«ماتياس إينار» كاتب فرنسي توغّل في وجع الأوطان العربية، وصبابات الفكر التائه، وضباب الخريف المتنقّل شرقاً وغرباً. وقد اختار المغرب وتحديداً مدينة «طنجة»، ساحة لروايته «شارع اللصوص» التي تأرجح السرد بينها وبين مدينة «برشلونة»، وهي أصلاً المدينة التي استقرّ فيها الراوي منذ عام 2000.
 

بطل الرواية يدعى «الأخضر»، وهو المحرّك الأساسي لمداخل الأحداث، التي تتلوّن من التسريع في التواتر الصوتي للحكاية، إلى إلقاء الضوء على عمليات الإرهاب الفظيعة التي حشدت لها الأموال والعقول المغسولة في العالم كله، وخصوصاً في العالم العربي من قِبَل منظّمات تدّعي الإنتماء إلى الدين والفقه.

الكبت الجسدي


الأخضر شابٌ يعاني من الكبت الجسدي كسائر الشبّان العرب، يهوى قراءة القصص البوليسية والتجوّل حالِماً مع صديقه بسّام. يقع في المحظور وهو لم يبلغ السابعة عشرة من عمره بعد، ويتورّط في علاقة جسدية مع ابنة عمه مريم، ويكتشف والده الأمر فيقوم بتعنيفه وطرده من المنزل. يهيم على وجهه في الأزقة والشوارع تائهاً شريداً، يقتات من الفتات ويتسوّل العطف ويرقد مع الفئة المشوّهة من المجتمع من العاطلين والمدمنين والمنبوذين.

يعود إلى طنجة بعد سنتين ويقابل صديقه الحميم بسام، فيقترح عليه العمل في مكتب لجمعية تدعى «الجماعة الإسلامية لنشر الفكر القرآني»، حيث ينام ويأكل ويحصل على راتبٍ لا بأس به.

وقد تفاجأ بعد شهور من العمل بأنّ الشيخ نور الدين، وهو المسؤول عن المركز، قد بدأ بعمليات من الشغب والضرب حيث تقوم جماعته مع صديقه بسام بمداهمة المحلّات بعد أن يوسعوا أصحابها ضرباً لعدم التزامهم بالصلاة.

مهنة الإبحار


ثم يذهل بعد أن يعرف من صديقته جوديت الإسبانية التي تعرّف إليها خلال زيارة لها إلى طنجة، وذهبت لزيارة مدينة مراكش بأنّ عملية تفجيرية إرهابية قد تمّت هناك، وكان واضحاً بأنّ صديقه بسام متورّط فيها بعد أن لمحته قرب المقهى الذي جرى فيه التفجير.

يفرّ بسام مع الشيخ نور الدين من المركز الإسلامي ويتركانه فارغاً، وهنا يبدأ الأخضر رحلة التنقل بين عمل وآخر، إلى أن يعرف مهنة الإبحار في سفينة تنقل البضائع إلى اسبانيا ويقوم هناك بالعمل في مخزن لحفظ جثث الموتى، ويفرّ هارباً بعد انتحار ربّ عمله، ويصل إلى مدينة برشلونة فتتنصّل منه جوديت ويخال بأنّها وقعت في غرام شابٍ آخر، ولكنها تخفي عنه حقيقة مرضها ليكتشف الأمر في النهاية ويقف إلى جانبها.

تنتهي الرواية بطعنه لصديقه بسام بسكين حاد، بعد قدومه إلى برشلونة لتنفيذ مخطط إرهابي، وذلك لإنقاذ أرواحٍ أخرى، ويودع السجن... وهنا يصل الكاتب ببطله إلى مجابهة سياسة العنف بعنفٍ آخر.

الملل


في الرواية استنجاد برحلة ابن بطوطة مع مقارنة مجازية، والتلويح بأوراق رواية «الخبز الحافي» لكاتبها محمد شكري كشهادة حيّة على الوجع العربي المستوطن في النفوس الضعيفة، التي ملّت من الجذب الدولي الذي يبني هيكله على طمع وجشع.

السرد الحشوي الفضفاض يتجلّى مليّاً في صفحاتٍ كثيرة ووصف مبالغ فيه، كان من الممكن أن يتفاداه الكاتب، ويلجأ إلى «السرد المُكتفي بذاته»، وهو بمثابة معيار لفنون السرد الأخرى، وهذا مأخذٌ جوهري على الرواية، لأنّ الملل قد يتسرّب إلى ذهن المتلقّي قبل بصره، ولا يضيف للتركيب التحليلي أي فائدة.

التشريح الميثيولوجي كان خافتاً، يخفي الكثير من الدلالات الهامة التي كان يجب على الكاتب أن يسلّط عليها الضوء، فمعالم الحضارة العربية والغربية على حدّ سواء، في مدينتي طنجة وبرشلونة غير واضحة ومتكاملة، والرحلة التي يجب على القارئ أن يسير فيها مع بطل الرواية تصطخب بالتأويلات والتهويلات، والحشو المركّز، وتأتي النهاية على حين غرّة غير موازية للحبكة ولا تحمل المُبتغى المتوهّج بين ثناياها فلم توسّع في أفق الرواية.

ماتياس كاتبٌ غربي حاول أن يدمج شارعين أحدهما شرقي وآخر غربي في رواية سمّاها «شارع اللصوص»، وضمن إطارٍ موحّد ليوجز معاناة الشرق التي تعدّت حدودها ووصلت إلى الغرب، فنجح في توظيف بداية شيّقة لحكايته، ولكنه خذلنا باستطالته للأحداث وتهميشه للتنوير الروائي في إدارة حوار هادف والتقليل من الوصف اللامتناهي وفقر في التنويع المونولوجي للأصوات، والتشتّت اللاإرادي للنهاية.