لعلها أكثر المراحل تعقيداً عن كل ما سبقها، تلك التي بلغها مسار التأليف على خط ما سمّيت عقدة تمثيل «سنّة 8 آذار». ولعلها المرة الاولى منذ 5 أشهر التي تقترب فيها الأطراف السياسية من الجزم بأنّ ولادة الحكومة لم تعد في المدى المنظور. وإن اختلفت الأسباب بين من يربط التعطيل برفض الرئيس المكلّف توزيرهم، مؤيّداً من جبهة داعمة له يتقدّمها رئيس الجمهورية وصولاً الى وليد جنبلاط وسائر الحلفاء، وبين من يرد التعطيل الى الـ«فيتو» الذي رفعه «حزب الله» في وجه حكومة تتجاوز النواب السنّة المستقلين، وعدم التجاوز هذا يؤيّده الرئيس نبيه بري.
 

بمعزل عمّا اذا كان لـ«سنة 8 آذار» حق التمثيل في الحكومة ام لا، وكيف ستنتهي هذه العقدة، فإنّ «المفاجأة» التي قالت مستويات سياسية ورسمية رفيعة المستوى، إنها شعرت بها، تبدو في أحسن الاحوال مفتعلة ومغايرة للوقائع والحقائق التي أحاطت بمسألة تمثيل «سنّة 8 آذار» منذ تكليف الرئيس الحريري.

تلك الوقائع تؤكد انّ عمر هذه المسألة يزيد عن 5 أشهر؛ ولقد أثارها «حزب الله» مع رئيس الجمهورية، ولم يلمس منه ما يوحي بمعارضة أو ممانعة، على حد ما يؤكّد الحزبيون. وأثارها أيضاً الرئيس بري الذي اكد للرئيس المكلف في لقاء بينهما حق هؤلاء بالتمثيل، و«لو كنتُ مكانك لفعلتُ ذلك»، واتبعَ ذلك بنصيحة أسداها اليه، بالمسارعة الى اتخاذ المبادرة وتوزيرهم من حصّته، لأنّ ذلك سيكون أفضل له بكثير على مستوى الدلالات السياسية والوطنية، ولاسيما منها إثبات قدرته على احتضان كل التلاوين السياسية.

العقدة تتفاعل، ولا يبدو انّ مخرجها منظور، ومع ذلك يقاربها معارضوها كـ«عقدة مُفتعلة». وثمّة من يلقي المسؤولية الكاملة على «حزب الله» ويتهمه بالعرقلة المتعمدة للحكومة ربطاً بأجندة خارجية، حتى انّ بعض الاصوات بدأت تسعى الى افتعال التوتر السني الشيعي، بالتزامن مع بيان مجلس المُفتين الذي كان لافتاً للانتباه إشارته الى ما سمّاها «أيادٍ خبيثة تحاول عرقلة جهود الرئيس الحريري لابتزازه».

الرئيس برّي يستغرب كيف يمكن تصوير مسألة تمثيل «النواب المستقلين»، على أنها مفاجأة وتمّ طرحها هكذا بقصد التعطيل، ويقول: أولاً، لا بد من ان تحلّ هذه المسألة كما يجب وبالشكل اللازم، وأنا شخصياً أوضحتُ للجميع من دون استثناء، انها ليست وليدة الساعة، ولا طارئة ولم تظهر فجأة. ولا أرى مبرراً لأن يُصاب أحد بالمفاجأة او ما يعادلها، هذه المسألة عمرها اكثر من 5 اشهر. وكلهم يعرفون، ذلك بمَن فيهم المتفاجئون.

على انّ ما أثار ارتياب بري واستياءه، هو محاولة العزف على الوتر السني الشيعي، وحرص في هذا السياق على القول: حذار اللعب على الوتر السني الشيعي، مع يقيني انّ أحداً لن ينجح في توتير هذه العلاقة، كنّا وما زلنا وسنبقى حريصين على صلابة العلاقة داخل الجسم السني الشيعي الواحد، والكل يعلم اننا في أسوأ المراحل تجاوزنا كل القطوعات.

وبالتالي، من العيب، لا بل من الخطيئة الحديث عن توتر وأزمة بين السنة والشيعة. في كل العالم حصلت فتنة سنية شيعية إلّا في لبنان لم يحصل هذا الامر، وعين التينة تشهد على الكثير من الاجتماعات واللقاءات في عزّ العواصف، والتي صَبّت كلها في سبيل الحفاظ على الوحدة السنية الشيعية. وهنا لا بد لي من أن أتوجّه بالشكر العميق الى المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى لبيانه الاخير الجدير بالتقدير، والذي كان مضمونه ممتازاً وسياسياً بامتياز، وقاربَ الوضع الحكومي بكل موضوعية.

ولدى سؤاله: هل ثمّة مخرج للعقدة السنية؟ يجيب بري: لا شيء ملموساً حتى الآن، والأمور على حالها ولا جديد يوحي بحلحلة، وننتظر ماذا سيفعل الرئيس المكلف بعد عودته.

يستغرب بري تسريب البعض عن أنه دخل على خط البحث عن حل لهذه العقدة وإيجاد المخارج لها!! ويقول: لم أقم بشيء، ولم أبادر الى شيء، بل لم يطلب أحد منّي ذلك.

ألم يستنجدوا بك؟ يجيب بري: لو انهم أرادوا ذلك لفعلوه منذ زمن، ولكانوا سمعوا النصيحة من البداية، ولكانوا سلكوا أسهل طريق الى التأليف الذي يَمرّ إلزامياً بالتواضع والتنازل من قبل الجميع، ولكُنّا ذهبنا سريعاً الى حكومة بلا مزايدات ولا مكايدات، ولكُنّا وَفّرنا كل هذا الوقت الذي ضاع. وأمّا كم سيضيع من الوقت بعد؟ فلا جواب عند بري. بل انه يؤيّد موقف الهيئات الاقتصادية التي تهدّد بالتصعيد، ويقول: ما تُحذّر منه الهيئات الاقتصادية هو الذي أقوله دائماً وأحذّر من مخاطره منذ زمن. وأقول مجدداً: الوضع الاقتصادي قد لا يصمد أسابيع وليس أشهراً. فلينتبهوا. نحن نسابق الخطر.

اللافت للانتباه في قراءة بري لواقع المنطقة، التي تعكس استياءه من الصوَر المقيتة التي تُظهر بنيامين نتنياهو وعدداً من الوزراء الاسرائيليين، في بعض الدول العربية، كما تعكس عدم خشيته من تهديدات إسرائيل بضرب ما سمّتها قواعد صواريخ «حزب الله» قرب المطار.

يقول بري: عمر التهديدات يزيد عن الشهر، ولا اعتقد انّ التهديد بضرب قواعد هو أمر واقعي، لأنّ إسرائيل لو ضربت، فذلك سيستدعي رداً كبيراً.

وبالتالي، فَتح الباب لحرب أكبر. فهل اسرائيل تريد حرباً حاليّاً أو هي جاهزة لها؟ لا اعتقد ذلك. واعتقد انّ للسيّد حسن نصرالله كلاماً حول هذا الأمر بعد أيام (يوم الشهيد).

ولدى سؤاله: ماذا لو أخذتنا الى الحرب؟ يجيب بري: نملك سلاحين، فعنصر قوتنا انّ كل اللبنانيين من دون استثناء صف واحد، وكل القيادات والاحزاب والمكوّنات ضد إسرائيل ويعتبرونها العدو، وتضامنهم أكبر مما كانوا عليه في العام 2006. أمّا اذا وقعت الحرب، وإن كنتُ أستبعدها، فخيارنا معروف هو المقاومة وردّ أيّ عدوان.

اليوم تطلق الولايات المتحدة الاميركية دفعة عقوبات جديدة على ايران، وبرّي لا يرى أنها قد تؤثر على الجمهورية الاسلامية، لكن ما يخشى منه هو أن يحاولوا أن يضغطوا علينا «نحن الدراويش» فيربكوننا.