فريق 14 آذار الذي لم يعد موجوداً رسميّاً وعمليّاً يعيش عدد من أقطابه حالاً من القلق الكبير لاعتقادهم أو بالأحرى اقتناعهم بأن سوريا بشّار الأسد عائدة إلى لبنان على النحو الذي كانت عليه فيه قبل انسحابها القسري منه في نيسان 2005 بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط من ذلك العام. ويعني ذلك عودتها سلطة وصاية عليه وحكماً مباشراً له، وإن رسميّاً بواسطة الحلفاء وعودة الأطراف اللبنانيّين كلّهم الحلفاء لها والأعداء إلى أحجامهم الطبيعيّة أو ربّما إلى أصغر منها. وقد يُسهّل لها ذلك ما حقّقه حلفاؤها وشركاؤها من انتصارات في معارك عدّة مكّنت الرئيس السوري من استعادة “سوريا المُفيدة” ومن السعي إلى ضمّ لبنان إليها. وهو إنجاز ما كان ممكناً لولا اشتراك أعدائها فيه في صورة جديّة. ومن أجل جعل العودة المُشار إليها ممكنة فهي تستغلّ مشكلة النازحين من السوريّين إلى لبنان، والضغط الذي يمارسونه على اقتصاده وعلى أمنه واستقراره، والتهديد الذي يُشكّلونه على ديموغرافيّته وتالياً على نظامه السياسي الطائفي – المذهبي البالغ الهشاشة والقابل للانفراط في سرعة، لأن التوافقيّة التي يوصف بها ظاهريّة، ولأن كلّاُ من أطرافه يحاول السيطرة عليه فعليّاً من داخل بواسطة الخارج مع ترك التنوّع فيه ظاهراً لكن غير محترم وغير مُمارس. وقد نجح الأسد هنا في جعل هؤلاء النازحين مشكلة داخليّة بين “الثنائيّة الشيعيّة” و”السُنيّة الحريريّة” و”المسيحيّة العونيّة” التي يُسيطر عليها الوزير جبران باسيل كما “المسيحيّة القوّاتيّة” وغيرها. كما نجح في جعل جهات لبنانيّة عدّة ترفع شعارات التطبيع مع سوريا ليس لإعادة نازحيها فقط، بل تمهيداً لتحقيق مكاسب اقتصاديّة مُهمّة من إعادة الإعمار ومن تسهيل عبور صادرات لبنان برّاً إلى العالم العربي من “معبر نصيب” على الحدود السوريّة – الأردنيّة. علماً أن العلاقة الرسميّة بين الدولتين لبنان وسوريا لا تزال قائمة ديبلوماسيّاً وأمنيّاً وعسكريّاً وسياسيّاً عبر “حزب الله” والرئيس ميشال عون و”التيّار الوطني الحر” و”تيّار المردة” وشخصيّات عدّة أخرى. وعلماً أيضاً أن إعادة إعمار سوريا مثل نفط لبنان وغازه يحتاج إلى سنوات كي يبدأ، نظراً إلى غياب التسوية السياسيّة الداخليّة فيها والتسوية الأميركيّة – الروسيّة الشرق الأوسطيّة والأوروبيّة (أوكرانيا) والتسوية الأميركية – الإيرانيّة، كما نظراً إلى ضمور احتمالات التسوية السلميّة الجديّة و”العادلة” نظريّاً للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والعربي – الإسرائيلي. وعلماً ثالثاً أن نظام الأسد لم يتّخذ قراراً بعد بإعادة النازحين من بلادهم إليها وهم بالملايين ومنهم الذين يقيمون في لبنان. وعلى الذين يستعملون عودة هؤلاء كـ”قميص عثمان” أن يسألوا اللبنانيّين الموجودين في سوريا، والذين لولا تدخّلهم العسكري وإيران ما كان استمرّ نظام الأسد فيها، عن حقيقة موقفه من العودة ليس لـ”الحطّ على عينهم” كما يُقال، وإنّما للبحث معهم وبواسطتهم عن حلّ جدّي لمشكلة السوريّين في لبنان ولاحقاً لتسوية العلاقة اللبنانيّة – السوريّة على نحو سليم ومُتكافئ يحفظ الاستقلال والسيادة، ويسمح بإعادة بناء دولة لبنانيّة جديّة لا دولة دمية تدور في فلك سوريا النظام أي نظام، ولا في فلك أي دولة أخرى عربيّة أو أجنبيّة أو عدوّة.

وفي هذا المجال يبدو أن أكثر الخائفين أو بالأحرى القلقين من العودة السوريّة الأسديّة هو الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط، وخصوصاً بعدما رأى حلفاء دمشق الدروز أصحاب الوزن الشعبي المقبول يتحرّكون بقوّة، وينجحون في تحقيق اختراق بفضلها في ساحتهم وبفضل حلفاء لها أقوياء في ساحات لبنانيّة عدّة. وكانوا سابقاً اخترقوا وبنجاح الساحة السُنيّة ويعملون بجدّ لتوسيع نفوذهم فيها.

ما موقف “حزب الله” الفعلي من عودة لبنان سوريا إلى ما قبل 2005؟

يُجيب مُتابعون من قرب لحركته أنّها تحاول التدخّل في لبنان، لكن ذلك لا يتمّ بمعزل عنه أو من دون معرفته. فهو صار مرجعيّة إقليميّة تُستشار في شأن لبنان طبعاً وسوريا والعراق وغيرها. لكن ذلك لن يُعيد سوريا إلى لبنان كما كانت في 14 شباط 2005. والأسباب كثيرة: عدم إنتهاء الحرب فيها رغم النجاحات المعروفة ومشكلة إعادة إعمارها وتحوّلها ساحة لجيوش إقليميّة ودوليّة عدّة، وعدم رغبة “الحزب” في عودة لبنان إلى ما قبل 2005. فهو الذي يُدافع عن لبنان بموافقة سوريا ويحافظ على مصالحها فيه وأمنها منه. ولعلّ أكثر ما يُثير القلق الجنبلاطي من العودة السوريّة إلى لبنان في رأي هؤلاء تداول أركان نظام الأسد فكرة تقضي بتولّي ماهر الأسد شقيق بشّار “ملفّ لبنان”. وهي مهمّة لبنانيّة لكن كانت دائماً إشارة لبداية من يتعاطى معه إلى بدء تعاطيه السياسة في بلاده. علماً أن لا داعي للقلق المذكور، فقيادة “الحزب” على اتّصال دائم بوليد بك وعلى نوع من تفاهم معه، وهي حريصة على المحافظة عليه وعلى منع الحرب الداخليّة في البلاد.

هذه المواقف لا شكّ في أنّها وصلت إلى الزعيم الدرزي الأبرز من قنواته المتّصلة بـ”الحزب”. وهي كانت أبلغت إلى قيادته في أحد اللقاءات: “دعونا نقول لكم شيئاً. وليد جنبلاط هو نقطة التوازن في الجبل وعمود الدروز. لا تُفكّروا أن درزيّاً غيره قادر على ذلك أو غير درزي أيّاً يكن اتّجاهه. وأنتم لمستم ذلك بين عامي 2005 و2008. كنّا ضعفاء ورغم ذلك حصل اشتباك وبدا أن الدروز عموماً وجنبلاط خصوصاً ليسوا لقمة سائغة. عودوا إلى التوازن والتنوّع وحافظوا عليهما. ولحليفيكما المير طلال أرسلان ووئام وهّاب وجودهما ومكانهما ولا بُدّ من المحافظة عليهما”.