هل يدفع مسيحيّو بعض قرى وبلدات البقاع، ذات النسيج الطائفي المشترك الإسلامي المسيحي ثمن خياراتهم السياسية التي عبّروا عنها في الانتخابات النيابية الأخيرة، وذلك عبر سحب رئاسة مجالس بلديات تلك البلدات منهم؟ وهل يجنح «حزب الله» لما تريده قاعدته الشعبية التي عبّرت عن ذلك، أم يبقى ضابط الإيقاع في هكذا قرار، ويُبقي على الأعراف التي أصبحت بحكم القوانين حفاظاً على العيش المشترك؟
 

مرت أشهر على الإنتخابات النيابية التي جرت في أيار الفائت رُسمت خلالها معالم المرحلة المقبلة، وأرست نتائج في بعض الدوائر الإنتخابية لم تكن في حُسبان بعض الأطراف ولا يمكن التنصّل منها، وراح كل طرف يقرأ في تلك النتائج ومدلولاتها، فيما ذهب البعض الآخر إلى البحث عن مكامن الخلل وأثرها في طابع المنطقة السياسي ومستقبله.

رغم الواقع الإنمائي والخلل التمثيلي في بعض قرى البقاع الشمالي الذي يشهد تراجعاً في بعض الأحيان نتيجة التراخي واللامبالاة التي تظهر مع كل إستحقاق إنتخابي أبلديّاً كان أم نيابيّاً، لا يزال المشهد الديمغرافي والإختلاط القائم بين البلدات المكوّنة من عائلات إسلامية ومسيحية يشكّل فسحة أمل في الحفاظ على العيش المشترك والسلم الأهلي القائم تاريخياً، وهو ما يقفل الحديث عن تغييرات ومحاسبة الناس على أساس خياراتهم السياسية.

ثمّة مَن يريد اليوم وعلى أثر نتائج الإنتخابات النيابية التي حصدت فيها القوات اللبنانية أصوات المسيحيين في البقاع الشمالي وفاز خلالها الدكتور أنطوان حبشي بالمقعد النيابي بعد رسوب النائب السابق إميل رحمة الذي فاز خلال الدورات السابقة برافعة أصوات شيعية، توجيه رسائل عبر البلديات ورئاساتها للقول إنّ الخيارات التي رصدت الهوى السياسي للطائفة المسيحية بغالبيتها الساحقة في المنطقة لا يمكن أن تمرّ أو ترضى بها القاعدة الشعبية الشيعية وخصوصاً في تلك البلدات التي يتشارك فيها المسلمون والمسيحيون عضوية المجالس البلدية، وعليه يدور في رؤوس البعض تغيير وسحب رئاسة البلديات من الطائفة المسيحية بوسائل ديمقراطية تبدأ بزيادة عدد الأعضاء المسلمين في تلك المجالس وتنتهي بإيصال أحدهم إلى رأس المجلس البلدي عن طريقة إنتخابات حرة يصوّت فيها كل عضوِ لمَن شاء، فما من قانون يحدّد المعيار في تولّي الرئاسة من أيّ طائفة أو نصّ يمنع التمدّد الطائفي في مختلف المناطق الذي يقلص تمثيل بعض الطوائف لصالح أخرى.

دور الأحزاب

وإن كانت الإنتخابات البلدية تختلف عن النيابية لجهة دور وتأثير الأحزاب في مجرياتها، حيث تتحكّم العائلية في مجريات اللعبة الإنتخابية وتشكيل اللوائح وإختيار رئاسة البلدية وتقاسمها بين العائلات، والتي اعتمدها «حزب الله» في بعض البلديات التي فاز فيها إثر معارك طاحنة، وقسَم رئاسة البلدية بين عائلتين، وفي بعض البلدات بين ثلاث، لا يمكن اليوم إغفال دور الأحزاب كافة في لعبة البلديات وانتخاباتها حيث خاضت معظم معاركها بشراسة أكبر من المعركة النيابية وفي حين يُحكى عن هكذا توجّه، لا يمكن أيضاً إغفال حال التراخي الذي تعاطى فيه أبناء الطائفة المسيحية مع الإنتخابات الأخيرة، حيث كان إقبالهم على الإنتخابات ترشّحاً وإقتراعاً ضعيفاً في بعض البلدات ما ساهم في تقليص عددهم في المجلس البلدي حيناً وخسارتهم لرئاسة المجلس حيناً آخر.

وفي المقابل زاد عدد أعضاء الطائفة الإسلامية من سنّة وشيعة وهو ما يراهن عليه البعض، غير أنّ الهوى السياسي السنّي في بعض البلدات غيرُ معني بذلك التوجّه.

حتى الآن لا يبدو أنّ «الحزب» سيتبنّى طرح القاعدة الشعبية في بعض البلدات، فهو لن يسمح بأن تسجَّل سابقة في تاريخ بعض البلدات والبلديات يُكسر بموجبها الإتفاق والوفاق القائم منذ سنين، والذي تعيش معه المنطقة بميثاقية العيش المشترك، وهو الداعي والساعي إلى الحفاظ عليهما.

بدوره يرفض النائب أنطوان حبشي كلاماً كهذا، وقال لـ «الجمهورية» إن لا داعي لأن تتغيّر تلك المواقع، إلّا إذا كانت للبعض أهداف باطنية غير تلك الظاهرة، وهذه المناطق والبلدات تعيش حالاً من العيش المشترَك كما المتعارف عليه منذ عشرات السنين، وفي حال كان لدى البعض هدفٌ تغييري فليتحمّل مسؤوليّته.