لا يمرّ يوم من دون إحداث جلبة ما، في الوسط الدرزي. غالبية الأحداث، لا تطفو على سطح العلن إلا بعد إنفجارها. وسريعاً، ما يتمّ اللجوء إلى إخمادها ولملمتها. منذ الانتخابات النيابية، والمعركة مفتوحة بين محورين درزيين، الأول بقيادة وليد جنبلاط، والآخر بقيادة النظام السوري وحلفائه، الذين أصرّ على جمعهم، بعد خلافات عديدة فيما بينهم، على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة: لا بد من تجاوز الخلافات بين هؤلاء لمواجهة الأحادية الدرزية التي كرّسها جنبلاط انتخابياً، بحيث لم يتمكن خصومه من خرقه. انعكاس المعركة واضح، وأبعاده تتخطّى حدود الشوف، وحدود لبنان.

تسهيل مرور أمني
قبل يومين، تجدد السجال الدرزي الدرزي، على خلفية إقدام النظام السوري على إنشاء معبر إلزامي، للمشايخ الدروز الراغبين بزيارة سوريا. وذلك، لتسهيل عملية انتقالهم وعدم انتظار الإجراءات التي ينتظرها عامة الناس. بطاقة تسهيل مرور على المعابر اللبنانية السورية، تخوّل حاملها العبور من معبر خاص بالمشايخ، تشبه بطاقات تسهيل المرور "الأمنية"، وفق توصيف بعض المتابعين. البطاقة يجب أن تكون ممهورة بختم وتوقيع الشيخ نصر الدين الغريب. والغريب هو شيخ العقل بالنسبة إلى مكونات سياسية درزية حليفة لدمشق، لكنه ليس شيخ العقل الرسمي بالنسبة إلى الدولة اللبنانية. الانقسام بين مشيختي العقل قائم منذ سنوات طويلة، وهذا يعود إلى الانقسام الدرزي. لكن في الانتخابات الأخيرة التي حصلت، انتُخب الشيخ نعيم حسن المحسوب على جنبلاط، وهو صاحب المنصب الرسمي، أما الغريب فيمثل رمزية دينية ومعنوية غير رسمية.

الغاية من إصدار هذه البطاقات باسم الغريب، هي استقطاب المشايخ الدروز، عبر تسهيل عمليات انتقالهم إلى سوريا أو منها إلى لبنان. وهي تندرج في إطار استمرار المحاولات لتطويق جنبلاط، خصوصاً أن هذه التسهيلات لا تنفصل عن سياق الضغط السياسي المستمر منذ أشهر. اللافت بالنسبة إلى الاشتراكيين، هو أن هذه البطاقات التي تسرّبت، يوجد عليها ختم الجمهورية اللبنانية، وهنا ثمة من يسأل عن دور الدولة اللبنانية في هذا المجال، وهل هي تكملة لسياسة رسمية بدأت مع توجيه دعوة إلى الشيخ الغريب لحضور القمة الإقتصادية في بيروت، وهو الذي لا يتمتع بأي صفة رسمية لدى الدولة اللبنانية؟

الطريق إلى دمشق
يقرأ الاشتراكيون الرسالة بكثير من الإهتمام، ويتيقنون من أن المحاولات ستكون مستمرة لتطويقهم أكثر، ما بين لبنان وسوريا، على الرغم من إرساء حالة التهدئة، التي يسارع جنبلاط إلى الإلتزام بها، سواء على الصعيد السياسي بعد تشكيل الحكومة، أو على صعيد الداخل الدرزي. إذ استجاب سريعاً لدعوة المشايخ بوقف السجال بهذا الأمر. ومسح كل تعليقاته حول الموضوع، قائلاً إن الأمر لا يعنيه.

قصة بطاقات تسهيل المرور لم تكن وليدة لحظتها، هي نتاج مسار وتطورات حصلت على مراحل. في أعقاب الهجمات المتعددة التي تعرّض لها جنبلاط، ولا سيما بعد أحداث الجاهلية، واجتماع كل خصومه السياسيين ضده، وبعد تشكيل الحكومة، استمرّت محاولات تطويقه استناداً إلى العلاقة مع النظام السوري. وحينها بدأت حملة داخل البيئة الدرزية لتحفيز الناس على الذهاب إلى سوريا، وتحسين العلاقات مع النظام. وشملت هذه الحملة العديد من المشايخ. حينها استقبل جنبلاط وفداً كبيراً من المشايخ في المختارة، وأطلق موقفه الشهير أمامهم، بأنه يعلم أن كثراً منهم يرغبون في زيارة سوريا، لأن لديهم علاقات اجتماعية هناك، وأعلن حينها أنه لا يمانع ذلك، لكنه لن يسلك هذه الطريق بنفسه.

الكرامات 
كان جنبلاط يومها يقرأ الرسالة التي تصله، وعمل على منع وقوع أي شرخ في بين الدروز، على الصعيد الاجتماعي. في مقابل تولّدت فكرة إصدار بطاقات تسهيل المرور لدى النظام وحلفائه اللبنانيين. استندت الفكرة إلى معرفة تامة حول الأهمية التي يوليها الدروز، لاستمرار ترابط العلاقات الاجتماعية مع دروز سوريا، إذ أن هناك الكثير من العائلات الواحدة ما بين لبنان وسوريا، والترابط فيما بينها لا يزال موجوداً، وممتداً منذ الحرب القيسية اليمينة، وصولاً إلى المجاعة التي اجتاحت جبل لبنان في الحرب العالمية الأولى، فأجبرت بعض دروز لبنان إلى اللجوء إلى جبل العرب.

دخل المشايخ على خطّ السجال، طالبين من الطرفين السياسيين المتناقضين وقف التداول فيه، وذلك لتجنّب المزيد من الخلافات، التي قد تنعكس هذه المرّة على الأرض، فاستجاب الجميع لهذا المسعى. وأعلن جنبلاط سحب تغريداته، وبأن الأمر لا يعنيه. وأبعاد هذه الكلمة الأخيرة، تعني أن جنبلاط أراد الإشارة إلى أن المحسوبين سياسياً عليه غير متحمسين للذهاب إلى سوريا، خصوصاً إذا ما كان الذهاب إلى هناك سيكون "بشفاعة" الشيخ الغريب. وهناك من يعتبر أن الدروز لا يقبلون بهذه النمطيات من السلوك، لأن الأمر فيه تجاوز للكرامات، خصوصاً وأن يتم إيقافهم بالصفوف أو الطوابير في معبر واحد بانتظار الدخول إلى سوريا.

ماذا يحدث في السويداء؟
ما يجري هو حلقة في سلسلة مستمرّة منذ فترة ليست قصيرة، وبلا شك أنها ستستمر بأشكال متعددة في الأيام المقبلة، لأن القرار لدى النظام السوري واضح، ويتعلّق بالانتقام من جنبلاط على كل مواقفه، خصوصاً بعد موقف أخير أطلقه بأنه لن يزور سوريا لا هو ولا تيمور، طالما هو على قيد الحياة، إلى جانب المواقف التي أطلقها تجاه رئيس النظام السوري بشار الأسد. والأهم من ذلك، أن وقع السجالات الدرزية اللبنانية، كان يحصل بالتزامن مع إستمرار النظام بتضييق الخناق على أبناء السويداء، وحشد المزيد من القوات العسكرية التابعة له في محيط المحافظة.

منذ أيام يعمل النظام السوري على زيادة عديد قواته في محيط السويداء، بالإضافة إلى استقدام قوى حليفة للنظام، لتعزيزات إلى محيط تلك المنطقة، من جهة درعا. هذه التحركات لا يمكن فصلها عن نجاح جنبلاط بمبادرتين بخصوص السويداء اضطلع بهما مع روسيا، الأولى اطلاق سراح المعتقلين لدى تنظيم داعش، والثانية تعهّد الروس بعدم جرّ أبناء السويداء إلى الخدمة العسكرية الإلزامية خارج المحافظة، كي لا يستخدموا وقوداً في معارك النظام. استقدام النظام لقواته العسكرية، يمثّل خروجاً على موقف روسي سابق، قضى بعدم السماح بانتشار قوات تابعة للنظام أو للإيرانيين في محيط السويداء، وهذا يمثّل تجاوزاً للموقف الروسي، ما قد يؤشّر إلى احتمال وقوع تطور عسكري في تلك المنطقة، خصوصاً أن المجزرة التي اقترفها تنظيم داعش قبل أشهر لا تزال ماثلة في الأذهان، والتنظيم ليس بعيداً جداً عن هذه المنطقة، إذ أنه موجود في مواقع ونقاط مشرفة عليها.