تعددت أسماؤه  ,كاتب ,ناقد , صحفي وإعلامي  ,
ناشط كبير على المستوى الثقافي والأدبي والإعلامي لكنه الذي يعمل دائما بصمت..
كتب في السياسة في النقد في الأدب والشعر فترك آثاراً كبيرة على أكثر من صعيد..
عاش قضية الكتاب منذ صغره فكان رفيقه وصديقه ووصولاً إلى أدارة تحرير مجلة دليل الكتاب"ليكون أكثر وفاء للكلمة وأكثر عطاء للثقافة والأدب..
إحترنا كيف نحاوره واحترنا من أين نبدأ لكننا بدأنا حوارنا وكان حوار البحر والشاطيء..
إنه الأستاذ علي دهيني ...

 

1.     الأستاذ علي دهيني محرّر مجلة ثقافية وكاتب، كيف يعرّفنا عن نفسه أكثر ؟

ج ـ منذ نعومة أظافري، أخذني الحرف إليه، كحالة عشق تعرفها النحلة والزهرة، وكانت هذه العلاقة تتصاعد بيني وبينه بحسب المراحل العمرية، لم أكن أجيد اختيار ما أقرأ بقدر ما كنت أبحث عن صفحة أقرأها. ربما تأثرت بالقصة المصورة أبتداءاً مثل "سوبرمان" و"بساط الريح" وما شاكلها، في حينه، وانتقلت إلى مجلة " صباح الخير" المصرية، لأنها كانت تنشر في كل عدد قصة قصيرة، وكان يعجبني أن أنقل ما أقرأه إلى رفاقي في المدرسة مع الحرص بأن أجعل من القصة الواحدة مجموعة قصص، فأروي فصلاً منها إلى مجموعة من الطلاب، ومن ثم أروي فصلاً آخر لمجموعة أخرى، وأثناء إخباري فصول القصة أحلل وأنتقد حركة الأبطال وطريقة تفكيرهم.. وهكذا وجدتني بين القراءة والتحليل والنقد. ومن ثم تصاعد هذا كما قلت، مع المراحل وصولاً إلى اليوم.

بدأت رحلتي مع الإعلام في أوائل السبعينات بداية في مجلة "الحوادث" البيروتية آنذاك، وكانت تجمع إلى جانب صاحبها ورئيس تحريرها المرحوم سليم اللوزي، هيئة تحرير من أسمائها: الاستاذ وليد عوض، المرحوم شفيق الحوت، المرحوم رياض شرارة، نشأة تغلبي، غادة السمان، محمد كشلي، جلال كشك وعدد من الأسماء يطول سردها هنا. وأنطلقت حينها من صفحة بريد القراء، وبعدها مراسل محلي ناشىء في إحدى وكالات الأنباء. وهذا العمل في نقل الأحداث والأخبار السياسية، لم يمنعني من متابعة هوايتي في قراءة القصص، من جهة، وتكوين ذاكرة مجتمعية بما تحمله، من جهة ثانية.. وتطورت إلى قراءة الروايات التي بدأتها مع توفيق الحكيم.. وهلم.

2.     في شؤون الكتابة ثمة اختيارات عديدة ما هي اختصاصاتكم في الكتابة ؟

في كثير من الأحيان قد يصعب أن تختار أنت أين تكون، فقد تختار وجها من الوجوه في عالم القلم، ومن ثم تجد نفسك في وجه آخر. بدأت في الصحافة وعشت الكتابة. إن الكتابة منهج فكري يتكون مع شخصيتك الفطرية وينمو من خلال الكسب المعرفي، فتقرأ ما يدور حولك من أحداث، ثم تحلل وتنقد وتكتب في هذا. الصحافة تكاد تكون مهنة توجب عليك أن تذهب فيها إلى حيث تشاء، هي، كمعلومة وحدث لا بد من التعاطي معه بما هو، وليس لك أي دور سوى نقله إلى القارىء. الآن يقتصر قلمي على الكتابة في النقد الثقافي بوجه عام وفي القصة والرواية بوجه خاص، بعدما هجرت الكتابة في السياسة بعد 2008.

3.     عندما تختار بين المهنة الصحفية والكتابة أيها تختار ولماذا ؟

بالنسبة لي العلاقة بين الصحافة والكتابة هي مثل العلاقة بين الصديقة والحبيبة.. الصحافة هي محاكاة اللحظة الزمنية الآنية، ولا دور لك سوى في نقل وقائعها. أما الكتابة وهي خياري، أجد فيها الأفق الأرحب فضاءاً وهي رسالة في المجتمع يمكنك من خلالها المشاركة في البناء الثقافي الاجتماعي.

4.     ينحو الأستاذ علي في كتابته نحو الشعر أو الخاطرة أين يجد نفسه: في الكتابة، في الشعر، في الرواية أو في الخاطرة ؟

أولاً وقبل كل شيء لا أدّعي أبداً أني شاعر، فالشعر يحتاج إلى إمكانات لا أملكها، أما بالنسبة للخاطرة، فهي لغة تواصل وجداني راقٍ، وأنا أناجي بها الأصدقاء من القراء حيث أتواصل معهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وقد كتبت الخاطرة أو بعض النثر، والوجدانيات، في العلاقات الخاصة، وللمرأة خصوصاً، لما تمثله في وجداني من قيمة إنسانية، ولِمَا تعنيه لي من رهافة حس وشفافية مشاعر تحفزّني على خطابها بما يليق بها. أما الرواية فقد كتبتها دون نشرها، إلى جانب مجموعة عناوين في النقد الثقافي، لم أشعر ـ أمام كثافة ما ينشر وأمام مزاحمة الشبكة العنكبوتية ـ أني سأقدم على نشرها. يبقى أني أتابع قراءاتي النقدية في الأعمال الروائية وبعض الأعمال الأخرى من الأجناس الأدبية.

5.  الأستاذ علي دهيني قريب أكثر من الثقافة الخليجية ولديه نشاطات على هذا الصعيد، كيف يجد الفرق بين ثقافتنا واهتماماتنا اللبنانية والثقافة والاهتمامات الخليجية العربية ؟

سأجيب بالأسباب وليس بالأعمال لأقول إن غالبية روافد تراثنا الثقافي تعود إلى منطقتين ومرحلتين، المنطقة الأولى هي الجزيرة العربية التي نشأت فيها ثقافة ما قبل الإسلام، ووسمت بالجاهلية، حيث كان اللسان العربي لسان شعري، ومرحلة ما بعد الإسلام حيث ولدت المدامك الأولى للعقيدة بما تحمله من قواعد وقوانين تنظم حياة الإنسان، فولد جيل من الأدباء والمفكرين صُبغ نتاجهم الفكري والثقافي، عموماً، بهذه العقيدة. ومنها انتشر إلى البلدان المحيطة أو البلاد الشواطئية.

المنطقة الثانية هي منطقة المغرب العربي، في هذه المنطقة ازدهرت العلوم العربية والإسلامية وراجت وبرز العديد من المفكرين والفلاسفة الذي أسسوا لثقافة جديدة أسست بدورها لنشاة معرفية مدّت جسورها مع الغرب القريب من حدودها.

من هنا، فإن قربي من الثقافة في منطقة الخليج العربي، هو مثل قربي من منطقة المغرب العربي، وهو امتداد تاريخي حيث ولد العلماء في كل فنون المعرفة، أدباً وعلوماً، وصولاً إلى العصر الحديث.

ففي منطقة الخليج، انصرف عدد كبير من مبدعيها في الوقت الحاضر، إلى التعلّق بالأجناس الأدبية كافة، وغالباً في الرواية، فقد وجدت أن أسماء كبيرة في هذه المنطقة، تعاملت مع النقد الاجتماعي من خلال القصة أو الرواية، إلى جانب أسماء كثيرة أيضاً أبدعت في هذا الجنس الأدبي، بقيت مغمورة لسبب أو آخر، وقد شعرت بواجب نحو هذه الفئة، فسعيت إلى الإضاءة عليها. وفي الثانية ـ منطقة المغرب العربي ـ وجدت نقصاً كبيراً عندنا كمشرق عربي، في معرفة النشاط الثقافي لتلك المنطقة، من جهة، وبالتالي، كما قلت آنفاً، هي شكلت وتشكل جسر تواصل ثقافي بيننا وبين المنطقة الأوروبية، نتيجة تقاسمها الجغرافي معها، لأن مثقفو منطقة المغرب العربي، أكثر سعياً إلى تناول النتاج الأوروبي وترجمته ونقده وقراءته ونقله إلينا. إذن كان لهذه المنطقة الدور البارز في إطلاعنا على ذلك النشاط وشرح بعض القواعد والنظريات في النقد الثقافي، التي لم يكن لنا دور في ابتداعها، بل أخدناها من الغرب، فتوجهت إليها كذلك عبر التواصل البيني وعبر الكتاب. ولن أدخل في الأسماء لتلك المنطقتين نظراً لكثرة المبدعين في كثير من الأجناس الأدبية: رواية وقصة وشعراً، لأن القائمة تطول.

بالنسبة للبنان، فقد تميز بالحضور الفكري والأدبي المهجري ابتداءاً الربع الأخير من القرن التاسع عشر وعلى مدى سنوات القرن العشرين، من خلال روابط ثقافية عدة، أقامها أدباء ومفكرون لبنانيون مشهود لهم في الحقل الثقافي، بل والفني أيضاً. وبتصوري أن هذا التميُّز أعطى للبنان دوراً ومهمة خاصين. وقد خلق هذا الحضور المهجري ما سمي بالأدب المهجري. إضافة إلى أن لبنان أول من تصدى لوضع قواميس حديثة للغة العربية، بعد تلك المعتمدة كأمهات للغة العربية.

أيضاً، وبدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين، قدمت بيروت خدمات كبيرة لِمَا شكّلته من منبر منفتح على جميع البلدان العواصم العربية، لجأ إليها الكثيرين من أهل القلم سعياً لتقديم ما عندهم، هذا الواقع شكل حافزاً قوياً لبروز أسماء كثيرة وكبيرة، في عالم الثقافة في مختلف الميادين.

أما لجهة التقييم بين الأعمال في قراءة مقارنة لنتاج الأقلام في المغرب العربي أو الخليج العربي، أو لبنان، فهذا يحتاج إلى الكثير من السطور وتقديم النماذج. وفي الواقع لا أرى فوارق تجعلنا نقف عندها اللهم إلاّ إذا سعينا إلى معرفة مدى تأثير بيئة كل كاتب والمكتسب المعرفي الذي ناله في هذه البيئة أو تأثره في عاداتها وتقاليدها. ولكن أختصر لأقول أن الكتاب اليوم بوجه عام، يعيش مرحلة غربة ذاتية واغتراب قسري، وعنيت بالغربة الذاتية أن المادة المقدّمَة للمتلقي انحرفت إلى حد مّا عن لغة هذا المتلقي كمفهوم توجيهي، وذهبت إلى التأثُّر في المنقول الغربي لتحاول التأثير في المتلقي العربي. وفي بعض الكتابات ـ الرواية بخاصة ـ  اعتمدت على محاكاة الغرائز أكثر من التوجيه الثقافي والإصلاح الاجتماعي بذريعة الانفلات من القيد البيئي. والاغتراب القسري بمعنى هجرة بعض الأقلام الفاعلة في الوسط الثقافي لتقديم أعمالها بغير لغتها العربية الأم بذريعة أن المهم التعبير عن شخصيتك الثقافية كمفهوم ولا يهم بأي لغة تكتب، وهذا بنظرنا أمر خطير على المدى البعيد. هذا من جهو، وايضاً مزاحمة الشبكة العنكبوتية له في كثير من المجالات.

6.     ماذا تمثل المرأة في حياة الصحفي والكاتب علي دهيني ؟

لقد أبدع الله في ما خلق أن خلق الإنسان وأبدع في ما خلق أن خلق العقل وخلق فيه العلم نوراً يهتدي به، وقسم هذا المخلوق إلى نوعين: الرجل والمرأة. وتجلى هذا الإبداع في خلق المرأة. من هنا أفهم العلاقة بين المرأة والرجل بأنها علاقة ندّية وليست علاقة تكاملية، رغم أنها توصف هكذا، وقطعاً، ليست دونية، لِمَا تعني هذه الكلمة من عنصرية وفوقية. بالنسبة لي هي علاقة ندّية، لأن كلا النوعين الإنسانيين المخلوقين، له دوره في الحياة البشرية، ما أن يلتزم كلا منهما بهذا الدور يكون أوفى واستوفى حقه من النوع الآخر. وتالياً، إن المرأة في فهمي، هي السبيل إلى الوجود، والطريق إلى الحياة. انطلاقاً من هذا الفهم بنيتُ علاقتي مع المرأة وتعاملت معها.

أما من الناحية الثقافية، وهي عمل العقل، قلّما يمكننا لمس الفوارق الإبداعية، وفي كثير من الحقول، بل في معظم النتاج الثقافي حيث نجدهما ـ المرأة والرجل ـ حاضرين ومؤثرين تماماً.  

7.     دور الشعر في وصف الحب هل يعبر الشعر عن حقيقة الحب ؟

أعتقد أن الشعر هو الحقل الذي ينمو فيه الحب ويُزهر، فالحب خميرة الأرض وملحها حيث لا طعم للحياة دون الحب. والشِّعر يكاد يكون تاجُ الأدب، وللشِّعر دورٌ هام في حياة إنساننا الثقافية، بدءاً من شعر الفخار والغزل قبل وبعد الإسلام، وصولاً إلى الملحمة التاريخية، مروراً بكل القصائد الشعرية الموقعة بأسماء شعراء الغزل الذين بُنيت قصائدهم في الحب. إذن، في تاريخنا، تلازم الحب والشعر. ولا يمكن الحديث عن الشعر ولا يكون الحب شاخصاً في الذاكرة. كما لا يمكن التعبير عن الحب بأجمل من الوجدان الشعري، لأنه يغذيه من ضرعه.

ومعروف أن الشعر كان لغة التخاطب الفطري في ثقافتنا، الشعر والحب، كلاهما تتورّد في مفرداته براعم الوجدان الإنساني ليولد في الخاطر، وفي فهمي، الحب وديعة إلهية في النفوس. وقد خاطبت الحبيبة يوماً : "قرأت حلمكِ الجميل، فأسكنتكِ قصورهُ دون أن أدري أنيَ سأكونُ حطب نارهِ، فشوى أوارَهُ أضلعي التي انسلختِ منها يومَ شاءَ الربُّ أن يخلقَ وديعةً في نفس خلقِه، فخلقَ الحبّ كائناً مغسولاً بالطّهر من فيضِ نُورهِ فلا يُدنّسُ لأنه انتَزَعَ منه بِذرة الشرِّ".

8.     حاليا يحرر الأستاذ علي مجلة دليل الكتاب ما هي اختصاصات هذه المجلة ؟

مجلة "دليل الكتاب"، هي فكرة خلاقة أولدتها حيوية مُطلِقها الشيخ فضل مخدّر ـ وهو من الهامات الأدبية والثقافية في أكثر من حقل ـ  كنواة تساهم في التشجيع على اقتناء الكتاب والتفاعل معه، وقد نجح في إطلاقها لفترة لا بأس بها، حيث كانت مادة المجلة تتألف من عرض موجز أو تعريف بسيط عن الإصدارات الحديثة التي تصدر في بيروت لِمَا تمثله هذه العاصمة العربية في هذا المجال، وفيها، أيضاً، قراءات نقدية وعرض لبعص الموضوعات التي تتناولها الإصدرات الجديدة. ومن سياسة إدارة المجلة أنها كانت توزع مجاناً وعبر البريد وتُسلّم باليد كتعبير عن قيمة الفكر وقيمة الكلمة المولودة من فكر عاقل له مساهمات في البناء الثقافي.

لكن للأسف، في الوقت الحاضر توقفت عن الصدور لظروف مالية، لأنها كانت تُموّل من الإعلانات واشتراكات رمزية من الناشرين.

وبالوقت الحاضر أُشرِف على إصدار المجلة عبر موقعها على الإنترنت، حيث ما زال بعض أهل القلم من الأكاديميين والهامات الثقافية، يرفدون موقع المجلة بكتاباتهم. كما أتولى إدارة النشر في "دار المؤرخ العربي" في بيروت، لمواجهة متطلبات الحياة.