اعتاد لبنان ان ينتقل من أزمة الى أزمة. اللبنانيون عرفوا ايضاً كل انواع الحروب والازمات الى درجة انه لم يعد يفاجئهم شيء. على الأقل هذا ما كانوا يرددونه حتى الآن، حتى خطاب السيد حسن نصرالله، الذي يمكن وضعه في خانة «حتى قيام الساعة» بكل ما تعني من تهديد بالنهاية وليس فقط بالسكون والرضوخ. الكثير من اللبنانيين تساءلوا ويتساءلون بقلق وحتى بخوف: هل اخيراً سندخل دائرة النار التي احترقت فيها دول الربيع العربي وتحديداً سوريا والعراق؟ ولماذا علينا ان ندفع ثمن مواقف لا علاقة لها سوى بالآخرين؟

طوال السنوات الماضية اعتاد لبنان واللبنانيون السير على حافة الهاوية. بدت القاعدة التي تؤكد انه ممنوع على لبنان ان يحترق ويدمّر، ولكن ممنوع عليه ايضاً ان يعيش بسلام كامل واطمئنان يسمح بالانصراف الى البناء والامل بالغد، مثالية ومقبولة، لانه يمكن التعامل معها وبشروطها دون خوف قاتل. الآن يخاف اللبنانيون من المجابهة الإقليمية والدولية بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية، خصوصاً وأن «سكاكينها» بدأت تخترق المعادلة القديمة الرابحة والمربحة.

طهران تؤمن ان الرئيس دونالد ترامب يريد قلب النظام فيها حتى ولو أقسم بكل شيء انه لا يريد ذلك. مثل هذا الإيمان يفرض معركة حياة أو موت... هذه الحرب لن تكون نووية ولا حتى عسكرية مباشرة، وإنما كما كانت طوال عقود حروب بالوكالة تنتهي عادة باعترافات متبادلة في المواقع والساحات. ايران تشعر بداية انها بدأت تخسر حرب اليمن مهما أنكرت عدم تدخلها وحتى انخراطها فيها على أمل الامساك ولو بجزء محدود بأمن باب المندب... ايضاً في العراق كان كل شيء يسير على الطريق بهدوء، فجأة تعطل المسار وتصاعدت الشروط والمواقف التي تعلق الحسم الى حين ينتج كل ذلك تفاهمات جديدة. حتى في سوريا بدت التطورات وكأنها تطبخ الحل على نار هادئة، لكن ما يعزز القلق الايراني ان الأميركي كشف وجوده علناً بعد ان كان مستوراً. ترجمة هذا: الهدايا ممنوعة فأنا موجود ولي حصة أقررها لاحقاً ومع فلاديمير بوتين بعيداً عن الايراني الذي يجب «قصقصة» حضوره الذي تضخم بغيابي.

إذن لم يبق سوى لبنان القابل لكل انواع الشد والجذب والتشذيب، بسبب تكوينه الهش أساساً، وحزب الله «حاضر ناضر» للذهاب بعيداً باسم المواجهة وتحرير القدس... لن يوجد لإيران حليف لها مثل «التوأم السيامي» المتمثل بالحزب، خصوصاً وأن له مصلحة في الشراكة لانه مهما حصٓل منها فإن ذلك سيكون اضافة جديدة ومهمة له الى منسوب القوة العالي الذي يمتلكه أساساً. امام هذه المعادلة تصبح المطالبة بتوزير وزير سني من 8 آذار نوعاً من «وضع الحصان امام العربة»، خصوصاً وأنه يجري نشر تأكيدات بأن خطاب السيد حسن نصرالله هو «خطاب تأسيس في الحزم والحسم». لكن ما يعزز الربط بالإقليمي القول ان «الهجمة بما تحمله من مشاريع تطبيعية تتطلب الحسم على الصعيدين الداخلي والخارجي»... بهذا يصبح قول الاستاذ وليد جنبلاط بأن «الطائف انتهى» رداً يضع النقاط على حروف المسار الجديد للأزمة، الذي ترجمته كما حصل سابقاً أن أي اتفاق جديد بهذا الحجم لا بد ان يُصاغ بدماء اللبنانيين وهذه المرة على حساب المسيحيين الذين سيشهدون ولادة نظام المثالثة على الأقل...

ايران يمكنها مقاومة المقاطعة على أمل ان تشهد نهاية ترامب بعد عامين، فتبقى هي وتتغير السياسات. لكن لا لبنان ولا اللبنانيين يمكنهم الصمود والمقاومة طوال هذه الفترة ومن لا يصدق فليجرب، فيخسر بذلك لبنان ولن يربح العالم، بما فيها ايران التي مصالحها فوق كل شيء، والدليل هذا الصمت المريب على زيارة نتنياهو لعُمان ومشاركة السيد حسن نصرالله هذا الصمت...