«الشعب السوري هو من يقرّر مصير سوريا لا المجموعات المسلّحة». هذا هو موقف روسيا الثابت الذي يعبّر عنه سفيرها في بيروت ألكسندر زاسبيكين منذ أكثر من عامين. ويعتبر زاسبيكين البيان الختامي الذي صدر أخيرا عن دول مجموعة الثماني الذي حث على التسوية السياسية في سوريا عاملا إيجابيا يصبّ في الجهود الروسية التي تدفع في هذا الاتجاه. لذا لا يولي أهمية كبرى لمواقف بعض الدول التي تدعو الى تسليح المعارضة، مع اعترافه بأن سلوكها يؤخر التسوية السياسية، إلا أن موقف بلاده يبقى حاسما: «لا نقبل المنطق القائل بأن تقوية فصيل معارض عسكريا يحسّن جو التفاوض (...)».
في حوار مع «السفير»، يؤكد زاسبيكين انه لا يوجد في الأفق أي إمكانية لحسم عسكري، محذّرا انه في حال استمرار الحرب «لا نرى هزيمة أو انتصارا، بل نرى انهيارا للبلد ككلّ وليس لأحد الطرفين المتقاتلين».
يستنتج محاور ممثل الاتحاد الروسي ان العملاقين الأميركي والروسي متفاهمان على تسوية سياسية، تنضج ببطء، وبدايتها دعم روسي واضح لجهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري بإقناع المعارضة السورية تعيين مفاوضيها مع الحكومة السورية.
في ما يأتي نصّ الحوار:

} كيف تنظرون للتبديل الحكومي الأخير في لبنان؟

÷ شعرنا في الآونة الأخيرة أنه لا بدّ من التعديل بشكل أو بآخر في الحكم، وعندما حصل الاتفاق حول رئيس الوزراء الجديد اعتبرنا الأمر مدخلا لإجراء التبديل، وهذا أعطى دفعا جديدا للجهود وصولا لإيجاد حلّ لإجراء الانتخابات النيابية.
} هل تقرأ تفاهما سعوديا إيرانيا في ما جرى وما هو تأثيره في سياسة النأي بالنفس؟
÷ على ما يبدو، حدث إجماع دولي حول هذا الموضوع، بما في ذلك بين الأطراف الأساسية ومنها إيران والسعودية. وأظنّ أن سياسة النأي بالنفس لا تزال تعتبر نهجا رسميا للدولة اللبنانية.
} كنتم من أوائل المرحبين بالتبديل الحكومي وتكليف الرئيس تمّام سلام، لماذا؟
÷ بعد أن عرفت أن منزله مفتوح للتهاني جئت اليه وهنأته. بحسب تحليلي، بعد تكليف السيد سلام يجب الانتقال فورا الى مرحلة التأليف، كي لا تنشأ شكوك في مواقف الأطراف الخارجية. 
} هل تتخوفون من فراغ دستوري؟
÷ أنا لا أتحدث بمنطق المتفائل أو المتشائم، بل بمنطق الأهداف والإمكانات المتاحة. وتوجد الآن أهداف عدّة مترابطة، وهي صعبة بسبب التباينات. توجد فرص لتشكيل الحكومة والاتفاق حول قانون الانتخابات إن وجدت إرادة لدى الأطراف السياسيين. أما بقية الأمور فهي ثانوية مقارنة بمواضيع الاستقرار والأمن والنأي عما يحدث في سوريا. لذلك إذا اعتمدت الأولويات الوطنية بعيدا من التنافس بين التكتلات السياسية المحليّة، فسوف نصل الى نتائج جيدة.
} ما هي مخاوفكم الراهنة في لبنان؟ 
÷ خطر الفتنة المذهبيّة، والتأثير السّلبي لما يحدث في سوريا، وتهريب السلاح وتدفّق المقاتلين عبر الحدود ما يسبّب التوترات هنا وهناك. 
} كيف ترون الى الخروق الحدودية المتبادلة؟
÷ وضع الحدود بين لبنان وسوريا معقّد وينطلق من محاولات استخدام الأراضي اللبنانيّة لمساعدة المجموعات السورية المسلّحة التي تقاتل الجيش النظامي السوري. هذا هو الأصل. تجري المعارك الى جانب الحدود السورية اللبنانية. موقفنا أنه تجب معالجة المشاكل عن طريق الاتصال بين الطرفين، وهذا رأي منتشر في لبنان، إذ من الأفضل تطويق الموضوع عن طريق الاتصالات وفقا للاتفاقات الموجودة. بطبيعة الحال نحن متمسكون بسيادة لبنان.
} ماذا عن قصف المعارضة السورية المسلحة قرى في قضاء الهرمل؟
÷ هذا مظهر خطر جدا لامتداد النزاع السوري إلى الأراضي اللبنانية، بما في ذلك قصف الأراضي اللبنانيّة من قبل مجموعات مسلّحة سوريّة، وبالتالي يجب اتخاذ الإجراءات الممكنة لوضع حدّ له. 
} البعض يحمّل «حزب الله» المسؤوليّة كونه يشارك في معارك سوريا؟
÷ لا توجد لدينا معلومات دقيقة حول مشاركة فصائل مختلفة في المعارك، لذا لا أقدر أن أقيّم الوضع بالتفصيل.

روسيّا ضدّ «القاعدة»

هل تعتقد أنه يوجد تواجد لـ«النّصرة» ولـ«القاعدة» في لبنان؟
لم أسمع عن تواجدهما كتنظيم، إلا أنّ تأثير النزاع السوري قد يؤدّي إليه.
} كيف تقرأ روسيا مبايعة «جبهة النصرة» لأيمن الظواهري ودعوة الأخير الى قيام دولة إسلاميّة في سوريا؟ 
÷ نحن منذ البداية وقفنا ضدّ «القاعدة»، ونعتبر أن أي تقوية لخلايا «القاعدة» في أي مكان يمثل خطرا على الجميع التصدّي له. أمّا مستقبل سوريا فيجب أن يقرّره الشعب السّوري، فنراها دولة ديموقراطيّة تؤّمن فيها حقوق المكوّنات الإتنيّة والطائفيّة كلّها.

التسوية السياسية باتت أمراً واقعاً

} هل بدأ العدّ العكسي للتسوية في سوريا أم ما زلنا بعيدين منها؟
÷ خلال الفترة الأخيرة، هنالك مراوحة في طرح الحلول السياسية بحيث تتقدم أحيانا وتتراجع أحيانا أخرى. وبعد اللقاء الأول بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري والاتصالات مع الأوروبيين، والأطراف الأخرى، ظهرت بعض بوادر إيجابية في موضوع التسوية السياسية. بعد ذلك، تم اتخاذ قرارات في جامعة الدول العربية، وزادت الأحاديث حول تعزيز القدرات العسكريّة للمعارضة، وهذا يعني أن التسوية ابتعدت. أخيرا حصل اجتماع دول مجموعة الثماني، وحصلت لقاءات عدة ثنائية على هامشه، أكدت أنه على الصعيد الدولي زاد الطموح الى التسوية السياسية، وهذا منصوص عليه في البيان الختامي لمجموعة الثماني، وقد تمّ بحثه أثناء لقاء ثان بين لافروف وكيري. هذا اللقاء أكّد أنّ كلا الطرفين يدعمان التسوية السياسيّة. أما المميّز في الموقف الأميركي فهو أنّ الوزير كيري أكد أنه من خلال اتصالاته بالمعارضة سوف يقنعها بتعيين مفاوضين للحوار مع الحكومة السوريّة وهذا ما نطلبه منها أيضا. على الحكومة السورية والمعارضة أن تتفقا حول وقف إطلاق النار وإجراء الحوار، وعلى الأطراف الخارجية أن تلعب دورا نشيطا في هذا المجال، وتتخذ خطوات ملموسة لتطبيق بيان جنيف. أما العراقيل أمام التسوية السياسية فلم تصبح أقلّ ممّا كانت، ولا تقدم. للأسف، تمّ طرح مشروع قرار الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة غير المتوازن وهو لا يناسب أهداف التسوية.
} بعض الدول الأوروبية تسعى لرفع حظر الأسلحة عن المعارضة غير المتطرّفة، كما نقرأ تقارير عن تدفق أسلحة عبر الحدود التركية والأردنية، هل سيتغير هذا الأمر بعد اجتماع مجموعة الثماني؟
÷ لا أعرف هل سيتغير أم لا. نتمنّى أن تخلق حالة يقظة دولية من أجلّ الحلّ. نحن لا نقبل المنطق القائل بأن تقوية فصيل معارض عسكريا يحسّن جو التفاوض. يجب الاعتراف بوجود تعاون ميداني بين المجموعات المسلّحة بغضّ النّظر عن ميولها السياسيّة والعقائديّة، وهذا لا يخدم عملية التفاوض. يجب، إدراك إزدواجية هذا الموقف، إذ يُعلَن من ناحية تأييد التسوية السياسية، ومن ناحية أخرى يتمّ تسليح المعارضة. 
ومن هذا المنطلق، لا بدّ من تغيير هذه الإزدواجية لمصلحة الحلّ السّلمي، والعكس يؤدّي الى التصعيد وتقوية مواقع المتطرفين. 
} هل يمكن لروسيّا أن تقبل بهزيمة النظام السوري؟
÷ نحن لا نقارب الموضوع بهذا الشّكل، لأننا على يقين أنه لا يوجد في الأفق أي إمكانية لحسم عسكري. في حال استمرار الحرب لا نرى هزيمة أو انتصارا بل نرى انهيارا للبلد ككلّ وليس لأحد الطرفين المتقاتلين. لذلك نريد إيجاد الحلّ السّلمي في أقرب وقت.

لا لتقسيم سوريا

} تتحدث بعض التقارير الديبلوماسية عن إمكان تقسيم سوريا، هل توافق على ذلك؟
÷ نحن لا نشجّع ولا نشارك هذه السيناريوهات المدمّرة لسوريا، ولا ندخل البتّة في النقاش حول تفاصيلها، بل ندعو الى الحفاظ على وحدة سوريا بقيادة واحدة. لقد خدمت في سوريا مدّة طويلة ولم أشاهد عوامل تشجّع التقسيم، بالعكس كان المجتمع متلاحما، وخلال المرحلة الأولى للحوادث كانت التطلّعات نحو الإصلاحات لا نحو فيديرالية أو تقسيم. أما الآن، فتدور الحرب، وهناك دعوات مماثلة تخدم الخلافات والتفرقة وتلعب دورا سلبيا، وكما قلت فإنّ الشعب يقرّر مصيره، وليست المجموعات المسلّحة، وندعو الى إعادة التوافق الوطني والى الحوار الوطني لا إلى الحوار بين الطوائف.
} هل تشاركون لبنان هواجسه بالنسبة الى النازحين السوريين؟ وهل تشجّعون إقامة مخيّمات لهؤلاء؟
÷ بكلّ تأكيد نعتبر مشكلة النازحين خطرة جدا لأنها تشمل مجالات عدة منها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. برأي روسيا أنه يجب توحيد جهود المجتمع الدولي لمساعدة لبنان على تحمّل هذه الأعباء. ثمة وسائل عدّة منها المساعدات بأنواعها كافّة. وجدير بالاهتمام اقتراح رئيس الجمهورية ميشال سليمان لعقد مؤتمر دولي لبحث المشكلة من نواحيها كافّة. بالنسبة الى المخيّمات، أنا أدرك أن اللبنانيين لديهم وجهات نظر مختلفة حيالها، ويتخذ الموضوع طابعا أمنيا وسياسيا، وليس من المفيد لنا أن نعرب عن رأينا فيه لأنه من اختصاص السلطات اللبنانية.