مجدداً، يعود رئيس الجمهورية إلى التصعيد، بوجه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. رسائل بالغة الخطورة، في المضمون والتوقيت، أطلقها عون تجاه الحريري. عاد إلى نغمة وضع مهلة زمنية أمامه، للوصول إلى حلّ وتشكيل الحكومة. ولوّح الرئيس بخيار مراسلة مجلس النواب لبحث عقدة التشكيل. وهذه التلويحة تتكفل بالإشارة إلى أن العلاقة ليست على ما يرام. وحسب ما تكشف مصادر المجتمعين مع رئيس الجمهورية، في الساعات الأخيرة، فإن مواقفه لا تخلو من العتب على الحريري، وتوجيه كلام قاس إليه.

الحريري لا يجيب

تنقل المصادر، أن عون كان قد أعطى مهلة للحريري للقبول بالصيغ المطروحة لتشكيل الحكومة، تنتهي ليل الخميس الجمعة. أي كان يفترض بالحريري أن يعطي جوابه للوزير جبران باسيل، خلال اللقاء معه مساء الخميس في بيت الوسط. وتؤكد المصادر أن اللقاء مع باسيل لم يصل إلى قواسم مشتركة، وبالتالي لا تزال الأمور عالقة في مكانها. وهذا ما دفع عون إلى إصدار بيانه التوضيحي بشأن ما نقل عنه، مع عدم إسقاط خيار اللجوء إلى مجلس النواب من البيان. وعليه لا يمكن اعتبار أن ورقة إسقاط الحريري قد حانت، ما يريدونه هو بقائه، لكن بشروط الإستسلام الكامل، وليس دفعه إلى المغادرة. بينما هو حتى الآن لا يزال على موقفه لا اعتذار، ولا تسليم بشروطهم.

نقل الحفلة

لن يكون لمراسلة مجلس النواب أي مفاعيل دستورية، ولن يكون رئيس الجمهورية، ولا المجلس النيابي، قادرين على إحداث فرق، أو إسقاط التكليف، أو تحديد مهلة للتشكيل. جلّ ما سيجري، هو نقل حفلة الخلافات إلى قاعة البرلمان، والتي ستكون منقولة مباشرة على الهواء، ما يسهم في تسعير المواقف الإستعراضية والخلافية. وبالتالي هذا لن يكون حلّاً.

وتكشف المصادر أن عون طلب من الحريري، بطريقة أو بأخرى، الموافقة على صيغة 32 وزيراً، على أن يحصل على الوزيرين الجديدين، أي العلوي والسرياني، مقابل تنازله لصالح سنّة الثامن من آذار، لكن الحريري رفض ذلك، لأنه لا يريد تكريس وزير علوي في الحكومة، سيعتبر لاحقاً وزيراً شيعياً سابعاً، وهذا سيدفع الدروز وغيرهم من الأقليات إلى المطالبة بزيادة حصتهم الحكومية. كما أن صيغة الـ 32 وزيراً تقضي نهائياً على إتفاق الطائف، وتؤسس لأعراف جديدة، ستفتح أبواب مغلّقة تؤدي إلى تهشيم الدستور.

أفكار باسيل

لدى طرح عون أمام زواره صيغة الـ 32، توجه الزوار إليه بالقول: "لننتظر حتى عودة الحريري من السفر". فأجاب الرئيس: "وعلى الرغم من كل ما يحصل، فهو مسافر". فهم الزوار أن عون يصعّد كثيراً بوجه الحريري، ويعبّر عن استيائه من عدم مسايرته له، ويعتبرون أن الحريري أصبح وحيداً، بعد مواقف عون. إذ أنه تدرج في التحولات من رفضه توزير سنة 8 آذار، إلى استخدامه مثال سليمان الحكيم وأم الصبي، والذي قصد من خلالهما الحريري، والذي يتوجب عليه التنازل، وصولاً إلى الموقف الجديد بفرضه عليه 32 وزير، وإلزامه بمهلة زمنية أو أنه سيراسل مجلس النواب، وكأن ذلك ينطوي على تلويح بإسقاط التكليف. وهكذا يكون الحريري محاصر من كل الجهات.

هذا الطرح الجديد الذي يحاول عون إلزام الحريري به، هو من بنات أفكار الوزير جبران باسيل، الذي يعمل على إجتراح أي صيغة، لعدم خسارته أحد عشر وزيراً. علماً، أنه قبل أيام وحسب تأكيد مصادر متابعة، كان هناك صيغة للحلّ كادت تسلك طريقها، وهي تنازل عون عن وزير سني من حصته لصالح وزير يمثّل سنة 8 آذار، لكن باسيل هو من رفضها ولجأ إلى إبتكارات جديدة، فيما تؤكد المصادر أن الحلّ الوحيد في النهاية سيكون وفق القاعدة الأولى، أي توزير ممثل عن نواب سنة 8 آذار من حصة عون.

بقراءة أخرى، ثمة من يرى تلاعباً من قبل حزب الله بعون والحريري معاً. إذ أن تصلب عون في موقفه وتصلب الحريري، لا يمكن إلا أن يكونا مرتكزين على طمأنة من حزب الله لهما، هذه الطمأنة يضعها البعض في سياق حفظ حزب الله لتوازنات معينة، ربطاً بتأجيل تشكيل الحكومة وإدامة التأجيل إلى ما بعد اتضاح صورة الوضع الإقليمي، وحينها يحقق الحزب نصف انتصار، يحفظ الحريري ماء وجهه، وعون لا ينكسر ولا يكسب 11 وزيراً.