تضج الساحة اللبنانية بالأصوات التي تشكو من دور النازحين السوريين في تفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث يأوي لبنان أكثر من مليون ونصف نازح سوري مما بات يضغط على الوضع الاجتماعي والأمني الداخلي ويثقل كاهل الاقتصاد والبنى التحتية والخدمات، وخاصة في ظل عجز الحكومة اللبنانية عن تحمل أعباء النزوح وعدم إيفاء الجهات الدولية المانحة بالتزاماتها تجاه هؤلاء النازحين الذين يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة. يبلغ عدد النازحين والوافدين المختلفين ما يزيد على 1/3 سكّان لبنان. ينتشر 63 في المئة من النازحين في شمال لبنان والبقاع، وهي مناطق الفقر التقليدية. 

صندوق النقد الدولي حذّر من الآثار الاجتماعية والاقتصادية للنزوح السوري إلى لبنان. فقد زاد أعداد الفقراء في لبنان من جرّاء هذه الأزمة ممَّن يعيشون بأقلّ من 4 دولار في اليوم. وقد تراجعت الخدمات في لبنان وتزايدت نسبة الفقر في صفوف اللاجئين السوريين لتصل إلى 76%. كما أنّ السجون اللبنانيّة أصبحت مكتظّة، وبدورهم، يقضي القضاة وقتاً طويلاً لمعالجة قضايا النازحين.وارتفعت إيجارات المنازل بين 50 و100 في المئة، وأسعار السلع الأساسية. وتدنّى مستوى إدارة النفايات الصلبة وخدمات البلديات بشكل واضح وملحوظ نتيجة الارتفاع الحاد والمفاجئ في الطلب على هذه الخدمات واستخدامها من اللاجئين.وفيما يلي بعض من انعكاساته:

على الاقتصاد

تقدّر كلفة النزوح السوري على لبنان بحوالي 20 مليار دولار منذ بدء الحرب. وفي التقرير الذي أعدّه البنك الدوليبالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، قدّر الخسائر المترتّبة على الاقتصاد اللبناني من جراء الحرب في سوريا وتدفّق اللاجئين إلى الأراضي اللبنانية، بما يقارب الـ 7,5 مليارات دولار، وذلك للفترة الممتدة بين 2011 و 2014 ، وخسارة الموازنة 5.1 مليارمنها: 1.1 مليار كلفة خدمات صحية وتعليمية وإعانات أخرى للاجئين، و2.5 مليار زيادة في استثمار رأس المال الثابت للمحافظة على مستوى الخدمات كما كانت في 2011، و1.5 مليار نقص في عائدات الحكومة الناتجة من ضعف الاقتصاد اللبناني. وأكّد البنك أن كثيراً من آثار الأزمة السورية وتدفق النازحين سيظهر على الاقتصاد اللبناني في الأمد الطويل. وقد بلغت المساعدات الدولية للنازحين خلال سنوات 2011 – 2015 حوالى3.2 مليار دولار ما يمثـل أقـــل مـــن 50 % من احتياجاتهم.

 
وفي تقرير للبنك الدولي أظهر أن لبنان يحتاج إلى 2.85 مليار دولار لاستيعاب النازحين ولإعادة الخدمات لمستوى عام 2011. منها: 159 ميون دولار من اجل متابعة الامراض المزمنة والمستعصية،54 مليون دولار لترميم المدارس وتجهيزها وتحسين مستوى التعليم، 31 مليون لتوفير فرص عمل للأحداث ووضع مشاريع بنى تحتية، 190 مليون دولار لمعالجة النفايات الصلبة. وتؤكد أوساط المؤسسات الإغاثية أن وجود 50% من العائلات النازحة هدفها فقط الاستفادة من المساعدات.

على سوق العمل والبطالة

يعمـّـق تدفق النازحين السوريين الخلل في العرض والطلب في سوق العمل، إذ يزيد العرض بنسبة 50 % ، فضلاً عن أنّ عدد العاملين السوريين الذين تفوق اعمارهم 15 سنة، أي في سنّ العمل، يبلغ حوالى 930 الف نسمـة ( 62 % من اجمالي النازحين ) ومنهم يشكل عدد النازحين السوريين الناشطين حوالى 450 الف نسمة ويمثلون نسبة 31 % من اجمالي النازحين السوريين في لبنان. يعملُ في قطاعِ البناءِ والبُنى التحتيّةِ نحو 350 ألف عامل سوري. ويشتغل في قطاعِ الزراعة نحو 404 آلاف عامل سوري.نسبة البطالة في لبنان عام 2012 كانت 27 في المئة، عام 2013 ارتفعت نسبة البطالة الى 31 في المئة، وقد سجلت ضمنها أيضاً أعلى نسبة بطالة في صفوف الشباب لتبلغ 60 في المئة للأعمار التي تتراوح بين 20 و30 سنة. اللافت أنه في مقابل 440 ألف لبناني عاطل عن العمل عام 2013، كان هناك 480 ألف يد عاملة سورية في لبنان من صفوف الشباب جاهزة للعمل في لبنان، بما معناه انّ الـ 480 الف سوري الباحثين عن عمل يمكن بسهولة أن يحلّوا مكان 440 الف لبناني عاطلين عن العمل. هذا ويبلغ الراتب للنازح السوريّ بنسبة 50% أقلّ من الحدّ الأدنى للراتب اللّبنانيّ. وارتفعت البطالة في العام 2017 حيث تعدت نسبتها نحو36% من القوى العاملة في حين أنها تبلغ 42% للفئة العمرية التي تتراوح بين 18 و24 عاماً.

على التعليم

يقدّر البنك الدولي وجود 240 ألف طالب سوري في المدارس الحكومية اللبنانية وهو أكثر من ثلثي عدد الطلاب اللبنانيين. وعموماً يعتبر الوضع في مجال التعليم أفضل منه في مجال الرعاية الصحية بسبب مساعدات المانحين ووجود طاقة استيعابية فائضة. وتقول دراسة البنك الدولي إن الأضرار التي لحقت بالقطاع التربوي هي 350 مليون دولار.

على الصحة

الانفاق الصحي يتعرض لضغوط وزيادة الطلب على الخدمات الصحية، ولاسيما أنّ أكثر من 75 % من النازحين السوريين هم من النساء والاطفال. إن زيادة الطلب على الخدمات الصحية قد أدّى الى استنزاف القطاع الصحي، وازدياد المستحقات غير المدفوعة إلى المستشفيات، والنقص في عدد العمال الصحيين، وازدياد حاد في الأمراض المعدية. وقد ازداد خطر انتشار الامراض المعدية والأوبئة بسبب ازدياد حالات الاكتظاظ السكّاني للّاجئين. وازداد الضغط على المستشفيات والمرافق الصحّية، بحيث يستعمل 40 في المئة من النازحين السوريين المرافق الصحّية.وازداد حجم النفايات بنحو الربع. بحسب البنك الدولي بلغت النفقات الصحية للنازحين السوريين خلال سنوات2011 – 2014 حوالـــــى 0.4 % من الناتج أي ما يعادل 210 مليون دولار. وزاد الانفاق في الصرف الصحّي بنسبة 40%.

على الكهرباء

يستهلك النازحون يومياً بحدود 5 ساعات تغذية يومياً، وتصل تكلفة الميغاوات التي يستهلكونها إضافة إلى ساعات القطع إلى حوالي 333 مليون دولار في السنة. وزاد استهلاك الكهرباء بحيث أصبح لبنان يستهلك 486 ميغاواط اضافيّة من الكهرباء. وتكمن المشكلة الأكبر في التعديات على الشبكة.

بعض الإيجابيات

يشير البنك الدولي إلى ارتفاع تحويلات الأموال إلى لبنان في السنوات الماضية، لتصل في العام الماضي إلى نحو 8.9 مليار دولار، وعزا ذلك إلى ارتفاع التحويلات المرسلة إلى اللاجئين السوريين في لبنان من ذويهم في الخارج، إضافة إلى تحويلات اللبنانيين المغتربين. وكذلك يعمل السوريون في بعض المجالات التي يعزف اللبنانيون عن العمل فيها. ويؤكد أصحاب المتاجر أن المبيعات ارتفعت بشكل ملحوظ مع تزايد النزوح السوري، وخصوصاً مع تخصيص الأمم المتحدة لبطاقات “إعاشة” تمكن النازح من شراء المواد الاستهلاكية مما زاد من الانفاق الاستهلاكي، الأمر الذي ارتفع الطلب فيه إلى مستويات قياسية.

إن النزوح السوري وإن كان له تداعيات سلبية، إلا أنه من الخطأ العلمي أن نربط انهيار الاقتصاد اللبناني بسبب أزمة النزوح، فهذا الربط من قبل بعض الأطراف السياسية له خلفيات سياسية وربما طائفية بعيدة كل البعد عن المنطق العلمي والنظرية الاقتصادية. هذا الانهيار الاقتصادي للبنان وإن حدث فهو نتيجة تراكمات بدأت منذ العام 1992 ولم تنتهي فصولها إلى الآن، وما النزوح السوري إلا عامل صغير جداً وثانوي في حلقة الضغوطات على الاقتصاد اللبناني.