لا يقلّ «سمير الحكيم» حرصاً على «الصبي» من «سليمان الحكيم» في بعبدا. هذا ما دفع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى تقديم تنازلٍ قاسٍ من «كيس» حقائبه في الحكومة، وما يدفعه اليوم الى «مهادنة» شبهِ كاملة على كل الجبهات لا يستثني منها «حزب الله»: «شكّلوا أو فعّلوا»... حكومة «بمَن حضر» ليست على البال ولا في حسابات معراب!
في المؤتمر الصحافي الذي عقده في معراب، قبل شهر واحد تماماً، معلناً قرارَ دخوله الحكومة بحصّة «غير مُنصِفة»، تجرّأ جعجع على قول ما يُحجم حتى حلفاء العهد عن قوله «لأنّ في فمهم ماءً». فقد اتّهم الوزير جبران باسيل بـ «الهيمنة» على قرار رئيس الجمهورية، إذ توجّه اليه قائلاً من دون أن يسمّيه: «هناك مَن يحاول تصويرَ مسألة إعطاء «القوّات» هذه الحقائب فقط على أنه إنتصارٌ كبير، إلّا أنها هزيمة كبيرة له، فالإنتصارات تتحقّق في الإنتخابات، وليس في أن يتحكّم البعضُ بقلم الإمضاء على تأليف الحكومة أو تعطيلها من أجل أن يخرج علينا في النهاية ليقولَ إنه بطل»!
 
لا يريد جعجع في حديثه الى «الجمهورية» أن يكبسَ زرَّ العودة الى الوراء ليشرح سببَ تسليمه بأنّ توقيع رئيس الجمهورية مراسيمَ الحكومة بات «رهينة» وزير! إنها أحد وجوه سياسة «المهادنة» لمعراب في المرحلة الحالية... ربما قبل «العاصفة» المتوقعة حين يجلس الجميع الى طاولة حكومة «القلوب المليانة» والحسابات المتضارِبة.
 
«شدّوا حالكم»
يقفز جعجع بسلاسة فوق هذا «الاتّهام» ليطالب اليوم صاحب «القلم» نفسه مع رئيس الحكومة بممارسة صلاحياتهما الدستورية في وضع حدّ للأزمة. ويقول: «ما إلي على «حزب الله». هو حرّ في أن يطالب بما يريده، لكن إلي على رئيسَي الجمهورية والحكومة، والوضع لم يعد يحتمل. هذه هي النقطة المفصلية. «تفضّلوا شدّوا حالكم إفعلوا شيئاً»، إما إقناع «حزب الله»، أو اذهبوا الى جلسات الضرورة».
 
«واقعية» جعجع، التي تقرأها بين سطور كلامه، تدفعه الى التسليم بصعوبة ولادة حكومة من دون الحزب، «حتى حين ظهر توجّهٌ الى تشكيل حكومة من دوننا قبلنا بالعرض الأخير المقدَّم لنا، مع أننا اعتبرنا أنه غيرُ منصف بحقنا. لا يمكن تشكيل حكومة من دون الكتل الأساسية فيها».
 
الوضع الحالي يلزمه، في رأي جعجع، 3 أو 4 قرارات رئيسة أساسية لها علاقة بالوضع الاقتصادي والمعيشي، كطلب حزمة مساعدات من البنك الدولي، إما عِبر حكومة يجب أن تولد سريعاً وإما إلتئام حكومة تصريف الأعمال»، مشيراً الى «وجود فتوى لمجلس شورى الدولة عام 1969 تشير الى أنه عند بروز أيِّ خطر عسكري أمني أو اقتصادي أو اجتماعي يمكن حكومة تصريف الأعمال أن تجتمع وتتّخذ القرارات الضرورية».
 
يعترف جعجع أنه «على المستوى الشخصي والحزبي الضيّق يتفرّج مِن بعد على الأزمة، لكن على المستوى العام «الهمّ يأكلنا» يوماً بعد يوم، فجميعنا في «المُغليطة»، وكل يوم تأخير لا ندرك تأثيره على الاستقرار الاقتصادي».
 
وما لا يعرفه كثيرون، في هذا السياق، أنّ معراب تحوّلت في الآونة الأخيرة خليّة عمل لاجتماعاتٍ دوريّة تُعقد لإيجاد حلول عملية لعدد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية الداهمة والملحّة. وكما سجّل جعجع سابقة في التقاط الصورة التذكارية مع وزرائه الجدد، حتى قبل تشكيل الحكومة، فإنّ فريق العمل الوزاري الجديد يغوص منذ أسابيع في ملفات وزاراته بغية تأمينِ دخولٍ «مريح» الى الحكومة.
 
«حزب الله» الى أيام صعبة
وهل يعتقد أنّ ما يقوم به «حزب الله» حالياً موجَّه ضد الرئيس سعد الحريري أو العهد برمّته؟ يجيب جعجع: «لا أراها في هذا الإطار، بل في إطار النزاع الأكبر، لأنّ نظرة «حزب الله» الى الاستحقاقات ليست جزئية أو تفصيلية. هو جزءٌ من مشروع كبير، ومقتضيات هذا المشروع الذي ينتمي اليه الحزب أينما كان في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن أن يكون هناك صمود في الموقف وأكبر مقدار ممكن من المكاسب».
 
لا يوافق رئيس «القوات اللبنانية» على نظرية البعض أنّ «حزب الله» يتصرّف بمنطق المنتصر، «بل لأنه مقبلٌ على أيام صعبة ويحاول التمسّكَ بكل مكسب»، مؤكّداً أنّ «القصة ليست فقط بوزير بالزائد بل من خلال القول إنّ له الجزء الأكبر من القرار حتى لو في إطار تشكيل حكومة».
 
إستطراداً لا يوافق أيضاً على مقولة دخول لبنان عصر الشيعية السياسية، «البلد لم يحمل المارونية السياسية ولا السنّية السياسية. نسبياً هناك «وهج» الشيعية السياسية»، مؤكّداً «لا خوف على إتفاق الطائف».
 
وماذا عن سرّ المهادنة تجاه «حزب الله» في عزّ فرض أمينه العام السيد حسن نصرالله شروطه على تأليف الحكومة؟ يوضح جعجع «أولاً ليس بيننا أيُّ غزل إعلامي، بل واقعية سياسية يظهر جانب منها في التقاطعات داخل الحكومة أو في مجلس النواب». ويضيف: «بين الـ 2005 و2009 كانت أزمة سلاح «حزب الله» مطروحة، وهناك فرزٌ سياسي، ومشروعٌ جدّي لطرح الاستراتيجية الدفاعية. كان يجب يومها أن نقول ما لدينا. اليوم صارت مواقفُ الطرفين واضحة، لكنّ تكرار الموقف بسبب أو بلا سبب لا يفيد. هذه ليست المعركة الآن. نحن نعيد تأكيد الموقف حين يكون هناك لزومٌ للأمر. همومُ اللبنانيين كثيرة ويجب التركيز عليها».
 
جعجع يرى أنّ السطرَ المختصر الذي كتبه على «تويتر» تعليقاً على خطاب السيد نصرالله «يُغني عن مطوّلات. لماذا تسميم الأجواء في البلد؟. هناك نقاط خلاف أساسية معروفة مع «حزب الله»، ما عدا ذلك الحزب موجود في كل الحكومات ونتعامل معه على هذا الأساس». يضيف: «الواقعية السياسية تفرض نفسها. لا هم يحبون أن يتسلّوا أو يضيّعوا الوقت ولا نحن. هم جدّيون ومبدئيون وواضحون وصادقون مع أنفسهم وقواعدهم، تماماً كما «القوات». وهذا ما يفسّر ربما عدم وجود عدائية بين الطرفين او إشتباك بينهما».
 
بواقعيّتك السياسية متى يمكن أن تجدَ نفسَك وجهاً لوجه أمام السيد حسن نصرالله؟ يردّ سريعاً: «بعد سقوط الجمهورية الإسلامية في إيران»!
 
الحريري لن يساوم
في معراب ليس ثمّة هواجس فعلية من «تنازلات» جديدة قد يُقدِم عليها الحريري في تأليف الحكومة. يقول جعجع: «لستُ متوجّساً كثيراً، بل أقل من العادي. لأنّ هذه المرة ألمسألة تمسّ الحريري شخصياً. مثلاً في موضوع حضور «القوات» في الحكومة، عَمِل الحريري جهدَه وجرّب «وفي الآخر ما ظبطت معو». لكن هذه المرة ليست القصة «القوات» أو الحزب التقدمي الاشتراكي بل موضوع يمسّه مباشرة. لا يجب أن يتنازل لأسبابٍ مبدئية، لذلك أستبعد أن يساوم في هذا الموضوع».
 
ويوضح «إذا كان أحدُ الحلول المطروحة التوزير من حصة الرئيس، لا يجب أن نعتبرَ أنّ الأمر يحصل على حساب حصة رئيس الجمهورية، لأنّ الوزير السنّي الذي سيُسمّى عندها سيكون عملياً من فريقه حتى لو من خط «8 آذار». لكن في تقديري المشكلة أبعد من ذلك، وإلّا لكانت حُلّت بهذه الطريقة».
 
يتحدّث جعجع عن مجموعة من العوامل من دون أن يحدّد مسبّباً واحداً لتشبّث «حزب الله» بموقفه بتوزير سنّي من 8 آذار، «قد يكون من أجل القول أنا صاحب القرار، أو للأزمة إمتداداتُها الإقليمية، وهناك الكباش الإيراني الأميركي... أحياناً كثيرة ليس هناك عاملٌ واحد يتحكّم بواقع ما».
 
وللدلالة على وجود «قُطبة» مخفيّة يقول جعجع: «قبل ثلاثة أيام من مؤتمري الصحافي لإعلان دخولنا الحكومة إتّصل الحريري بي وقال لي إنه يحاول منذ خمسة أشهر تحصيل ما يمكن تحصيله لـ «القوات» و»الاشتراكي» «والآن الحكومة يجب أن تتشكّل والبلد لم يعد يحمل، و»نحن ما عاد فينا نكفّي». يهمّني كثيراً وجودكم في الحكومة، أُدرس العرض المتوافر وأتمنّى قبوله».
 
يضيف: «كان الحريري يريد جواباً في اليوم التالي على أساس أنه متفق مع رئيسَي الجمهورية ومجلس النواب على إصدار المراسيم يوم السبت من بعبدا، لكننا بصعوبة أجّلنا قرارنا دخول الحكومة الى ظهر الاثنين، على أن تصدر مراسيم الحكومة بعد ظهر اليوم نفسه، لكن ما الذي حصل في آخر لحظة؟».
 
لا ينكر جعجع الحيثية التمثيلية لسنّة 8 آذار، مع تسجيله إعتراضاً على عدم إنضوائهم ضمن كتلة واحدة خلال الاستشارات النيابية، «لكنّ رهن ولادة الحكومة بتمثيلهم أمر خاطئ، تماماً كما حين نتحدّث عن المسيحيين المستقلين، أو الحزب «القومي»، أو «حزب الكتائب».
 
وهل «حزب الله» يجاهر اليوم بنحو غير مباشر بكونه الشريك الثالث في توقيع مراسيم الحكومة»؟ يردّ جعجع: «ما أريد قوله «الموقف مش مظبوط متل ما هوّي». «حزب الله» له الحق أن يعلن ما يريده. في نهاية المطاف يعود للرئيسين أن يشكّلا الحكومة وفق ما يريانه مناسباً، والحساب ليس في شوارع بيروت، بل في مجلس النواب من خلال الأطر الدستورية».
 
يجزم جعجع بأنّ «القوات» لم تعطّل الحكومة سابقاً «كان لدينا رأيُنا، كان يمكن أن يقولوا لنا إمشوا أو أبقوا خارجاً. قناعتنا أنّ المعارضة أكثر فعاليّة من داخل الحكومة حيث سنجد أطرافاً حتماً الى جانبنا لدعمنا، وهذا ما حصل في الحكومة السابقة. فمشروع البواخر مثلاً لم نتمكّن من تعطيله لو كنا بمفردنا، وحتى «حزب الله» وقف الى جانبنا».
 
على خطٍّ آخر، وفيما عزّزت مصالحة «القوات» وتيار «المردة» الأحاديث المتزايدة عن فتح ملف رئاسة الجمهورية باكراً جداً، يرى جعجع أنّ «أيَّ كلام عن الانتخابات الرئاسية اليوم هو «تخبيص خارج الصحن». لا يجوز الضرب بالرمل. وحتى لو حضّرنا للاستحقاق منذ الآن، فالمعطيات قد تتغيّر بعد أربع سنوات».
 
ويؤكّد أنّ «ما حصل في بكركي تأخّر 13 عاماً. أوّل خطوة إتّخذها سليمان فرنجية حصلت في 26 تموز 2005 يوم خروجي من الاعتقال. حينها حصل إلتباسٌ لم أكن مسؤولاً عنه بحيث لم أتمكّن من الردّ على إتصال فرنجية. «كنت بعدني طالع وما عارف شي». بعدها للأسف حصلت أحداث في الشمال أخّرت المسألة أكثر، وانتظرنا حتى تهدأ الأمور الى أن وصلنا الى موضوع رئاسة الجمهورية، أخذنا خيارَ عون لأسباب معروفة وغير معروفة، وبقي الكلام قائماً مع «المردة»، لكن خلال التحضير للانتخابات التهينا بعض الوقت».
 
يرفض جعجع الردّ على فرضية فرنجية بحصر السباق الرئاسي بينه وبين باسيل، وأنّ رئيس «القوات» الذي «جرّب» خيار عون لن يعاود الكرّة مع باسيل وقد يدعم فرنجية، ويقول: «بكير على هذا الكلام وهو خارج السياق».
 
هل يمكن أن «تطوَّب» صانعاً رؤساءَ جمهورية من 8 آذار؟ يردّ جعجع مُبتسماً: «هناك مثل إنكليزي يقولBad propaganda is a good propaganda. في مطلق الحالات، يجب أن نعوّد الموارنة على أن يكونوا صانعي رؤساء. شاءت الظروف أن يحصل هذا الأمر مع ميشال عون، لكنّ الظروف يمكن ان تتغيّر».
 
وفيما يراهن فرنجية على أنّ موازين القوى ستكون لمصلحة خطه السياسي، هل يراهن جعجع على العكس بحيث تنقلب هذه الموازين لمصلحته، خصوصاً أنّ هناك ما يشبه إجماعاً على إستبعاده اليوم من لائحة المرشّحين للرئاسة»؟ يجيب: «مَن يعرف؟ هذا ممكن»، معتبراً أنّ «استبعادي من الحلبة الرئاسية إستنتاجٌ في غير محلّه».
 
ومن ضمن أدبيّات المهادنة السائدة حالياً في معراب، وعلى عكس إستنتاجات الغالبية الساحقة من «القواتيين»، يؤكّد جعجع «أننا لا نزال نتعاطى مع عون وباسيل كحالتين منفصلتين، لكنّ ما يفعلانه في الغرف المغلقة أمر آخر. بالنسبة الينا رئاسة الجمهورية شيء ورئاسة «التيار الوطني الحر» شيء آخر. على المستوى العملي ربما يحصل تنسيق أكثر من اللازم»، متمنّياً أن «يبقى الفصل قائماً لحسن سير الجمهورية ولحسن سير «التيار». وماذا عن مصير «إتفاق معراب»؟ يجزم جعجع: «في شقّ المصالحة لا يزال قائماً وفاعلاً ولا عودة عنه. في شقّ التفاهم السياسي هو في مهبّ الريح».