اتخذت وزارة الداخلية قراراً بإلغاء مبنى الخصوصية الأمنية وتحويله مبنى تأديبياً واعادة الموقوفين تدريجاً الى المبنى «ب».
 

مساء السبت الماضي، وضمن إجراءات التفتيش الروتينية التي تقوم بها عناصر قوى الامن الداخلي، تولّت مجموعة من قوات «مكافحة الشغب» تفتيش المبنى «ج»، بعد ورود معلومات عن إدخال ممنوعات من هواتف وغيرها الى داخل الزنزانات، لكن ما حصل بقي «أسيرَ» روايتين:

الرواية الأولى من جانب الموقوفين الاسلاميين الذين أكدوا تعرّضهم، وفق محاميهم محمد أحمد صبلوح، ومن دون سبب للضرب والهجوم المفاجئ، ما أدّى لنقل بعضهم الى المستشفى، فيما وُضِعَ عدد من المساجين في الانفرادي وكُبّلَت أيديهم بربطات من «البلاستيك»...

والرواية الثانية، من جانب قوى الامن، تجزم بأنّ دخول قوات «مكافحة الشغب» استُغلّ إعلامياً، حيث تفاجأت هذه العناصر بالهجوم المباغت عليها مع إطلاق الشتائم والاستفزاز، مع العلم أنه قبل نحو أسبوعين أقدم عدد من الموقوفين على تكسير 50 كاميرا مراقبة، وفُتِحَ محضرٌ عدلي بالحادثة.

وتقول أوساط أمنية في هذا السياق: «الأمن والانضباط خطّ أحمر في سجن رومية، وكان من الطبيعي في ظلّ الشغب الذي حصل وضع بعض المسؤولين عن الشغب في «الانفرادي»، خصوصاً أنه سبق أن حصل إعتداء صريح على مقتنيات السجن من خلال تكسير كاميرات المراقبة، واكتمل «التحريض» في الشارع من خلال تحركات أهالي الموقوفين في طرابلس قبل أيام ردّاً على روايات تنافي الواقع»، مشيرة الى أنه «تمّ بالفعل نقل بعض هؤلاء الى المستشفى لكن لأخذ الصور الشعاعية فقط والتأكّد من سلامتهم حيث عمد هؤلاء عند وضعهم في السجن الانفرادي الى ضرب رؤوسهم بالحائط، ما استدعى تحرّك إدارة السجن فوراً ونقلتهم الى المستشفى لمزيد من الاطمئنان على صحتهم».

وتؤكد الاوساط، في هذا السياق، أنّ «هناك أوامر مشدّدة من الوزيرة الحسن ومن اللواء عثمان بعدم الضرب والإهانة وعدم تجاوز القوانين، لكن يبدو أنّ الالتزامَ الحرفي بالتعليمات والقوانين «خلاّ الأمور تطلع براسنا»، وأصبح أيُّ حادثٍ محطَّ استغلالٍ وتضخيم في الإعلام، مع العلم أنّ عناصر «مكافحة الشغب» تعاطوا بكل لياقة واحترام مع الموقوفين الذين قاموا بردة فعل خارجة عن السيطرة أثناء محاولة وضعهم في «الانفرادي».

وفيما أكدت أوساط أهالي الموقوفين الإسلاميين تلقي الشيخ سالم الرافعي اتصالاً من وزيرة الداخلية ريا الحسن أبلغته خلاله، بنتيجة اجتماعها مع المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، والقاضي بإلغاء مبنى الخصوصية الامنية وتحويله مبنىً تأديبياً وإعادة الموقوفين تدريجاً الى المبنى «ب»، والإبقاء على مبنى الخصوصية الأمنية «ج» مبنىً تأديبياً لمَن يخالف الأنظمة، فإنّ وزارة الداخلية لم تصدر بعد أيّ قرار في هذا الشأن، لكنّ الحسن تتابع الملف بدقة وتحرص، وفق مطلعين، على إحترام حقوق المساجين، وأيضاً إعطاء الغطاء الكامل للقوى الأمنية لتقوم بعملها لحفظ الأمن من دون حصول إنتهاكات لحقوق الموقوفين.

يذكر أنه بعد إشكال رومية توجّه وفدٌ مؤلّف من موفد وزيرة الداخلية العميد فارس فارس ووفد «هيئة العلماء المسلمين» والمحامي صبلوح الى سجن رومية حيث التقوا آمره العقيد ماجد الأيوبي، وقد سبق ذلك اتصال النائب محمد كبارة بوزيرة الداخلية التي نفت له، بناءً على معلومات الاجهزة الامنية، حصول أيّ اعتداء على الموقوفين. لكنّ الوفد، بُعيد وصوله، أصرّ على زيارة السجن ومعاينة مبنى الخصوصية الأمنية والتحدث مع الموقوفين.

ويقول صبلوح: «لقد تسنّى لي التحدث مع جزء من الموقوفين الـ 22 الذين تمّ إنزالُهم الى الانفرادي. وبإيعاز من العميد فارس تمّ نقلهم الى غرفهم مجدداً ومعاينتهم من قبل أطباء، ونقل بعضهم لاحقاً الى المستشفى، كذلك تولّى نقل واقع ما حصل الى وزيرة الداخلية التي تواصلت أمس معنا وإبلغت الينا اجتماعها باللواء عماد عثمان واتّخاذ القرار بإقفال مبنى الخصوصية الأمنية، وإحالة جميع الموقوفين الى المبنى «ب»، والابقاء فقط على هذا المبنى للعقوبات التأديبية».

ومنذ انتقال نحو 120 من الموقوفين الإسلاميين من المبنى «ب» الى سجن «الخصوصية الأمنية» أواخر العام الماضي، وبينهم الشيخ أحمد الاسير، يعتصم أهالي هؤلاء الموقوفين، ويتظاهرون معتبرين «أنّ السجناء لا يعامَلون معاملة إنسانية»، بالتزامن مع مطلبهم الثابت والمزمن في إصدار العفو العام وتسريع المحاكمات.

سجن الخصوصية الأمنية الذي يخضع للمراقبة المشدَّدة، قرّرت الحكومةُ إنشاءَه منذ معارك مخيم نهر البارد عام 2007، ووضع وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق حجرَ الأساس له عام 2014. وقد افتُتِح في تشرين الاول 2018، وهو مزوَّد نظام مراقبة بتقنيات حديثة ومتطورة، مثل كاميرات المراقبة وأجهزة الإنذار، ويطبّق فيه قانون السجون، وفق تأكيدات المعنيين في سجن رومية، فيما كانت غرف الموقوفين الإسلاميين في السابق تشهد «خروقات» أمنية كبيرة فاضحة دفعت المشنوق بُعيد تولّيه وزارةَ الداخلية الى التأكيد أنّ «عملياتٍ إرهابية كانت تُدار من سجن رومية»!

ويأخذ الموقوفون الإسلاميون على «المبنى الأمني» طابعه المذهبي المحض، حيث لا يضمّ موقوفين ومحكومين بجرائم جنائية خطرة، ما يعني أنه لا يضمّ «تشكيلة طائفية». لكن مصادر متابعة تؤكد في هذا السياق أنه تمّ التوافقُ منذ نحو شهر ونصف الشهر على نقل نحو 30 الى 40 موقوفاً من أصحاب الخصوصية الامنية في كافة المجالات، لا المتهمين بالإرهاب فقط، الى المبنى ما يعني «تطعيمه» بموقوفين من طوائف أخرى، إلّا أنه تمّ تأجيل هذا الأمر أكثرَ من مرة.