بدأ اللقاء مع المسؤول الأوّل في تجمّع مهمّ جدّاً للمنظّمات اليهوديّة الأميركيّة مركزه نيويورك بحديث عن لبنان كالعادة. فشرحت رأيي أو ربّما نظريّتي التي تتناول تطوّر الأوضاع في لبنان في ظل غياب الدولة فعليّاً ووجودها نظريّاً، كما في ظلّ تناوب الطوائف والمذاهب على حكمها أو التحكّم بها المُتلازم دائماً مع تطوّرات إقليميّة معيّنة. وأشرت إلى أنه على أعتاب حكم جديد لا يمكن تجنّبه، لكنّه لن يتكرّس فعليّاً مع استمرار مظاهر التكاذب إلّا بعد تفاهمات معيّنة أو تطوّرات في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران.

ورجّحت وبقوّة عدم وجود نيّة شنّ حرب عند إسرائيل و”حزب الله” الآن على الأقل إلّا إذا ارتكب أيٌّ منهما خطأ جعلها حتميّة. ثم انتقل الحديث إلى الوضع الإسرائيلي والتطوّرات في المنطقة فقال “أن نتنياهو قام بدور مُهمّ بين رئيس روسيا بوتين ورئيس أميركا ترامب. وطبعاً كان هدفه تسهيل أمور مواجهته إيران و”الحزب” وميليشياتها في سوريا وقد نجح في ذلك. إذ صار يُنفِّذ ضربات جويّة وصاروخيّة في سوريا من دون اعتراض روسي واضح وجدّي. وحسب معلوماتي فإنّ عدد القتلى من الإيرانيّين وحلفائهم كبير”.

ثم أشار إلى “وجود خلافات عدّة بين روسيا وإيران في سوريا، واعترف للرئيس السوري بشار الأسد بضرب “الاخوان المسلمين” الإرهابيّين”، وقال: “عندما اجتمعت به (من سنوات) كانت علاقته بتركيا لا تزال جيّدة. وأكّد لي وجود قواعد واستعدادات عسكريّة مُهمّة داخل بلاده. وعندما سألته عن سبب ذلك أجاب: “لكي أحارب “الاخوان المسلمين”. اردوغان الرئيس التركي شعبوي ومُتعصَّب و”إخونجي”، وعلاقته مع روسيا وسوريا ليست جيّدة. روسيا لا تثق به. وصار ترامب “نقزاناً” منه أيضاً. هل السبب وجود جون بولتون مستشاره لشؤون الأمن القومي إلى جانبه؟ ربّما. الانتخابات المحليّة التركيّة الأخيرة أخفق اردوغان في تحقيق غاياته كلّها منها. وكنّا نتوقّع ذلك.

كُنّا نحمِّل في السابق إيران مسؤوليّة كل ما يحصل من أعمال عنف وإرهاب. الآن يوجِّه الاتّهام نفسه إلى تركيا أيضاً. في تركيا مساجد طبعاً وكلّ يوم جمعة يتسلّم المسؤولون فيها وعنها من أنقرة “خطبة الجمعة”، أي من اردوغان وجماعته”. بعد ذلك انتقل المسؤول نفسه إلى إيران، قال: “حال إيران صعبة بل مُزرية، أوضاعها الاقتصاديّة صعبة. عملتها الوطنيّة تفقد الكثير الكثير من قيمتها وفيها فساد كبير. حصلت تظاهرات مُهمّة فيها انطلاقاً من مشهد قبل سنة أو أكثر، وقد تسير تظاهرات أخرى أكثر اتِّساعاً وشموليّة إذا تدهور وضعها أكثر جرّاء إعادة العقوبات القديمة وفرض عقوبات جديدة عليها، وسيتدهور.

العقوبات الأخيرة صعبة وستزداد صعوبة. هل تهدأ إيران قبل ذلك وتأتي إلى طاولة المفاوضات”؟ أجبت: أستبعد ذلك حتّى الآن على الأقل. فهي حضّرت نفسها للصمود سنتين وهما ما يتبقّى من ولاية ترامب الرئاسيّة. إذا انتخبه الأميركيّون في 2020 لولاية رئاسيّة ثانية يكون ذلك كارثيّاً بالنسبة إلى إيران. هل تستطيع الصمود ست سنوات؟ أجاب: “يستحيل عليها ذلك. ترامب مُصمِّم ومعه نتنياهو أي إسرائيل والعرب.

كما أن الشعب الإيراني سَئِمَ من هذا الوضع (Fed Up). طبعاً استغلّ الإيرانيّون عيد النوروز ونزلوا إلى الشوارع بعشرات أو ربّما بمئات الآلاف. لم يرفعوا شعارات سياسيّة لم يتطرّقوا إلى السياسة. لكنّهم أظهروا للجميع في السلطة في بل النظام أنّهم يستطيعون النزول إلى الشارع. وقد فاجأ ذلك “الحرس الثوري” وربّما جعل قيادته أو قادته يتّخذون احتياطات للمستقبل. الأكراد فعلوا الشيء نفسه في تركيا، إذ تظاهروا سلماً في العيد ولم يتطرّقوا إلى السياسة. هل قلّص “حزب الله” “سلطته” في لبنان؟ هل يعاني ضيقاً ماديّاً؟ وهل خفّض رواتب مُجنّديه وأعضائه؟ هل لا تزال إيران تقدِّم له الدعم المالي؟”.

أجبتُ: قبل أشهر تردَّد أنه دفع نصف راتب ووعد بدفع النصف الثاني بعد 15 يوماً ووفى بوعده. لكنّه قلّص كثيراً النفقات غير المُجدية أو بالأحرى غير الضروريّة في زمن حصار وعقوبات وما إلى ذلك، رغم أنّها تكون ضروريّة في زمن السلم والبحبوحة. أنا أعتقد أنّه لا يزال عند “الحزب” المال الكافي لمهمّاته الأساسيّة في هذه المرحلة.

أمّا بالنسبة إلى “سلطته” داخل لبنان فهي دائماً موجودة ووزنها ليس قليلاً على الإطلاق. وهو الآن صار رسميّاً جزءاً منها، إذ بعد مجلس النوّاب دخل الحكومة وصار جزءاً منها. أحد أهداف ذلك تأمين الخدمات لجماعتهم الواسعة جدّاً بعدما كانت محصورة بحليفه وشريكه في “الثنائيّة الشيعيّة” أي حركة “أمل”.

انتقل المسؤول الأوّل نفسه بعد ذلك إلى السعودية، قال: “اجتمعت مع وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان. وجدته مؤثّراً (Impressive) ومتُحمّساً. صحيح أنه أخطأ في “قتل” أو بالأحرى في التسبُّب بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وبطريقة غير مقبولة. كان يُمكن أن “يُدهس” بشاحنة أو بإطلاق النار عليه من مأجورين. طبعاً خاشقجي “إخونجي” عتيق. لدي أصدقاء “حبسوا” في فندق “الريتز” (Ritz). أحدهم كان ينزل في قصر الملك سلمان أسبوعاً أو أكثر بطلب منه ودعوة. حتّى هذا الصديق “حُبِسَ” في الفندق المذكور. في أي حال أرادوا مكافحة الفساد المُنتشر. المنطقة فاسدة والعائلة الحاكمة فاسدة والأمراء والمتعاملون معهم من غير الأمراء.

ربّما كانت تلك رسالة للجميع داخل المملكة وخارجها”. علّقتُ: إذا “ضاين” محمد بن سلمان ولم يقتله أي من منافسيه داخل العائلة وخارجها، وحقّق خلال سنوات ست أو سبع جزءاً لا بأس به من “رؤية 2030” تكون السعوديّة انتقلت من القرن التاسع عشر أو قبله حتّى إلى أواخر القرن العشرين اجتماعيّاً واقتصاديّاً لا سياسيّاً، وتصبح العودة إلى “التزمّت الديني والمذهبي” مستحيلة.