بينما «يتطاحن» زعماء الموارنة على الحصص الوزارية وحقائبها الدسمة وتلك الخالية من الدسم («اللايت»)... تغرق بقية الطوائف المسيحية في حسابات «الكبار» لتصيرَ أشبهَ بـ«جوائز ترضية» تُقدّم في «نهاية الحسبة».
 

هكذا مثلاً قفز موقع نائب رئيس الحكومة، الأرثوذكسي من «جيب» رئاسة الجمهورية إلى «عبّ» معراب، لا مَن سأل عن رأي أبناء الطائفة ولا مَن استشارهم. بينما استنفر الأرمن كل قياداتهم حين تُلي على مسامعهم سيناريو يتحدث عن إمكانية تجيير أحد المقعديْن الأرمنيَّين إلى الأقلّيات المسيحية.

بهذا المعنى تلتصق الصفةُ المذهبية بالمقعد الوزاري، بمقدار ما «تحارب» الطائفة المعنيّة لصبغ المقعد باللون المذهبي... وإلّا تصير الكرسي الوزارية مجرد هدية بإمكان «كبار الطوائف» التلاعب بمصيرها ونقلها من ضفّة إلى أخرى.

وبعدما كشفت «القوات» عن رباعيّتها الوزارية، المارونية، الأرثوذكسية، والأرمنية، (قبل إثارة «التيار الوطني الحرّ» مسألة توزيع الحقائب المارونية) بات مُرجّحاً أنّ ثلاثية الحكومة الكاثوليكية، ستكون من حصة رئاسة الجمهورية و»التيار الوطني الحر»، حيث تشير المعلومات إلى أنّ الأسماء المطروحة في «الضفة العونية» لا تحمل حيثية شعبية قد تعطي مشروعيّةً للمقاعد التي ستتولّاها، وإنما تتّكل على سواعد «التيار» والعهد اللذين «يرعيان» نواب الطائفة.

إذ انتهت الانتخابات النيابية بانضمام أربعة نواب كاثوليك إلى تكتل «لبنان القوي»، بينما ضمّ تكتل «الجمهورية القوية» نائباً كاثوليكياً، وكتلة «الحزب السوري القومي الاجتماعي» نائباً، وكتلة «التنمية والتحرير» نائباً، و»اللقاء الديموقراطي» نائباً.

تاريخياً، وباستثناء الياس سكاف وميشال فرعون، لا يمكن أيّ من الوزراء الكاثوليك الذين دخلوا حكومات ما بعد «إتفاق الطائف»، الإدّعاء أنه دخلها بـ«عضلات» أبناء طائفته.

في معظم الحالات، يكون هؤلاء بمثابة «بونس» يُقدَّم للزعامات المسيحية وللأحزاب الكبيرة، خصوصاً المارونية، لكي تُكمل «سلّتها» الحكومية. فيخرجون من الحكومة مثلما يدخلونها، تحت جناحي المارونية السياسية، ولا شيءَ من كاثوليكيّتهم إلّا الإشارة الواردة في خانة الطائفة على الهوية!

هكذا يمكن تعدادُ رزمة من الأسماء الكاثوليكية التي حظيت بنعمة الوزارة، وعادت بعدها الى أدراج النسيان، لتلتحق بنادي الوزراء السابقين، المدرَجين على «لائحة الانتظار»، عسى أن يعاود أحدُ زعماء الموارنة نفضَ الغبار عن إسمٍ منهم.

وزراء بـ«الباراشوت»

بهذا المعنى، كان ألان حكيم كتائبياً قبل أن يكون كاثوليكياً. قبله، في حكومة نجيب ميقاتي، كان شربل نحاس «فلتة الشوط» والمشاغب الرافض أصلاً للتصنيف الطائفي، ونقولا الصحناوي «العوني» الذي جهد طويلاً لحفر جبل حيثيته البيروتية بإبرة حضوره الحزبي، فيما نجح نقولا فتوش في فرض نفسه وزيراً ممثلاً لصوت نيابي واحد، استمدّ مشروعيّته من حيثيّته الزحلية! وقبلهم أُسقط سليم وردة بـ«باراشوت» «القوات».

في حكومة العهد الأولى، عاد فرعون الى «الجنّة» الحكومية في تقاطع بين «بيت الوسط» ومعراب، أما سليم جريصاتي فهو «منظّرُ العهد»، فيما الدور الذي لعبه ملحم رياشي في صوغ التفاهم مع «التيار الوطني الحرّ»، رفعه الى مرتبة وزير ومنحه فرصة «رزق سائب»... وصودف أنه كاثوليكي.

كثيرة هي المتغيّرات التي فرضت على الساحة الكاثوليكية «الذوبان» في «الطبق» الماروني، وجعلها غير قادرة على إنتاج دور متمايز، تبدأ من «تشتّت» أبناء هذه الطائفة بقاعاً، جنوباً، جبلاً وعاصمة، وافتقادهم إلى «العصبية» الكافية لشدّ مذهبيّتهم، ولا تنتهي في «هيمنة» الصوت الماروني على البيت المسيحي عموماً بفعل «تواضع» حضور الزعامات الكاثوليكية المعروفة تاريخياً بقيمة حضورها الاقتصادي.

وفيما ثبّت «اتفاق الطائف» توزيعَ الحصص الطائفية في وظائف الفئات الأولى والوزارات، انتزع وزارات الدفاع والخارجية ورئاسة جهاز الأمن العام وقيادة الدرك والأمانة العامة لوزارة الخارجية ورئاسة الجامعة اللبنانية من حصّة الكاثوليك، وحصر حصّة هذه الطائفة في قيادة المديرية العامة لأمن الدولة التي لجأت إلى مرجعية مارونية تحميها!

تلك كانت بدايات انحسار طائفة كانت شريكةً أساسيّةً في القرار الوطني، وقد أنتجت قياداتٍ بارزة من قماشة الزعامات الكبيرة. كان جوزف سكاف زعيماً بقاعياً يتخطّى حدود طائفته يصل عدد كتلته إلى 19 نائباً من مختلف الطوائف المسيحية والإسلامية، من أصل 99 نائباً يشكلون عديد البرلمان. موقفُه «بيضة قبان» في التركيبة اللبنانية، ومرجّح في مركز القرار.

ارتبطت الزعامة الكاثوليكية بآل سكاف مع جوزف منذ الخمسينات، لاعتبارات عدة أبرزها انطلاقهم من منطقة زحلة وقراها، التي تضمّ العدد الأكبر من أبناء الطائفة في لبنان. ولكن في المقابل، نمت في بيروت زعامة أخرى مثّلها النائب الراحل هنري فرعون الذي لعبت عائلته البيروتية أدواراً أساسية في أربعينات القرن الماضي وخمسيناته.

مع انتهاء الحرب، التحق الكاثوليك بسفينة القوى المسيحية الممسكة بالتركيبة السلطوية، الى أن ساهمت تقسيماتُ العاصمة الانتخابية بعد «إتفاق الدوحة» في تحرير الصوت المسيحي وإضفاء الاستقلالية على تحرّك مسيحيّي بيروت وتثبيت أقدامهم جزئياً على الأرض.

ومع أنّ زحلة هي التي كانت تفرز تاريخياً قيادات الكاثوليك على مساحة الوطن، غير أنّ «تسونامي» الصوت السنّي اجتاح الزعامة التقليدية، لتعود «فرّامة» التحالفات وتقضي على بصيص أمل لمع في ذهن نقولا فتوش لساعات تلت إعلان نتائج الانتخابات النيابية عام 2009.

وحين حلّت النسبية على قانون الانتخابات تحوّلت الأحزاب «مصنعاً لنواب الكاثوليك. ولكن في كل ما ذكر، لا يمكن تحميلُ الآخرين مسؤولية تراجع الزعامات الكاثوليكية وحضورها، لأنّ العلّة فيها لا في غيرها، حيث فشلت هذه القيادات، في الحفاظ على ثقلها السياسي.

«الثقل الكاثوليكي» بالأرقام

وفي هذا السياق، من المفيد الإضاءة على حضور الكاثوليك ديموغرافياً. اذ يتبيّن، وفق «الشركة الدولية للمعلومات» أنّ عدد الناخبين الكاثوليك المسجّلين على لوائح الشطب بلغ 167288 ناخباً أي ما نسبته 4% من إجمالي الناخبين اللبنانيين، اقترع منهم نحو 65 ألفاً بنسبة 4.4% من اجمالي المقترعين.

أما خريطة الأصوات التفضيلية التي حصل عليها النواب الكاثوليك الثمانية فتتوزّع كالآتي:

جورج عقيص 3700 صوت كاثوليكي من أصل 11363 صوتاً نالها. ميشال ضاهر 2400 صوت من أصل 9742 صوتاً نالها.

ويُقدّر أنّ دائرة زحلة شهدت مشاركة 15 ألف صوت تفضيلي كاثوليكي. ميشال موسى 1500 صوت كاثوليكي من أصل 4162 صوتاً نالها. ويقدّر أن تكون دائرة الزهراني شهدت مشاركة نحو 4500 صوت تفضيلي كاثوليكي.

البير منصور 1200 صوت كاثوليكي من أصل 5881 صوتاً نالها، فيما يقدّر أن تكون دائرة بعلبك الهرمل شهدت مشاركة نحو 7400 صوت تفضيلي كاثوليكي. ادغار معلوف 780 صوتاً كاثوليكياً من أصل 5961 صوتاً نالها.

فيما يقدّر أن تكون دائرة المتن شهدت مشاركة نحو 9000 صوت تفضيلي كاثوليكي. نقولا صحناوي 700 صوت كاثوليكي من أصل 4788 صوتاً نالها. فيما يقدّر أن تكون دائرة بيروت الأولى شهدت مشاركة نحو 4100 صوت تفضيلي كاثوليكي.

نعمة طعمة 550 صوتاً كاثوليكياً من أصل 7253 صوتاً نالها. فيما يقدّر أن تكون دائرة الشوف شهدت مشاركة نحو 5800 صوت تفضيلي كاثوليكي.

سليم خوري 380 صوتاً كاثوليكياً من أصل 708 أصوات نالها. فيما يقدّر أن تكون دائرة جزين شهدت مشاركة نحو 4300 صوت تفضيلي كاثوليكي.

ويمكن الاستنتاج أنّ النواب الكاثوليك حصلوا على نحو11200صوت تفضيلي من أصل نحو 50 ألف صوت تفضيلي كاثوليكي سجّلوا في الدوائر حيث توجد النسبة الأكبر من أبناء الطائفة، أي ما نسبته 23%، ما يعني أقل من ربع الأصوات التفضيلية الكاثوليكية.