نفق كفر كلا، موجود أو غير موجود؟ وإن كان موجوداً فعلاً ففي أي مكان وفي أي بقعة بالتحديد؟ ولماذا كشف الاسرائيلي عنه في هذا التوقيت؟ فضلاً عن انّ نفقاً كهذا بطول 200 متر وامتداد 40 متراً الى داخل الجانب الفلسطيني من الحدود، يتطلّب عملاً دؤوباً وفترة طويلة لإنجازه، فهل كان غافلاً عن إسرائيل كل هذا الوقت؟
 

في الجانب اللبناني، تسود لغة التشكيك بوجود النفق، اليونيفيل تقول انها عثرت على أنفاق على الحدود، امّا لبنان فلا ينفي ذلك، ويؤكد انها أنفاق قديمة واسرائيل على علم بها!

وثمة من يقول في هذا الجانب «انّ لبنان امام عملية نفاق اسرائيلية واضحة، فنتنياهو مأزوم يهرب من أزمته الداخلية خشية من إنهاء حياته السياسية، خصوصا انه يعيش في هذه اللحظة أسوأ مراحله لاتهامه وعائلته بارتكابات وبالضلوع بعمليات رشاوى وفساد. ولنسلّم انّ هناك نفقاً فليدلونا عليه، وليقولوا لنا اين هو، وبعدها لكل حادث حديث»، وعلى ما يقول الرئيس نبيه بري «الاسرائيلي ينافق ونتنياهو يهرب من أزمته، ثم لنفرض انه يوجد نفق، فالاسرائيلي يقيم نفقاً بحرياً ونفقاً جوياً، او بالأحرى يقيم أنفاقاً في الجو والبحر، وكل يوم يمارس من خلالها خرقاً للسيادة اللبنانية؟ 

هذه اللغة التشكيكية شملت كل المستويات السياسية اللبنانية، إنما مقرونة بشيء من الخشية مما اذا كانت اسرائيل تبيّت امراً ما ضد لبنان. وامّا «حزب الله»، الذي تنسب اسرائيل ملكيته للنفق، فيبدو ان قراره واضح بالصمت النهائي، مع دخول في جهوزية لأيّ احتمال.

واما في الجانب الاسرائيلي، فجدال واضح، والصورة تعكس مشهدين؛ فمن جهة مستويات سياسية وعسكرية تقرع طبول حرب وشيكة تفرض قواعد اشتباك جديدة مع لبنان ومع «حزب الله»، وآخرها تلويح نتنياهو بتحرك اسرائيلي داخل لبنان. وكذلك ما صرّح به وزير الاستخبارات الإسرائيلية يسرائيل كاتس من انّ «إسرائيل تعكف على عَزل لبنان في الحلبة السياسية بالمنطقة»، وانه تم الاتفاق بين اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية على أن تقود واشنطن عقوبات من شأنها أن تَشلّ «حزب الله».

وامّا من الجهة الثانية، فتبرز مقاربات استخفافية لهذا الحدث من مستويات سياسية وعسكرية وامنية واعلامية، بلغت حدّ توصيف هذه العراضة الإسرائيلية على الحدود، التي سمّاها المستوى العسكري الإسرائيلي بـ«درع الشمال»، بأنها ليست سوى درع لنتنياهو.

موضوع النفق، شَكّل، وما يزال يشكّل الحدث الأكثر جذباً للقراءات والدراسات ودراسة خلفيته ومراميه وإثارته في هذا التوقيت، وأحدث استنفاراً لدى البعثات الديبلوماسية العاملة في لبنان لمواكبة هذا الحدث، وهو ما أكدته اتصالات ديبلوماسية غربية وردت الى اكثر من مرجع لبناني، مُستوضحة ما يجري ومستفسرة عن موقع النفق اولاً، وكذلك عن رد الفعل اللبناني حيال الاثارة الاسرائيلية لموضوع النفق، وما هو المتوقع ان يقوم به «حزب الله» إزاء هذا الأمر.

اللافت في التقييم الديبلوماسي لهذا التطور، انه لا يميل الى الخشية من انحدار الأمور على الجبهة الجنوبية نحو الاشتعال، ذلك انّ طرفي الحرب، أي اسرائيل و«حزب الله»، لا يبدو انهما في وارد الدخول في مواجهة، أقلّه في الظروف الراهنة، ويميل هذا التقييم الى الاعتقاد بأنّ هذا التطور أسبابه داخلية اسرائيلية أكثر مما هي مسألة نفق.

يتقاطع هذا التقييم مع قراءة خبير في الشأن الاسرائيلي، يعتبر فيها انّ اسرائيل، ومن خلال اثارة موضوع النفق، تبحث عن مجال جديد للمواجهة ولحرية الحركة اكثر التي تقيّدت بعد إسقاط طائرة الرصد الروسية في ايلول الماضي.

ويوضح الخبير انّ اسرائيل، ومنذ المرحلة المبكرة للأزمة السورية، قررت الدخول بشكل مباشر في الصراع، من خلال سلسلة ضربات جوية استهدفت مراكز للجيش السوري، وأخرى للحرس الثوري الإيراني و»حزب الله»، وبلغت ذروتها باغتيال جهاد مغنية ورفاقه، ولاحقاً اغتيال سمير القنطار. وبَدا من خلال ذلك انّ اسرائيل قد فرضت قاعدة الاشتباك الخاصة بها في الأجواء السورية، لتؤكد من خلالها انها رقم صعب في المعادلة السورية، خصوصاً بعدما فُتحت جبهة الجنوب السوري على مصراعيها.

الّا انّ التدخل الاسرائيلي، وبرغم ما خلّفه من خسائر بشرية ومادية في صفوف المحور المؤيد للنظام السوري، لم يؤدّ إلى تغيير الحقائق الميدانية على الأرض، خصوصاً بعدما أُسدِل على هذا المحور غطاء سياسي وعسكري روسي فَرضَ متغيّرات عابرة للمحافظات السورية، من دير الزور إلى القلمون، ومن حلب إلى درعا.

وإذا كان السلوك الاسرائيلي، يقول الخبير المذكور، الذي اقتصر على المجال الجوي السوري، قد ضمن لفترة معيّنة نوعاً من الثبات، فإنّ إسقاط طائرة «إيل-21» الروسية في أيلول الماضي، شكّل نقطة تحوّل في قواعد الاشتباك السائدة، خصوصاً انّ الرد الروسي كان استراتيجياً من خلال تزويد الجيش السوري بمنظومة «أس-300»، وربط منظومة الدفاعات الجوية السورية بمنظومات الرصد والانذار الروسية.

النتيجة الفورية لهذا الرد، جعلت، بحسب الخبير المذكور، الآفاق مقفلة أمام إسرائيل، خصوصاً أنّ التحذيرات الروسية كانت حازمة في التشديد على أنّ أيّ تحرّك استفزازي سيعدّ المرّة لعباً بالنار وستكون تداعياته قاسية، وهو الامر الذي دفع أحد المعلّقين الإسرائيليين إلى القول: «إنّ إسرائيل جلبت الدب الروسي إلى كرمها».

يؤكد الخبير انه منذ ايلول الماضي، قامت اسرائيل بسلسلة محاولات لتنفيس الغضب الروسي، وكلها باءت بالفشل ولم تنجح في إعادة الدفء الى العلاقات بين تل ابيب وموسكو. ويشير الى انّ اسرائيل، وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب، لم تتمكن من الاستحصال على ضوء أخضر لأي مغامرة اسرائيلية، وذلك بسبب انّ أجندة ترامب مزدحمة بالملفات، التي تجعل الضوء الأخضر لأي مغامرة إسرائيلية يصطدم بتعقيدات داخلية وخارجية لدى صنّاع القرار في الولايات المتحدة.

من هنا، في رأي الخبير المذكور، كان لا بد لإسرائيل، لكي تحفظ ماء وجهها، من أن تغامر بمفردها في اختبار الرد الروسي على أية محاولة لتغيير قواعد الاشتباك التي أرسَتها روسيا بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية. فبادرت قبل اسبوع الى شن ضربات صاروخية، لمواقع تابعة لإيران و«حزب الله» في الأراضي السورية، في خطوة انتهت بإعلان سوري عن إسقاط كل الأهداف المعتدية، حتى من دون تفعيل منظومة «أس-300».

ومن هنا ايضاً، يقول الخبير، يمكن فهم عملية «درع الشمال»، التي قوبلت منذ اللحظة الأولى بسخرية، حتى في الداخل الإسرائيلي، من خلال مروحة تعليقات تفاوتت بين مقالات ورسومات كاريكاتورية تعكس حقيقة مرّة لدى الإسرائيليين، وهي أنّ ثمة عجزاً في مواجهة «حزب الله»، وبين تحليلات ومواقف سياسية معارضة رأت في أنّ «حرب الانفاق» المزعومة ما هي إلّا محاولة من بنيامين نتياهو، المحاصر بأزمات الحكم وملفات الفساد، للهروب إلى الأمام.

ويلفت الخبير الى تقييم روسي لعملية «درع الشمال» يعتبر ان اسرائيل تحاول من خلالها البحث عن ثغرة في البر، تعوّض انسداد الأفق في الجو. 
خلاصة كلام الخبير المذكور، انه يستبعد ان تقود التحرّكات الإسرائيلية الأخيرة - سواء انتهت بالكشف عن أنفاق مزعومة أم لا- إلى تصعيد شامل، وامّا التهديديات التي ترافق هذه العملية ما هي الّا «بروباغندا» إعلامية، يقودها المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي، الذي بات ينظر إليه باعتباره مجرّد ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي الموازاة كلام لمرجع كبير يصبّ في هذا المنحى، يفيد بأن ثمة ما يمكن أن تستغله اسرائيل من «درع الشمال»، وهو الانطلاق منها في حملة علاقات عامة سياسية، وتحديداً داخل الولايات المتحدة، لفرض عقوبات مالية إضافية، قد تتجاوز هذه المرّة «حزب الله»، لتطال الاقتصاد اللبناني، مستفيدة من الفراغ الحكومي الحاصل، وهنا تكمن المشكلة الكبرى، لا بل الكارثة الوطنية التي يبدو معها البعض داخل الطبقة السياسية في البلاد إمّا «مراهقاً» في مقاربتها للتحديات (بالحد الأدنى)، وإمّا «متآمراً» في تشريع البلاد أمام إجراءات دولية على هذا الحد من الخطورة.

كل هذا، والكلام للمرجع المذكور، يقود إلى استنتاج مفاده أنه إذا كان البحث الإسرائيلي عن ثغرة في نفق حدودي مزعوم لـ«حزب الله» في جنوب لبنان أضحوكة، فإنّ الثغرة الكبرى او الاضحوكة الاكبر تبقى في «نفق» التشكيل الحكومي الذي لا يحتاج معه العدو لأيّ من آليات الحفر التي انطلقت محرّكاتها منذ يوم الاثنين الماضي.