توافد النواب الى ساحة النجمة للمشاركة في الجولة الأخيرة لجلسة الثقة بهدف اعتلاء المنابر وليس لمنح الثقة وفق تعبير بعض الزملاء، فيما أصرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري على التصويت على الثقة مساء بعد الإنتهاء من الكلمات، فحصدت حكومة الرئيس سعد الحريري 111 صوتاً من أصل 117 حضروا.
 

لم يستمتع الحريري والنائب نديم الجميّل بالاعتذار الذي فاجأ به النائب محمد رعد النواب في مستهلّ الجلسة، وتحديداً بعد كلمة النائب ماريو عون الذي كان ثاني المتحدثين، فقال «عن السجال غير المرغوب به، والذي انطوى على كلام مرفوض صدر عن انفعال شخصي من الإخوان في الكتلة تجاوَز الحدود المرسومة للغة الحزب في التخاطب والتعبير عن المواقف»، متوجّهاً الى بري بالقول «أستمحيكم عذراً»، طالباً شطب ذلك الكلام من المحضر.

وفي العودة الى مجريات الجولة الثالثة، أجمعَ النواب على عرض فصول الفساد تماماً كما فعلوا في الجلسات السابقة. كذلك تشابهت الكلمات في عدم تحديد هوية الفاسدين، فيما طالب النائب فريد البستاني الذي كان أوّل المتحدّثين في الجولة الثالثة، بإنشاء المجلس الأعلى لمحاربة الفساد والفاسدين برئاسة الرئيس نبيه برّي، كما أعلن الاستمرار بعمله في المساءلة والمحاسبة، لكنّ الأمر لم يمنعه من إعطاء ثقته للحكومة.

بدوره، أعرب النائب ماريو عون عن أمله بوزير الصحة حسن جبق الذي سيعطي، بحسب رأيه، الحقوق الإستشفائية لجميع المناطق اللبنانية، وتحديداً الشوف.

النائب علي عمار الذي بحّ صوته من شدة الانفعال، شكّلت كلمته أيضاً مفاجأتين في الجولة الثالثة. إذ انه في الأولى اعتذر أيضاً، لأنه وفق تعبيره استطلع رأي النواب خارج القاعة كاشفاً عن انّ مجلس النواب يضمّ نوعان من الرجال: نوع يتكلّم بما يحبّه الناس والجمهور، ونوع يتحدث باللغة التي يجب ان يسمعها الناس ولو كانت قاسية. امّا المفاجأة الثانية فكانت استعجاله الدولة لوَضع «الاستراتيجية الدفاعية على أن تُنصف المقاومة بعد تصدّيها للمؤامرات والمخططات الخارجية...»، معلناً «اننا لسنا هواة قتال ونطالبكم باستراتيجية دفاعية سريعة».

الجلسة التي غاب عنها رئيس الحكومة في نصفها الاول، حضرها وزير الخارجية جبران باسيل الذي كان أوّل الواصلين، ولم يجلس على المنصة الوزارية بل الى جانب النواب في كتلة «لبنان القوي».

وفي معلومات لـ»الجمهورية» انّ النائب نديم الجميّل ارتأى عدم الكلام بعدما أدرج اسمه على لائحة النواب طالبي الكلام، مُكتفياً بالتغريد ردّاً على اعتذار «حزب الله» قائلاً: «اذا كان الاعتذار عن الخطأ فضيلة فالاعتراف بشهداء بعضنا البعض وطنية...». مضيفاً «بعد اليوم ما لازم نختلف على الحقيقة. بشير حلم شعب وشهيد الجمهورية».

فيما علمت «الجمهورية» أنّ الإتصالات تكثّفت صباحاً، وعملت عليها أطراف سياسية متعددة بهدف الإستحصال على طلب اعتذار من قبل «حزب الله» في جلسة المساء، وتكللت مساعيهم بالنجاح. فيما أوحت مؤشرات عدة بعدم رغبة حزبي «القوات اللبنانية» و»الكتائب» فتح مواجهة مع «حزب الله»، وهما يفضّلان تجنّبها. والدليل عدم استجابة الأخير (حزب الكتائب) الى تلبية وتغطية الإعتصام الذي دعت اليه «كتائب الأشرفية» بعد سجال «الجميّل - الموسوي».

أمّا النائب الان عون فلم تخل لهجته من الحدية، وتطرّق في كلمته الى ضرورة تجّنب المَس بالشهداء والمقدسات، لأنه يعيد الإصطفافات في الشوارع ويُحيي الغرائز وليس العقائد السياسية. مؤكداً انّ الرئيس الشهيد بشير الجميّل في نظر البيئة المسيحية رمز وطني لن تقبل المساس به. في المقابل أشاد بموقف «حزب الله» بعد الاعتذار في جلسة الأمس، داعياً الى عدم الرجوع الى هذه اللغة في التخاطب لأنّ الغرائزية في لبنان تتغلّب على الوطنية. كذلك علّق على الكلام الذي تحدّث به الزميل الموسوي «عن حسن نيّة» وهو وصول العماد عون الى الرئاسة بفضل بندقية المقاومة»، الأمر الذي فتح جدلية وحرباً على مواقع التواصل الإجتماعي، لافتاً الى انّ الأمر قابَله استغلال من قبل أطراف كثيرة، في وقت لا يُنكر التيار فضل «حزب الله» في وصول عون الى بعبدا، بينما في الحقيقة انّ الرئيس وصلَ من خلال عملية صرف سياسية لم يكن فيها أيّ دور لأيّ سلاح او بندقية، ولقد وصلَ الى سدّة الرئاسة بإرادة شعبه وبيئته وبدعم «حزب الله» وحلفاء آخرين. ودعا عون الى مكافحة الفساد.

عون أقرّ بسقوط شعار الحكومة السابقة «استعادة الثقة»، لكنه منحها لحكومة الحريري.

أمّا النائب ‏طوني فرنجية فاعتبر أنّ البيان الوزاري يتضمن إصلاحات غير شعبوية وجريئة، ‏متسائلاً عن ماهية هذه الإصلاحات، ‏متمنياً الّا تتطلّب فرض ضرائب جديدة ورفع الـtva، لكنه في المقابل اعتبر الحكومة أفضل من الفراغ إلّا أنه رفض دفع الضرائب من جيوب الناس.

ودعا إلى «خلق فرص عمل داخل القطاعات وفي قطاع السياحة»، وقال: «إنّ نسبة البطالة في لبنان هي 46 بالمئة، فلو وظّفنا هؤلاء الناس في فرص عمل يكون الامر افضل، فهذا الكلام يطول وشرحه يطول. وعندما تصدر الموازنة، نتحدث ايضاً. لقد وعدتنا وزارة المالية بأنها ستُرفق الموازنة بقطع الحساب».

وتحدث عن «موضوع النازحين السوريين، وأصرّ أن لا حل الّا بعودتهم الآمنة إلى بلادهم»، متسائلاً: «من يحدد ما هي العودة وإجراءاتها العملية؟» متمنياً «أن تكون هناك خطوات جريئة».

وفي الملف السياسي، تحدث عن «إعادة العلاقة مع سوريا، التي أصبحت أمراً واقعاً، وليست كما كانت قبل 5 سنوات»، لافتاً إلى أنّ «الجميع متحمّس لإعادة إعمار سوريا».

بدوره، ‏دعا النائب عراجي إلى تشجيع الصناعة الوطنية، وخاصة في ما يتعلق بصناعة الدواء، داعياً إلى التخفيف من استيراد الأدوية من الخارج.

بدوره، ثمّن النائب ابراهيم كنعان ما قام به الزميل محمد رعد، واعتبر انه دليل على انّ التواصل في ما بين نواب الأمة والكتل أساسي مهما كانت الخلافات، وما حصل ترك ارتياحاً في أوساط الناس والمعارضة.
امّا عن موضوع الفساد، فقد كشف كنعان انها ليست قصة راجح، موضحاً انّ ٦٤٠ ملياراً تبلغ قيمة العطاءات السنوية للجمعيات والمطلوب إجراء تدقيق في الجمعيات، وانّ البطاقة الصحية المالية للدولة اللبنانية تظهر دقة الوضع، وانّ دين الدولة وصل الى ٨٣ ملياراً والنمو ١٪، الأمر الذي يحفّزنا على ممارسة الرقابة الفعلية واحترام الموازنة عند إقرارها.

الكلمة الختامية قبل «خطبة» الجمعة التي ألقاها نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي، كانت للرئيس نجيب ميقاتي الذي اعتبر انّ البيان الوزاري جيّد، متمنّياً تحقيق الوعود الذي تعهّد بها هذا البيان ووضعها بمكانها الصحيح. كما طالبَ ميقاتي الحكومة ان تكون أكثر تشدداً في الشفافية وفي المراقبة، لافتاً الى انّ المشكلة ليست في تطبيق البيانات إنما في تطبيق الدستور اللبناني الذي هو الاساس، اذ انّ الدستور هو الذي ينظّم كل شيء في البلد، لكنّ المشكلة انّ المادة 27 من الدستور لا يتم تنفيذها. ميقاتي الذي منح الحكومة الثقة بالقول إنه ممنوع عليها ان تفشل، لم ينس الغمز من قناة رئيس الجمهورية عندما أشار الى انّ حصته لا يختصرها بعض النواب إنما الحكومة بكاملها، كما لم ينس تهنئة طرابلس بتعيين وزيرة الداخلية ريّا الحسن متأمّلاً من ابنة المدينة أن تعطي طرابلس حقها.

وبعد مداخلة الوزير يوسف فنيانوس، كانت كلمة لوزير المالية علي حسن خليل، الذي أوضح ان لا أرقام مخفية في وزارة المالية والارقام منشورة على الموقع الالكتروني للوزارة، ونحن جاهزون لإعطاء اي نائب أرقام موازنة المالية العامة.

وأضاف: لم ينفق أي قرش خارج الاصول التي أقرّها المجلس والحكومة، وانا المسؤول عن اي كلام مخالف. وقال انّ الوضع المالي دقيق محذّراً من زيادة الإنفاق في الوزارات خوفاً من زيادة العجز الى ٤ بالمئة بعد ان كان 1 في المئة.

من جهته، قال الحريري في رَدّه: «اذا كان البعض «عينهم ضَيّقة» وانّ برنامج سيدر سيوظّف بعض اليد العاملة السورية، فسيدر برنامج واضح لا علاقة له بالتوطين»، موضحاً «اننا متفاهمون بإيجابية ومتفقون على انّ البلد سيفرط اذا لم نتوافق، ومع الأسف هناك من يرى برنامج سيدر رشوة للقبول بالتوطين».
وأكد أنّ «سيدر برنامج لبناني مئة بالمئة، وليس هناك أي شروط وضعها أحد على لبنان، ونحن أخذنا الاصلاحات التي طالب بها القطاع الخاص اللبناني».
وأضاف: «في موضوع النازحين موقفي معروف ونريد لهم العودة بالأمس قبل اليوم، ولكن اذا أردنا وضع كل مشاكلنا في النازحين فهذا الامر غير صحيح والمشكلة هي لدينا».

ولفت الى أنه «في العام 2010 كان النمو 8 بالمئة، ولو لم نختلف كقوى محلية لكان الناتج المحلي 75 ملياراً، وما زاد الطين بلّة هو الحرب في سوريا وتداعيات الحرب علينا... أمّا بالنسبة الى القطاع المصرفي فهو كان وما زال يلعب دوراً ايجابياً في الحلول».

وأشار الى أنّ «الهدر في الكهرباء هو أمّ المصائب، وهذا الامر معروف وهناك العديد من المبالغات والبلد دفع كلفة حروب وعدم الاستقرار، وكلفة تغليب مطالب الطوائف على حساب الدولة».

وأكد أنّ «سنة 2019 هي سنة إيجاد حل جدي للكهرباء، واذا لم يحصل ذلك نكون قد فشلنا جميعاً».

وفي نهاية الجلسة تمّ التصويت على الثقة، فنالت الحكومة 111 صوتاً مقابل 6 حجبوا الثقة عنها.