هل تستطيع الأحزاب إجهاض التحركات المطلبية الشعبية؟
 

يبدو أن التحركات الإحتجاجية بدأت تكرس الازمة الملتبسة للأحزاب السياسية اللبنانية والنقابات، في كل مرة تنزل فيها إلى الشارع وأعتقد أن المستقبل القادم سوف يؤكد عدم اكتراث الشارع للأحزاب ولا يعبء بمساندتها له بل ان روح الإرتياب من بعض الأحزاب لدى المحتجين تمثل بعدم القبول في ركوب موجة الغضب الشعبي العارم الذي سوف تتسع أشكاله، ومن هنا نقول أنه لا يمكن لأي حزب مشارك في السلطة أن يكون وسيطًا بين المحتجين والسلطة.

وان هوةً كبيرة نشاهدها اليوم والتي بدأت تتسع مع تنامي الحركات الإحتجاجية والإجتماعية مع التنظيمات المعهودة على الساحة اللبنانية، وإن نظرة سريعةً على نوعية المشاركين في التظاهرات اليوم والذين في معظمهم أتوا من الضاحية والبقاع والجنوب وقليل لبوا دعوة الضائقة الإقتصادية في غير منطقة من لبنان، لهو دليل على أن هذه الأحزاب المتواجدة في البقاع والجنوب والضاحية قد بدأت تفقد عصرها الذهبي، بل إن عليها من اليوم فصاعداً أن تتهيأ للتأقلم مع وضع داخلي وخارجي متوتر يتنامى معه الإعتقاد بالأداء السيء للأحزاب بسبب رداءة دورها في التوسط بين الدولة والمحتجين فلا يمكن أن يجد المتظاهرون أنفسهم دائما في العراء مكشوفين من أحزاب يفترض أن تتصدر للمطالبة بحقوقهم لا أن تقف على الحياد.

إقرأ أيضًا: قطار الإصلاح في الفكر الإسلامي ... هل يُعاد تأهيله؟

إن الإنشغال الذي رصدته في إعلام حزب الله مواكبًا للحركة الإجتماعية والمطلبية يوم الأحد يشير الى أخذهم بضرورة الإحتواء السياسي لحركة المحتجين، وإن نظرة سريعةً على مقدمة نشرة الاخبار لقناة المنار التي القت باللائمة على تجار الهيكل بل وسرّاقه في وقت لا يفصلنا عن الإحتفاء بميلاد من أتى مخلصاً وطارداً لتجار الهيكل واللصوص، واللوم موصولاً بالمستأثرين بوزير بالزايد أو بالناقص ولعل اللبيب من الإشارة يفهم أن الحزب أراد احتواء الحركة المطلبية الاجتماعية التي لم يسلم هو منها لزعاً مؤدباً من المشاركين المنتمين إلى نفس بيئته ومحاولتهُ في توجيهها إلى خصومه والمستجدين منهم بالاخص وبذلك يدفع كرة النار التي جعلت منه مشاركاً، بل ومضارباً في السياسة، هذا ما انعكس سلباً عليه إلى حد ما وعلى وظيفته التى أصبحت رهينة للتحالفات التوافقية. 

متى يؤرخ في لبنان للدخول الفعلي للشعب في الحياة السياسية كون الطبقة السياسية والأحزاب القابضة على مفاصل العمل العام قد خنقت كل حركات الإحتجاج ان لم تكن مستوعبة من قبلها وموجهه إلى ما تريده الاحزاب منها، من هنا فإن النزول إلى الشارع هو الشكل الوحيد الذي عن طريقه تجد الجماعات وسيلتها في التعبير عن رأيها كجماعة موحدة بعدما أمعنت الأحزاب تمزيقًا في الجماعات على خطابات مذهبية وطائفية بل حتى وصل بعضها الى حد الإتهام بالتكفير والعمالة في لحظة الانتخابات التي هي الوسيلة الأولى للمشاركة في بناء وتجديد السلطة والمشاركة فيها. 

إقرأ أيضًا: حزب الله والمعركة القادمة...

هذا النزول إلى الشارع هو في الحقيقة سباحة في الفضاء العام الذي أصبح في التاريخ المعاصر من أكثر وسائل التعبير مباشرة ليس لأنه يوحد بشعاراته كل الاتجاهات والمذاهب والطوائف ويظهرها موحدة في مطالبها مع بعض نتوءاتٍ لا نبرِئ منها بعض تلك الأحزاب الشمولية بأدواتها السرطانية والفوضوية، بل لأن المواطنين الذين ينزلون الى الشارع يؤكدون من جديد أنهم مصدر ومعيار كل سيادة.  

إن مراهنتنا نحن الاصلاحيون على الحركات الاجتماعية وتنوعها خلال الأيام القادمة لا سيما في المناطق الريفيه، حتى تثمر تغييرات في الإجتماع السياسي الحالي وان بدرجات وخلفيات متفاوتة وان الادلة كبيرة بين أيدينا ليس اقلها السخط العام في المجتمع حول ادارة المرافق العامة والمجالس السياسية والإجتماعية وحتى النقابية، كل ذلك يعكس نوعًا من التطور والنضج في اعتماد الناس طرقا مؤثرة في مواجهة ما يعترضهم من مشكلات والسعي الدائم إلى ايجاد الحلول الكفيلة بتجاوزها جزئياً او كلياً، يؤكد الإعتقاد بما ستحققه هذه الإحتجاجات الإجتماعية ان بقيت بعيدة عن السلطة بكافة أشكالها المباشرة وغير المباشرة وأعني بذلك القوى المتمثلة في السلطة التنفيذية والتشريعية في الأفق المفتوح للديمقراطية في الحياة السياسية والتحرر الإجتماعي والإقتصادي وفي ما تمارسه هذه الإحتجاجات في ضغط متواصل على السلطة العامة من اجل تلبية مطالبها.

إقرأ أيضًا: حزب الله وباسيل .. فلمّا اشتدّ ساعدُه رماني

إن لبنان لن يكون بمنأى عن التأثر بحكم جغرافيته الاستراتيجية التي سمع أبناؤه أصوات المحتجين بالشانزديليزيه وشاهد السترات الصفراء التي نزلت موحدة حركة المحتجين، لا على فساد كبير ولا على بطالة تفوق الـ 40% ولا على سرقة للمال العام ولا على دين يقع على عاتق أبناء الأبناء سداده ولا على عدالة إجتماعية بل على بعض زيادة على سعر البنزين، فجر ثورة لا نعرف بمن ستطيح.

وان سوسيولوجية لبنان البشرية المتنوعة سوف تعيد الانبعاث إلى الشارع الذي يتسع ليشمل كل التواجد السكاني مدناً وأريافاً والشاهد على ذلك هو تصاعد دينامية الاحتجاج الذي سوف يتحول من الإحتجاج على الإجتماع العام إلى الإحتجاج على السياسة العامة في البلاد وسوف يتكسر قيد احتكار الاعلام الممسوك والمقيد من قبل الأحزاب في القنوات التلفزيونية لينتقل التفاعل عبر فضاء الإنترنت المفتوح وغير المقيد، إن حركة الإحتجاج والسخط في الشارع اللبناني يجب أن تنتقل من ردة الفعل، على التقصير والفساد إلى الفعل في سبيل سلوك الاصلاح والتغيير الحقيقي سبيلاً ولا يمكن أن يسيير الا ضمن مصلحة المواطن، وأولوياته، بعيداً عن الإصطفافات السياسية التي مكنت الأحزاب من تقاسم السلطة والتنصل في اللحظة المناسبة من الإخفاقات والتقصير في خدمة المواطن، وتطهير المؤسسات من المحسوبية والاستزلام والتبعية.