في الشكل، سقطت مبادرة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. وبالنسبة للمتشائمين، هي أصلاً وُلدت ميتة، وضرْبُها راهناً حرام. حاول باسيل انتشال الأزمة من الحفرة السنّية عبر وضع طرفيْها أمام مسؤولياتهما. والمقصود بطرفيْها، وفق «الباروميتر» العوني، رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والنواب المستقلّين السنّة... ولكنّ محاولته لا تزال قيدَ الفشل.
 

أنهى دورته المكوكية على أمل إنجاز المرحلة الأولى من مهمته «شبه المستحيلة»، ولكن لا نتائج ملموسة حتى الآن. وحده الاعتراف بوجود «كائنٍ» سنّيٍ موازٍ لتيار «المستقبل» هو الذي خرج من نفق التعطيل الحكومي إلى النور. أما غير ذلك فلا يزال سراباً.

ومع ذلك، هناك مَن يقول: في المضمون، ثمّة تقدّم حصل على خط تأليف الحكومة، أما الثمار فتحتاج إلى مزيد من المجهود. فالمسألة أبعد من وزير سنّيٍ من قوى الثامن من آذار يُراد تسميته، وأبعد من هوية الحصة التي ستضحّي بمقعد لمصلحة هذا الوزير، وأبعد من دوره، لتطاول التغيير البنيوي الذي طرأ على النظام اللبناني، و»تقريش» «حزب الله» للمتغيّرات الإقليمية.

عملياً، سيكون اللقاءُ المنتظر بين رئيس الحكومة والنواب السنة المستقلين هو باكورة جهود رئيس «التيار الوطني الحر» (لن يبادر النواب الى طلب موعد قبل منتصف الأسبوع المقبل)، كما يقول مطلعون على مواقف الأخير، وذلك ربطاً بالاجتماع الذي عقده باسيل مع الحريري في بداية جولته، وقد أبلغه يوماً نيّته لقاء النواب السنة لتشجيعهم على بدء حوار مباشر مع رئيس الحكومة المكلف، وفقاً للأصول الدستورية.

وما كانت هذه الخطوة لتحصل، كما يرى هؤلاء، لولا الخطاب التهدوي الذي اعتمده باسيل، من خلال التخفيف من حدّة رفض الحريري الاعتراف بحيثية نواب «الممانعة» السنة. فما كان أمامه سوى «الشكوى» من اعتلال في الشكل، لتأكيد المضمون في حق النواب بالتمثيل.

في مطلق الحالات، يتصرف وزير الخارجية، وفق عارفيه، على أساس أنّ الأزمة المؤجّلة منذ نحو ستة أشهر، هي تعبير عن متغيّرات كبيرة طرأت على النظام اللبناني، من خلال تكريس النظام النسبي في قانون الانتخابات، ومن خلال التطورات الإقليمية. وهذا ما جعل من مسألة تمثيل النواب المستقلين أزمة عصيّة على المعالجة السريعة.

إذ إنّ رئيس الحكومة يناقض نفسه حين يعترف أنّ النسبية كانت بمثابة ثمن دفعه عبر ضمّ صوته إلى الأصوات المؤيّدة لتعديلات قانون الانتخابات وهي تعديلات جوهرية تطاول العمق لا الشكل. ويرفض في المقابل تكريسَ هذا «الانقلاب» الحاصل في آلية انبثاق السلطة اللبنانية، في آلية تأليف الحكومة. 
لقد سها عن باله، وفق المعنيين، أنّ النسبية تطاول جوهر النظام اللبناني، ولو أنّها لم تُكتب «بصريح العبارة» تعديلاً جذرياً ينسف الدستور، لكنها عملياً كرّست البنية المذهبية لـ»إتفاق الطائف»، وهي ستنعكس حكماً على الحكومة العتيدة وعلى كل الحكومات التي ستليها. 

وبالتالي سيواجه كل رئيس حكومة مقبل المعضلة ذاتها التي يواجهها الحريري في تأليف حكومته، لتكون السلطة التنفيذية مرآةً تعكس توازنات مجلس النواب بأكثريته وأقليته، تكريساً لمفهوم النسبية.

كما أنّ خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله ظهّر التغيير الأهم في النظام اللبناني، من دون أن يضطر إلى إلحاقه كتابةً في الدستور ومفاده أنّ هذا الفريق الذي حقق انتصارات إقليمية، وبات مع حلفائه ذات أكثرية نيابية، وصاحب كتلة وازنة (45 نائباً) من دون «التيار الوطني الحر»، لا يرضى أن يُحصر تمثيله الحكومي بالوزراء الشيعة فقط. من هنا كان إنذارُه بـ»العودة إلى العدّ» في حال اصطدمت مساعي الحلّ بالحائط.

وما ورد بين سطور نصرالله في «يوم الشهيد» كان أكثرَ تعبيراً من ذلك المكتوب: نحن الشريك الثالث في التأليف، إلى جانب صاحبَي التوقيع أي رئيسَي الجمهورية والحكومة.

وفق عارفيه، يدرك باسيل كل هذه المعطيات، وهو يتحرّك بناءً عليها. وقد بيّنت التطورات أنّ ثمّة هدفين يُراد تحقيقُهما من خلال المطالبة بتمثيل النواب السنة: تكريس الثنائية السياسية في البيئة السنية وتظهير القوة الشيعية من خلال الممارسة لا النصّ. لا بل تقول المعلومات إنّ الحريري مزعوج من حركة باسيل لأنها تنسجم مع روحية خطاب نصرالله.

هكذا يعتقد باسيل أنّ سيناريو التفاهم على اسم سنّيٍ سابع، أي من خارج النواب السنة الستة، لا يزال ممكناً، طالما أنّ الأهداف المرجوة قد تحققت.

ولكن رغم هذه القراءة، «حسبة» الحريري تتلخص كالآتي: هذا السيناريو يترك لي 3 وزراء سنة بعد التخلّي عن وزير لمصلحة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ووزير ممثل لسنة 8 آذار. وهو سيناريو مرفوض، لا يترك أمام تيار «المستقبل» إلّا خيار التصعيد. وهذا ما يلمّح إليه «الحريريون» في الساعات الأخيرة.