تستكمل السعودية التحضيرات لعقد منتدى اقتصادي يفتتح الثلاثاء في الرياض بعد امتناع وزراء ومسؤولين كبار عن المشاركة فيه، وسط استمرار الانتقادات والتشكيك في رواية السلطات السعودية حول مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصليتها في اسطنبول.
 

ومن المقرر أن يعقد المؤتمر الذي ينظمه الصندوق السيادي السعودي بين الثالث والعشرين والخامس والعشرين من تشرين الأول في نسخته الثانية، وقد أطلقت عليه وسائل الإعلام اسم "دافوس في الصحراء" تيمّناً بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.

ويسعى الحدث إلى تقديم المملكة المحافظة كوجهة تجارية واستثمارية مربحة، في إطار مسعاها لتنويع اقتصادها المرهون بالنفط وتمهيد الطريق لمبادرات جديدة وعقود بمليارات الدولارات.

ولكن مقتل خاشقجي داخل قنصلية السعودية في اسطنبول طغى على الحدث.

 

وكان آخر الشخصيات التي أعلنت عدم مشاركتها في المنتدى رئيس مجلس إدارة شركة كهرباء فرنسا "أو دي إف" جان برنار ليفي.

وكان سبقه في ذلك رئيس مجلس إدارة شركة "سيمنز" جو كايزر الذي كتب في رسالة طويلة على موقع "لينكد إن"، "أخذت كل وقتي لاتخاذ قرار المشاركة أو عدمها في مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض". وأضاف أنه قرر في النهاية "عدم المشاركة"، لأنه "القرار الأنسب لكنه ليس الأكثر شجاعة".

وألغى العشرات من المسؤولين ورؤساء الشركات العالمية الكبرى مشاركتهم في المؤتمر من شركة فورد إلى أوبر وغيرها...

وأعلنت شركات إعلامية كبرى مثل بلومبرغ وسي ان ان وفايننشل تايمز انسحابها أيضا، بينما أعلنت استراليا السبت انسحاب ممثليها من المؤتمر، مؤكدة أنه "من غير اللائق" المشاركة فيه بسبب قضية خاشقجي.

وأعلن مسؤولون أميركيون وبريطانيون وفرنسيون انسحابهم من المؤتمر.

في المقابل، أعلن باتريك بوياني رئيس مجلس إدارة المجموعة النفطية الفرنسية "توتال" مشاركته في المنتدى.

وقال بوياني في بيان نشره الموقع الالكتروني للمجموعة إن "سياسة الكرسي الشاغر" لا تدفع الأمور قدما، وبخاصة عندما يتعلّق الأمر باحترام حقوق الانسان"ـ مضيفا أن "سياسة المقاطعة وسحب الاستثمارات لا تؤدي إلا إلى معاقبة الشعوب".

وقام منظمو المنتدى الاقتصادي بإزالة لائحة المتحدثين من الموقع الإلكتروني الرسمي، ورفضوا الإثنين التعليق على عدد الحاضرين.

وقال مصدر حكومي إن لائحة المشاركين ليست نهائية حتى الآن، مع استمرار انسحاب الكثير من المشاركين "بوتيرة سريعة".

ومساء الاثنين تعطّل الموقع الالكتروني للمنتدى بعد تعرّضه على ما يبدو لهجوم الكتروني. ويبدو أن قراصنة قد اخترقوا الموقع الذي تم حجبه بعد أن نشروا رسائل منددة بالدور الذي تلعبه السعودية في النزاع في اليمن وتتهم المملكة بتمويل الإرهاب.

وتم تنظيم المؤتمر العام الماضي في الرياض في فندق "ريتز كارلتون" الفخم في الرياض، وتمت خلاله الإشادة بولي العهد محمد بن سلمان كإصلاحي، مع إعلانه عن خطط لمشروع اقتصادي ضخم يدعى "نيوم".

وتقول مجموعة "أوراسيا" الاستشارية للمخاطر إن ولي العهد السعودي يواجه ما وصفته ب"أزمة علاقات عامة حادة".

وأعلنت السعودية ليل السبت الأحد أن خاشقجي الذي كان يقيم في المنفى، قتل في قنصليتها في اسطنبول، في شجار مع أشخاص كانوا يحاولون إقناعه بالعودة الى بلاده.

لكن دولا عديدة، وبينها دول حليفة للرياض، تنظر الى الرواية السعودية على أنها متناقضة وغير مرضية.

 

ووعد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الأحد بكشف "الحقيقة الكاملة" بشأن مقتل خاشقجي الثلاثاء.

وتواصل الإثنين نشر تقارير في الصحافة التركية عن تورط ولي العهد السعودي في عملية قتل خاشقجي.

وكانت وسائل إعلام تركية نقلت عن مسؤولين أتراك أن هناك تسجيلات صوتية تشير الى أن خاشقجي تعرض للتعذيب قبل قطع رأسه، إلا أن أي أدلة ملموسة على ذلك لم تظهر بعد.

وقال أيهم كامل، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى مجموعة أوراسيا الاستشارية، إن "القيادة السعودية يمكنها الخروج بحدث لا يفشل ولا ينجح".

وقال لبلومبرغ نيوز "لكن على امد أشهر، سيكون أهم تأثير على البلاد تراجع الثقة الدولية في برنامج الإصلاح الإقتصادي".

ومن الواضح أن شركات غربية كثيرة لن تخاطر بالتخلي عن أكبر اقتصاد في العالم العربي، بينما تتحضر العديد منها لإرسال مسؤولين تنفيذيين من مستوى منخفض لتمثيلها في المؤتمر.

ويخطط مصرفيون استثماريون كبار من "اتش اس بي سي" و كريديه سويس" لحضور المؤتمر الاقتصادي بعد أن قرر الرؤساء التنفيذيون إلغاء حضورهم، بحسب "بلومبرغ نيوز".

وقال أحد المنظمين إن شركات من الصين وروسيا لم تظهر أي اهتمام بالانسحاب من الحدث.

وعلى الرغم من إعلان مسؤولين كبار مثل وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد عدم مشاركتهم في المؤتمر، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان السبت مشاركته، في وقت تواصل باكستان التقرب من الدول "الصديقة" لها سعيا وراء تمويل بمليارات الدولارات لتعويض عجز موازنتها.

وتبدو مقاطعة الشركات والدول الغربية للمؤتمر مؤشرا على تزايد المخاطر في السعودية التي قد تلقي بظلالها على الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة، والذي قالت الأمم المتحدة إنه انخفض العام الماضي إلى أدنى مستوى له منذ 14 عاما.

وتقول شركة كابيتال إيكونوميكس للأبحاث "رغم الحديث عن الإصلاح، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية بقي منخفضا، وستؤدي فضيحة (خاشقجي) إلى زيادة حالة عدم اليقين لدى المستثمرين".

وتبدو الموارد المالية للمملكة في الوقت الحالي مدعومة بسبب الارتفاع الأخير في أسعار النفط الذي تجاوز 80 دولارا للبرميل.

وينتهج الأمير محمد بن سلمان (33 عاما) سياسة القبضة الحديدية في الملفات الرئيسية في المملكة. وشن حملة اعتقالات طالت رموزا دينية وثقافية وحقوقية بالإضافة إلى رجال أعمال بارزين.

وتشارك الرياض في حرب مكلفة في اليمن وتقود "حصارا" دبلوماسيا على قطر، ما يثير قلق المستثمرين.

وانخرطت الرياض أيضا في نزاعات دبلوماسية مع ألمانيا وكندا ما هدد العلاقات التجارية.