استبشر اللبنانيون خيراً بتشكيل #الحكومة اللبنانية، آملين في عودة الانتظام إلى الحياة العامة، وتحفيز الماكينات الاقتصادية وضخّ الحياة في الدورة الاقتصادية، لما يمثله الاستقرار الأمني والسياسي من عنصر جذب اقتصادي مهم، وتوفير بيئة مريحة للمال والأعمال. وقد تجلّى ذلك بوضوح في الأسواق المالية وانحفاض حدّة الضغط على الليرة اللبنانية. وتعدّ مدينة طرابلس ـــ وهي عاصمة لبنان الثانية والمقترحة أن تكون عاصمته الاقتصادية ـــ من أكثر المدن تضرّراً جراء الأحداث الأليمة التي عصفت بها. فحقّ لها أن تصنّف المدينة الأفقر على ساحل البحر المتوسط بحسب البنك الدولي. وإن كانت جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تظهر لنا خطورة الواقع في طرابلس ( تطرقت إليه في مقالة سابقة). إلا أن الحديث اليوم يجب أن يكون عن الإيجابيات، وخصواصاً مع انطلاقة حكومة "إلى العمل". فالمدينة تمتلك من المقدرات والكوامن التي لا تحفّز الاقتصاد في طرابلس فحسب، بل الاقتصاد اللبناني بأكمله، وبالتالي تحقيق النمو المتوازن. هذه المقدرات والكوامن تتمثل في الآتي:

- منصّة لإعمار #سوريا: وفقاً لتقرير "البنك الدولي" الصادر في تموز 2017، بعنوان "خسائر الحرب: التبعات الاقتصادية والاجتماعية للصراع في سوريا"، تكبّد الاقتصاد السوري خسائر تحتاج إلى ما يقرب من 300 مليار دولار لإعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً. وهناك شبه إجماع على الدور المحوري للبنان في إعادة الإعمار وخاصة طرابلس والشمال، حيث توافد العام المنصرم ممثلو البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وهيئات المجتمع الدولي إلى طرابلس، لمعاينة مؤهلات المدينة عن كثب. وتسعى الصين لنيل حصة الأسد في استثمارات إعادة الإعمار وهي تضع لبنان في مكان استراتيجي لناحية إعادة الإعمار.

- مرفأ #طرابلس: كل الدلائل تشير إلى الدور المحوري لمرفأ طرابلس في المرحلة المقبلة وخصوصاً في إعادة إعمار سوريا. وتمثَل ذلك في استقبال المرفأ أضخم سفينة منذ نشأته في العام 1952، وهي باخرة الحاويات الصينية nerval التابعة لشركة CMA CGM الصينية. وقد كشفت صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية في 2 شباط 2019 عن تقرير حول أهمية مرفأ طرابلس الواقع شمالي لبنان في إعادة إعمار سوريا، وأشارت إلى الاهتمام الصيني بهذا المرفأ الذي سيقوم بمهمة أساسية خلال البدء بمشاريع إعمار سوريا من قبل الصين. وفيما أكدت الصحيفة أن الشركات الصينية أبرمت عقوداً "مغرية" في مرفأ طرابلس، بينها ما يُقدر بـ58 مليون دولار، بيّنت أن الاستثمارات الصينية توقفت عند هذا الحد، وأن مقترح توسيع المرفأ عالق في ظل الأزمة الحكومية السابقة. وكانت الصين قد أرسلت العام الماضي ست رافعات جديدة لتوسيع وتعميق ميناء طرابلس. ويستقبل المرفأ حالياً 2 مليوني طن من البضائع، ولديه قدرة استيعابية 60% لم يتم استغلالها إلى الآن. ومع تدشين الخط البحري المباشر لشركة CMA CGM من الصين إلى مرفأ طرابلس، بالإضافة إلى الخط البحري المتوسطي المشترك بين شركتي MCL وhopaq lyod’s، بالترافق مع استعداد شركات بحرية عالمية أخرى لتسيير رحلات إلى مرفأ طرابلس، تتوقع إدارة مرفأ طرابلس أن يصل حجم حركة الحاويات في مرفأ طرابلس خلال العام 2019 إلى 200 ألف حاوية. وقد تضاعفت مداخيل المرفأ ثلاث مرات، ويجري تخصيص هذه المداخيل لأعمال تحديث وتطوير المرفأ ومنشآته.

- المدينة الاقتصادية الخاصة: أقرت الحكومة في حزيران 2005 مشروع قانون إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس، لكن قانون إنشاء المنطقة لم يقر إلا في شهر أيلول 2008 مع صدور القانون رقم 18 تاريخ 5 أيلول. يهدف إنشاء المنطقة الاقتصادية في طرابلس والتي تقع بمحاذاة مرفأ طرابلس، إلى إقامة مشاريع استثمارية في المنطقة الاقتصادية تتعاطى أعمال التجارة والصناعة والخدمات والتخزين وغيرها من النشاطات والمشاريع الاستثمارية ما عدا الخدمات السياحية، ويعفى المشروع الاستثماري الذي ينفذ في هذه المنطقة من العديد من الضرائب والرسوم. تشكّل المنطقة مدخلاً مهماً لتنشيط الحركة الاقتصادية في الشمال عموماً وتوفير الآلاف من فرص العمل للشباب العاطل عن العمل. حيث من المتوقع أن تساهم في توفير أكثر من 6000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

- معرض رشيد كرامي الدولي: يعتبر من التحف المعمارية للمهندس البرازيلي الشهير أوسكار نيماير. مساحة المعرض حوالي مليوني متر مربع، عليها ما يقارب 120 ألف متر مربع من المساحات المبنية. حين تمّ بناء المعرض في الستينيات كانت الأرقام تشير إلى أنّه سيخلق أربعة آلاف فرصة عمل بالمدينة. وقد أعلنت منظمة اليونيسكو في أيلول 2018 "معرض رشيد كرامي الدولي" تراثاً عالمياً. وكان قد أدرج لأهميته الهندسية والتاريخية على لائحة الصندوق الدولي للمواقع التراثية والهندسية العالمية لسنتي 2005 و2006 . وتظهر أهمية المعرض في الهدف الذي أنشئ من أجله وهو عرض صورة حقيقية عن واقع لبنان الاقتصادي في ميادين التجارة والصناعة والزراعة والخدمات، وإظهار مميزات لبنان، وإفساح المجال أمام المنتجين والمصدرين والمستوردين من اللبنانيين والعرب والأجانب للاتصال المباشر، عبر جعله ملتقى الأعمال والمعارض الرائدة في لبنان من طرابلس، ومنصّة تستقطب أبرز الشركات والمؤسسات الفاعلة لبنانياً وعالمياً في مختلف القطاعات الاقتصادية.

- المعالم الأثرية والدينية: في طرابلس العديد من الأحياء والأبنية التاريخية والتراثية والأماكن الدينية. وكانت قد أحصت بلدية طرابلس عدد الآثار الموجودة في المدينة، فتبين وجود أكثر من 200 أثر جميعها في غاية الأهمية، مع الإشارة إلى أن المدينة تمكنت من أن تتصدر المرتبة الأولى من حيث الثروة التراثية، والمرتبة الثانية من ناحية الآثار المملوكية. هذا وتعتبر هذه المدينة مجمعاً للآثار الرومانية والبيزنطية والفاطمية والعثمانية والصليبية. لذلك على وزارة السياحة أن تدرج طرابلس من ضمن خططها لتشجيع السياحة الدينية، والتي تساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية فيها.

- تفعيل حركة الأسواق التجارية: تمتاز طرابلس بأسواق وخانات قلّ نظيرها في الداخل اللبناني. وتشتهر أسواق طرابلس بمجموعة من الأسواق المتنوعة ومنها: سوق النحاسين وسوق الصاغة وكذلك سوق البازركان. وتضم الأسواق أيضاً مجموعة من الخانات، ومنها: خان الصابون وخان العسكر وخان الخياطين. وجميعها تعاني من ضعف الحركة التجارية لغياب المتسوّقين من داخل طرابلس وخارجها. ولعل زحمة السير الخانقة وترهّل البنى التحتية وتراجع مستوى الخدمات العامة هي من أهم أسبابها. ويتجنّب جميع سكان المناطق الأخرى من المجيء إلى طرابلس بسبب زحمة السير الخانقة على مداخل المدينة وفي أحيائها. إن لتوفير البنى التحتية القوية دوراً فعالاً في ازدهار وتطوير الحركة الاقتصادية في طرابلس، حيث تعتبر من الضرورات اللازمة للنمو الاقتصادي وعاملاً جاذباً للشركات والاستثمارات وأيضاً للحركة التجارية والسياحة الداخلية، وتساهم في توفير فرص عمل.

- مطار رينيه معوض ( القليعات): يعتبر المطار من حيث الموقع ولجهة هبوط وإقلاع الطائرات الأفضل في المنطقة، ومدرّجاته مؤهلة لاستقبال شتى أنواع الطائرات، فهو يقع على تقاطع طرقات برية دولية، ولا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن الحدود اللبنانية - السورية (5 كيلومترات)، ما يساعد على إمكانية إنشاء معبر حدودي مخصص للشاحنات الناقلة للبضائع بين لبنان وسوريا، وعبرها إلى مختلف الدول العربية، فور انتهاء الأزمة السورية. ومن الدراسات الموضوعة لإعادة تأهيل المطار، تم لحظ إنشاء منطقة حرة إلى جواره على مساحة قدرها 500 ألف متر مربع تنشأ على مرحلتين أو أكثر. هذه المنطقة سوف تستقطب نشاطات على صعد التجارة والصناعة والخدمات. كما أن قرب المطار من أماكن سياحية وأثرية وطبيعية يحقق فرصة كبرى لإنعاش المنطقة من الوجهة الاقتصادية، وعلى الصعد كافة، لا سيما أنه يمكن أن يخلق 6 آلاف فرصة عمل في السنة الأولى لانطلاقته وصولاً إلى 21 ألف فرصة فور إتمامه، وفق الدراسات التي كانت موضوعة سابقاً، والتي للأسف لا تزال طيّ الأدراج.

- محطة القطار: إن إعادة تأهيل سكة الحديد وخاصة الخط الذي يقع بين طرابلس والحدود السورية والذي يبلغ طولها حوالي 40 كلم وبكلفة زهيدة جداً، من شأنه أن يسمح لتجارة الترانزيت الوصول إلى مرفأ طرابلس ومنه عبر سكة الحديد إلى سوريا، وبالتالي سيتم ربط طرابلس ولبنان بالدول المجاورة والعالم، وتنشيط الحركة التجارية.

كما أن طرابلس تتميّز بالمأكولات الطيّبة والحلويات الشهيّة، ما يجعلها مركز جذب مهماً للسياحة. وتستطيع محطة دير عمار والتي تنتج 450 ميغاوات أن تمدّ حاجة طرابلس والشمال 24/24 ـــ والتي لا تتجاوز 350 ميغاوات ـــ ما يساهم في خفض كلفة الإنتاج وزيادة التنافس بين الشركات والمؤسسات الإنتاجية فيها.