعة الهاتف ودعوة النائب تيمور جنبلاط الى الغداء في اللقلوق.


كانت هذه الدعوة مفاجئة، خصوصاً أنّ اتهام الاشتراكي بتدبير الكمين لم يجفّ حبره بعد. فلَبّى جنبلاط الدعوة، خصوصاً أنّ الخطوط مع «حزب الله» عبر برّي كانت قد فُتحت، وقطع بري مشاركته في ذكرى عاشوراء ليستضيف لقاء الاشتراكي والحزب.

لم ينتظر باسيل ليتأكد من عقد اللقاء في عين التينة، حتى دعا النائب جنبلاط الى جلسة تجاوَزت بكثير غسيل القلوب، حيث قال لجنبلاط: أريد أن نكون شركاء سياسياً وإنمائياً وخدماتياً، وأن نبدأ صفحة جديدة.

وفي سياق هذه المصارحة، بل المبادرة، لم يُبدِ جنبلاط برودة او سلبية، لكنه ردّ على باسيل بأنّ الشراكة لا تكون في الخطاب الاستفزازي، كالذي قيل في دير القمر والكحالة، ولا تكون بالعودة الى مناخ 1860، ولا تكون بوَقف مستشفى دير القمر في أكبر بلدة مسيحية في الشوف، وزاد على ذلك الكثير.

من المُبكر الحكم على لقاء اللقلوق، الذي أعقب حادثة قبرشمون، وأتى على وَقع اتهامات بالاغتيال، وعلى وَقع مصالحة بعبدا وبيت الدين، التي صرفت من رصيد العهد وحلفائه، وفي طليعتهم النائب طلال ارسلان، الذي كاد لولا إصرار الرئيس عون على إتمام لقاء بعبدا، ولولا وجود قرار لدى «حزب الله» بتفويض الرئيس بري تفويضاً مُطلقاً بحل قضية قبرشمون، أن يُعطّل المصالحة لعِلمه المُسبق بأنها ستنتج توازناً جديداً يؤدي الى انفتاح العهد على وليد جنبلاط، وهو ما حصل لاحقاً، وهو ما يمكن أن يتطور بفِعل الهواجس الرئاسية المبكرة.