شكّل الكشف عن ١٣٦ معبراً غير شرعي، وربما أكثر، فضيحة سياسية تناولها معظم القوى السياسية، ولكن السؤال الذي يجهل جوابه الرأي العام اللبناني لغاية الآن هو لماذا لا تقفل هذه المعابر؟ ومن يحول دون ذلك؟
 

تعتبر المعابر غير الشرعية عيّنة من عشرات الأمثلة والتساؤلات التي لا إجابة عنها: لماذا يستسهل المواطن المقيم على الأراضي اللبنانية، سواء أكان لبنانياً أم غير لبناني تجاوز القوانين والاستهتار بالدولة اللبنانية؟

لماذا يعيش هذا المواطن في ظل ازدواجية او انفصام في الشخصية: خضوع تام للقوانين خارج لبنان، تجاوز كلي للقوانين في لبنان؟ إلامَ سيبقى التعامل مع لبنان كأرض مشاع أو ساحة مستباحة؟ ما الذي يحول حقيقةً دون ان ينعم اللبناني بالكهرباء والماء؟ وما الذي يحول دون توفير التسهيلات لهذا المواطن كالتي توفرها له الدول المتحضرة؟ وإلامَ يجب أن يستمر شعور المواطن بأنه متروك لقدره بلا ضمانات وآخرته غير مؤمنة وطبابته غير متوافرة ويعيش هاجس موته على رصيف إحدى المستشفيات؟ إلامَ يبقى هذا الشعور انّ الإنسان رخيص في لبنان؟

هل يعقل أنّ الشعور الوطني لا يشكّل مساحة مشتركة بين اللبنانيين؟ من الذي يمنع إيقاف الموظف الفاسد وضبط التهريب وتطبيق القانون في كل المجالات والقطاعات؟ ومن يقف عائقاً أمام المحاسبة والمساءلة؟ (...).

ولأنّ التبسيط في لبنان هو السائد يأتي من يقول إنّ سلاح «حزب الله» يحول دون ذلك، وقد يكون فعلاً كذلك، ولكن يجب حشر هذا السلاح لكشفه بأنه المسؤول بدلاً من الاستسلام للأمر الواقع القائم.

وفي الحقيقة المشكلة في لبنان مزدوجة: مشكلة سلاح يُفقد لبنان قراره الاستراتيجي ويحول دون قيام الدولة الفعلية، ومشكلة قوى سياسية استسلمت للأمر الواقع وتريد التعامل مع القضايا المطروحة بـ»التي هي أحسن». وإذا كان نزع السلاح غير ممكن، لأنّ وظيفته إقليمية ودوره إقليمي ومصدره إقليمي وحلّه إقليمي، إلّا أنّ هذا الواقع يجب ألّا يحول دون الإقدام على حلّ المشكلات الحياتية واليومية المزمنة لإظهار إذا كان السلاح مسؤولاً عن الفشل الإداري والإصلاحي والكهربائي والمائي (...). 

إنّ النظام القائم منذ عام ١٩٩٠ غير صالح، وليس المقصود تغيير صلاحيات أو تعديلها، بل على العكس المطلوب عدم المَس بالصلاحيات والتزام اتفاق الطائف نصاً وروحاً، إنما المقصود انّ الإدارة السورية للدولة اللبنانية أفسَدتها وخرّبتها، وكان التعويل على الرئيس ميشال عون ان يضع الأسس المطلوبة لإدارة جديدة ونهج جديد وثقافة جديدة وقانون فوق الجميع، ولكن عندما تتحول الأولوية إلى تأمين ظروف الخلافة لا بناء الدولة يصل لبنان إلى ما وصل إليه من تفاقم للأزمات الموجودة وعجز في التغيير.

وإذ سلّم اللبناني مؤقتاً بأنّ «حزب الله» لن يسلِّم سلاحه قبل التسوية الأميركية - الإيرانية، فما المبرّر لعدم نزع السلاح الفلسطيني من المخيمات على رغم أنّ جلسات الحوار أقرّت نزعه ووضع هذه المخيمات تحت سلطة الشرعية اللبنانية؟ وما المبرّر للتضامن مع لاجئين على حساب القانون والدولة والسيادة والدستور، وكأنّ وزير العمل «يَتسلبَط» على هؤلاء اللاجئين؟ وهل يتصرف اللاجئ الفلسطيني في سوريا او الأردن او البحرين وغيرها من الدول على غرار ما يتصرف في لبنان؟ 

ويستطيع الوزير جبران باسيل أن يتعامل مع النازحين السوريين بفوقية وعنصرية ومن دون خطة جدية لإعادتهم، والتي يجب ان تحصل اليوم قبل الغد، لأنّ لبنان لم يعد يستطيع تحمُّل هذا العبء، وإعادتهم يجب ان تتم بعيداً من التوظيف السياسي والفولكلور والمزايدات التي لم تحقق بالدليل الملموس أي شيء بعد، ما يعني انّ هذا الأسلوب فاشل. ولكن المستغرب انّ حِسّ باسيل ينقطع فجأة في موضوع اللاجئين الفلسطينيين، والمواقف التي صدرت من تيّاره جاءت متأخرة وعلى طريقة رفع العتب، والسبب في كل ذلك أنّ «حزب الله» لا يمانع باستفزاز النازح السوري الذي يعتبره خصماً له، ولكن المخيمات الفلسطينية مخروقة حتى العظم من قبل الحزب الذي يريد ان تبقى في حالة الفوضى الموجودة ليتمكّن من استخدامها وقت الحاجة، وهذا ما يفسِّر التعامل البارد لباسيل ومن معه في هذا الموضوع.

وما يقوم به وزير العمل يصبّ في خانة العمالة الفلسطينية، لأنّ تنظيمها يفتح الآفاق المقفلة أمامها، والحرص على القضية الفلسطينية والانسان الفلسطيني ان يعيش بكرامته هو حرص كامل وتام، ولكن ما هو أهم من كل ذلك يتصل بالدولة اللبنانية السيدة على أرضها والتي وحدها تحدِّد المصلحة اللبنانية العليا التي لا تعلو عليها مصلحة أخرى، والقانون سيطبّق وستُقطع الطريق في آن معاً على إحياء العصبية ضد الفلسطينيين التي يوظفها الحزب خدمة لسلاحه.

والمطلوب في كل هذا المشهد المُذلّ عدم دفع الناس إلى اليأس من إمكانية قيام دولة في لبنان، وهذا اليأس مردّه إلى الاخفاق في كل شيء. وفي هذا السياق، تأتي مشكلة الـ١٣٦ معبراً التي قال عنها الوزير علي حسن خليل إنها «تهدّد الاقتصاد وتساهم في عجز المالية العامة وتقليص الواردات»، والسؤال: لماذا لا تقفَل ومن المسؤول عن عدم إقفالها؟ وإلامَ ستبقى الجمهورية اللبنانية جمهورية يسمح فيها بالكلام فقط، وأما الأفعال فشيء آخر مختلف تماماً.

ولمَن يسأل: لماذا لم تصوِّت «القوات اللبنانية» على الموازنة؟ فالجواب هو أنّ «القوات» لن تقبل استمرار سياسة الترقيع و»التي هي أحسن»، وانّ ما يكتب على الورق يبقى على الورق، فهناك نَقزة مطلوبة ومن داخل المؤسسات من اجل تشكيل إمّا عدوى وإمّا إحراج من يلزم إحراجه أمام بيئته وناسه، خصوصاً أنّ الناس وصلت إلى حدود القرف من كل شيء ومستعدة لكل شيء.