حُسمت مسألة الحصص الحكومية على أساس عدم حصول أي طرف على ثلث معطّل، بالإضافة إلى حصول القوات اللبنانية على 4 وزراء بينهم نائب رئيس الحكومة، بينما يحصل الحزب التقدمي الاشتراكي على وزيرين ويكون الثالث مشتركاً بين الاشتراكي والرئيس نبيه بري. التنازل الذي أبدى النائب وليد جنبلاط استعداده لتقديمه لا يزال قائماً، لكنه وضع إطاراً له بأنه لا يرتبط بالتنازل عن الثوابت، لأنه لا يمكن القبول بايصال أحصنة طروادة إلى مجلس الوزراء. ووفق عارفين ببواطن الأمور فإن ما قصده جنبلاط من هذه التغريدة كان هدفه الردّ على إعلان النائب طلال ارسلان أنه يريد تقديم خمسة أسماء ليختار منها رئيس الجمهورية ميشال عون واحداً للحكومة.

سجّل جنبلاط انتصاراً في استبعاد ارسلان، في الوقت الذي يواجه مزيداً من الجو الشعبي الضاغط لمنعه من تقديم أي تنازل. وربما هذا ما دفعه إلى إعادة تحديد موقفه وتأكيده أنه لا يريد التنازل عن الثوابت. ويلتقي في ذلك مع القوات، التي رضيت بالحصة ولكنها لا تزال تفاوض على الحقائب، خصوصاً في ظل تمسكها بوزارة العدل وعدم قبولها بوزارة التربية. ويدور نقاش آخر حول وزارة الثقافة وإذا ما كان هناك امكانية للاستعاضة عنها بوزارة أخرى. وعلى هذا الأساس، لا يزال الجميع مستعداً لتقديم التنازلات، ولكن بين الشتراكي والقوات هناك وحدة حال تشير إلى أن أحدهما لا يدخل في التسوية من دون الآخر.

وتلفت مصادر متابعة إلى أن ما يريده جنبلاط من تغريدته هو حصر التفاهم على الوزير الدرزي الثالث بموجب اقتراح الرئيس بري، وأن يكون هذا الاختيار مشتركاً بينهما بالتوافق مع رئيس الجمهورية، لا أن يكون المعيار هو اختيار من يسميه ارسلان. قد تكون هذه آخر مراحل الشد ورفع الأسقف بحثاً عن تعزيز الشروط في الحصول على الحقائب، أي أن جنبلاط قد يقدّم تنازلاً آخر في هذا المجال، ولكن بشرط أن يتم تعويضه بحقيبة أساسية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى القوات.

وكما قدّم الاشتراكي والقوات تنازلاً من جهة، في مقابل تقديم رئيس الجمهورية تنازلاً تمثّل في منح نائب رئيس الحكومة للقوات، فإن ولادة الحكومة ستكون بناء على تقديم حزب الله تنازلات أبرزها في ما يخص حصّة حلفائه في قوى الثامن من آذار، كسنّة 8 آذار والحزب السوري القومي الاجتماعي، اللذين كان حزب الله يتمسك في توزير من يمثّلهما لكن الوضع الضاغط ومسابقة العقوبات الأميركية دفعا حزب الله إلى عدم التمسك بهذا الشرط، او جعله عقبة أمام ولادة الحكومة. بينما قد يتم الاستعاضة عن ذلك في التبادل بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، عبر تسمية الأول وزيراً سنياً يكون محسوباً على سنة الثامن من آذار، مقابل أن يسمّي الحريري وزيراً مسيحياً محسوباً عليه.

مسألة تنازل عون وباسيل لمصلحة القوات، وتنازل حزب الله عن توزير سنة الثامن من آذار وبعض حلفائه، قد يريحا التشكيل ومسار عمل رئيس الحكومة في تعاطيه مع بعض القوى الإقليمية والدولية، خصوصاً في ضوء التحذيرات التي ترفض أن تكون الحكومة راجحة لمصلحة الحزب وسياسته وتوجهاته. وعلى هذا الأساس، يمكن للحريري أن يخرج معلناً تشكيلة حكومية مؤلفة من 3 عشرات، على الرغم من عدم دقّة توزيع هذه العشرات، إذ ينص هذا التقسيم على حصول رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر على 10 وزراء، والمستقبل والقوات على 10، بينما الـ10 الثالثة مؤلفة من 6 وزراء للثنائي الشيعي، 2 لجنبلاط والثالث بالتوافق بينه وبين بري، وواحد لتيار المردة. والهدف هو أن لا يحصل أحد على الثلث المعطّل فيها. وهذه التنازلات قد تكون استجابة لضغوط خارجية، لا سيما أميركية كانت تلوح بأنه في حال عدم تشكيل الحكومة خلال هذا شهر تشرين الأول، أي قبل العقوبات على إيران، يجب تفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال، أولاً كي تبقى السلطة التنفيذية قائمة، وثانياً لمواكبة العقوبات وتطبيق أي إجراء يمكن أن يطلب من الحكومة في موازاة عمل مجلس النواب وإصداره التشريعات، لا سيما أن بري يصرّ على الدعوة إلى جلسة تشريعة أواخر الشهر الحالي.