عقدة الصلاحيات في هذه المرحلة تتصدر المشهد المأزوم بعقدة الحصص وعقدة التوجه السياسي للبلد
 

مجدداً انفجر الخلاف بين التيار الوطني الحر والرئيس المكلف. حجم الرسائل المتبادلة ينذر بما هو أقسى. يصر التيار الوطني  الحر على نقل المعركة إلى الصلاحيات الدستورية، والمستقبل يعتبر أنها تستهدف الطائف، والالتفاف على موقع رئاسة الحكومة. هي المرّة الأولى التي يصل فيها سوء العلاقة بين الطرفين إلى هذا المستوى منذ التسوية الرئاسية. استنفر رئيس الجمهورية ميشال عون فريقه وتكتله النيابي بصفته التكتل المسيحي الأكبر، فيما الحريري وجد نفسه محتصناً من رؤساء الحكومات السابقين الذين يرفضون المساس بصلاحيات موقع رئاسة الحكومة. 

صلاحيات الشريكين في تأليف الحكومة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. والمشاركون في سجال الصلاحيات مباشرة أو بالواسطة ينطلقون من نقطة واحدة هي العودة الى الدستور. لكن آخر ما يحلّ العقدة هو الدستور. ولا فائدة من استنطاق الدستور لتأويل ما ينص عليه بما ليس فيه.

فنحن في ورطة حين يكون المرجع الذي هو الدستور بلا مرجعية لتفسيره سوى المجلس النيابي، بعد سحب صلاحية التفسير من المجلس الدستوري في مخالفة لاتفاق الطائف. وأخطر ما في الورطة هو ان يأخذ سجال الصلاحيات طابع الاصطفاف المذهبي والحزبي.

ذلك ان ما يحدّده الدستور في النص هو آلية تأليف الحكومة: الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية ويسمّي استنادا اليها رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس المجلس النيابي. الاستشارات التي يجريها الرئيس المكلف مع الكتل النيابية للبحث في مطالبها. وتقديم صيغة الى رئيس الجمهورية الذي يصدر بالاتفاق معه مرسوم تأليف الحكومة.

أما جوهر عملية التأليف، فيبقى التوافق السياسي: التوافق بين الرئيس المكلف ورؤساء الكتل النيابية. والاتفاق بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية على الصيغة النهائية للحكومة. أكثر من ذلك، فان ممارسة الصلاحيات ليست مجرد مسألة تقنية بمقدار ما هي مسألة وطنية وسياسية في اطار القراءة الدقيقة للمرحلة ومتطلباتها ورؤية المهام الحيوية للحكومة والتزام الدستور. فلا دور رئيس الجمهورية هو ان يوقّع آلياً التشكيلة التي يقدمها الرئيس المكلف. ولا هو بالمقابل ينتظره على الكوع لرفض أية صيغة يقترحها. انه يتحمل مسؤولية وطنية من خلال القلم الذي في يده، لمشاركة الرئيس المكلف في تجاوز العقبات وتأمين التوازن الوطني والسياسي في الحكومة.

ومن المستغرب ان يدور الخلاف على ما يجب ان يكون محلّ الاتفاق سلفا: معايير تأليف الحكومة. الرئيس سعد الحريري يرى ان معايير تأليف الحكومة يحددها الدستور. والرئيس ميشال عون يطلب الأخذ بالمعايير التي حددها في خطابه يوم عيد الجيش. وليس في نص الدستور معايير محددة. ولا في العرف والنصوص الدستورية المعدّلة بعد الطائف ما يعطي رئيس الجمهورية سلطة إلزام الرئيس المكلف تأليف الحكومة على أساس معايير يحددها له. فالتفاهم بين الشريكين ومع الكتل هو حجر الأساس. وما ساهمت به المعايير هو عرقلة التأليف، من خلال القراءات في وحدة المعايير والهدف السياسي من وراء طرحها. 

والسؤال الكبير هو: ما فائدة المعايير والصلاحيات إذا قادت لبنان المأزوم اقتصاديا وماليا الى أزمة حكم في منطقة تغلي بالصراعات والتطورات؟