ردم الحوض الرابع ليس هو الحلّ الأمثل لتوسعة محطة الحاويات، بالإضافة إلى أهميّة المرفأ الجيوسياسيّة بحسب خبراء
 

أهميّة مرفأ بيروت:

مرفأ بيروت هو العامود الفقري للإقتصاد اللّبنانيّ، لاسيّما وأنّ لبنان يُعدُّ  بلد "ترانزيت" من دون مُنازع، لاسّيما وأنّه "مُفتاح الشرق الاوسط" بعد مرفأ حيفا، حيثُ يُعدُّ المرفأ الأساسيّ للعالم العربيّ خصوصًا سوريا والعراق والاردن والسعودية ودول الخليج بمعظمها. وتتخطّى أهميّة الحوض الرابع (الأرصفة 12، 13 و14) بيروت ولبنان، خصوصًا وأنّه من أكثر الأحواض عمقاً في شرق المتوسط. إذ يصلُ عمقه إلى 14 متراً مع 3 أرصفة، طول كلّ منها يزيد عن 450 متراً، ويسمح برسو عدد من السفن الكبيرة في الوقت عينه، ممّا يُتيحُ لهُ أنّ يستوعب البواخر المُخصّصة للبضائع والتي تتخطى حمولتها الـ 50 ألف طن، والبواخر العسكريّة التي تحتاج إلى عمق بين 10 و14 متراً، هذا الى جانب تشغيل آلاف شاحنات التفريغ. 

سجال حول تلزيم ردم الحوض الرابع:

وبعد السجال بشأن تلزيم الردم لتحالف شركتي بيل الدنماركيّة وحوريّة اللبنانيّة عام 2012، بواسطة عقد بالتراضي كلفته نحو 130 مليون دولار، توقّفت أعمال ردم الحوض الرابع لأكثر من 4 سنوات بتوصية من لجنة الأشغال النيابيّة، وبعد هذا السجال، قرّر رئيس الحكومة في وقتها نجيب ميقاتي ضرورة تجميد الردم، ليأتي الرئيس تمام سلام بعده ويوافق على المشروع دون إعادة النظر بعدم قانونيّة التلزيم، إذ إن إدارة المرفأ كانت قد لزّمت المشروع بالتراضي، مُعتبرة بأن التحالف يقوم بمشروع توسعة المرفأ، بحسب عقد مُبرم خلال عام 2009، أمّا ردم الحوض الرابع يُعدّ مرحلة ثانية من عمليّة التوسعة. عليه، يُمكن للتحالف تنفيذ المرحلة الثانية دون إجراء مُناقصات تدخل فيها شركات أخرى، أمّ اليوم فيتمّ من جديد الحديث عن إستكمال ردم الحوض الرابع.

أسباب الردم:

وعن الأسباب المزمعة لردم الحوض الرابع في مرفأ بيروت تُشيرُ إدارة المرفأ إلى أنها أعطيت كلّ الحق، بحسب المرسوم، لتوسعة الرصيف 16 شرقاً حتى مصب نهر بيروت حيث محطة الحاويات. وترى إدارة مرفأ بيروت أنّ ذلك سيؤدي إلى إرتفاع القدرة الإستيعابيّة للنموّ الجيّد الذي تحققه حركة الحاويات والذي يفوق 8% سنويّاً، وأنّ المشروع سيُساعد في تفادي تجدّد أزمة الإزدحام في محطة الحاويات والباحات، وتفعيل دور المرفأ على صعيد حركة المسافنة نحو مرافىء البلدان المجاورة.

إقرأ أيضًا: طرقات الموت في لبنان ... ثلاثة أماكن تتكرّر بها حوادث السير ... لا تسلكوها !

بين معارضة المشروع وتأييده:

ينقسم الملف الى قسمين، الأول يتعلّق بجدوى المشروع وتأثيره على مرفأ بيروت، أمّا الثاني يتناول قانونيّة التلزيم. وضمن العنوانين العريضين، يأتي المؤيدون والمعارضون، وإستطاع المعترضون من إستقطاب الشارع المسيحيّ وإجباره على الإنخراط معه في وجه مشروع إدارة المرفأ. ويعتبر المعارضون بأن ردم الحوض الرابع وإعتماد المواربة من قبل إدارة مرفأ بيروت في إعلان موقفها من المساحات التي ستخصصها لاستيراد البضائع الدكمة، سيحوّلان مرفأ بيروت إلى مخزن ضخم للمستوعبات (الكونتينرات) وسيلغي وظيفة مرفأ بيروت في استقبال البضائع، ممّا سيجعل مرفأ طرابلس بديلاً من مرفأ بيروت في هذا النشاط. وبالتالي إن كل الوظائف في تخليص المعاملات وأعمال الشركات المعنيّة ووكلاء البواخر وغيرهم من الجهات التي تمثّل عناصر شبكة المصالح في المرفأ ستنتقل إلى مرفأ طرابلس. في عرف أصحاب المصالح أنهم سيخضعون للنفوذ في مدينة ذات غالبيّة "مسلمة"، أمّا غالبية العاملين في هذا المجال هم من المسيحيّين. بمعنى أن نشاط استيراد البضائع سيذهب إلى مراكز النفوذ القائمة في طرابلس بدلاً من مراكز النفوذ القائمة في بيروت وجبل ولبنان.

خطورة الإستغناء عن الحوض الرابع:

وبحسب ما قد طرحهُ بعض الخبراء في شؤون المرفأ إعلاميًّا، فإنّ ردم الحوض الرابع ليس هو الحلّ الأمثل لتوسعة محطة الحاويات، بالإضافة  إلى أهميّة المرفأ الجيوسياسيّة التي تفوق بكثير أهميّة تحويله الى محطة تخزين للمستوعبات لصالح السماسرة والشركات الخاصّة، خصوصًا وأنّ الحوض سيلعبُ دورًا ببالغ الأهميّة في ظلّ حركة الإعمار التي ستشهدها سوريا والعراق.

وإعتبر بعض الخبراء أنّ هناك من يعتبر بأنّ المستقبل هو للمستوعبات، لكنّ لا يمكن الاستغناء عن الحوض الرابع للأسباب التالية:"لا يمكن وضع المعدّات الكبيرة من ناحية الوزن والحجم في المستوعبات، الا اذا تم تفكيكها مما يجعلها باهظة الكلفة، كما يعمل في هذا الحوض مجموعة متعهدين لديهم المعدّات الأرضيّة وهم كانوا يعملون سابقاً بالمرافئ غير الشرعيّة، فاذا طمر الحوض الرابع، سيتضرّر هؤلاء المتعهدين".

تُثير هذه المعطيات هواجس من نوع مختلف، إذ يُعتبر تطوير مرفأ طرابلس خطوة أساسيّة في تنمية منطقة الشمال وحمايتها من زحف الفقر المستمر. وبالتالي هناك مصلحة وطنية في تطوير هذا المرفأ لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. كما أنّه لا يمكن إقفال الحوض الرابع فذلك يعني اصدار حكم بالإعدام الجماعي على مرفأ بيروت. فمن أصل 10 آلاف شخص يعملون يومياً في المرفأ، فإن 5000 عائلة ستُصاب بشكل مباشر، وآلاف العائلات بشكل غير مباشر من شركات ومكاتب ووكلاء بواخر وعملاء جمارك وأصحاب شاحنات وشركات التموين، والمتاجر على أنواعها لاسيما في المناطق المحيطة من البسطا للدورة وبرج حمود.

فهل يمرّ المخطط الذي يضرب قلب لبنان الإقتصادي؟