ماذا عن وزن لبنان في معركة الأوزان والأحجام، وسط القلق من أن يخف وزن البلد بمقدار ما تتضخم أوزان الزعامات؟
 

عندما يدعو رئيس التيار الوطني الحر الرئيس المكلف تشكيل الحكومة إلى اعتماد نتائج الانتخابات النيابية المعيار الوحيد للحصص في الحكومة العتيدة، تراه في مكان آخر، يعمل بعكس ما يدعو إليه.

مجريات تشكيل الحكومة ليست بالضرورة محكومة  لمجرد عملية حسابية بسيطة مبنية على نسب الأوزان والأحجام النيابية. وما جرى تصويره باعتباره مخرجاً للحل تبين في سياق عملية التأليف على أنه عقدة اساسية من عُقد الأزمة. فلا معيار الأوزان والأحجام حال دون ظهور عقد مستعصية فشلت المشاورات على كل المستويات ومع الجميع في حلحلتها، ولا هو، اذا طال التعقيد في منأى عن الاصطدام بأسئلة محرجة كانت خارج مدار البحث. 

ومنها على سبيل المثال، ماذا لو أعاد الثنائي الشيعي حساباته،إلى مطالبته بحصة أكبر من التي قبل بها،6 وزراء،على أساس تطبيق معيار النسبية والأحجام تعطيه الحق في عدد أكبر؟ 

ماذا لو علت أصوات أخرى تطالب بالتوسّع في تطبيق قاعدة النسبية في الأوزان والأحجام من داخل الطوائف والمذاهب مسيحيين ومسلمين كطائفتين؟ أليس في ذلك إبتعاداً عن ركن مهمّ وأساسي  في اتفاق الطائف وهو المناصفة بين الطائفتين من دون النظر الى العدد، والتطور الديموغرافي؟ وماذا عن وزن لبنان في معركة الأوزان والأحجام، وسط القلق من أن يخف وزن البلد بمقدار ما تتضخم أوزان الزعامات؟ 

إقرأ أيضًا: 

على أي حال، فإن معاودة السجالات والمعارك بين الحلفاء والخصوم بعد كل محاولة للتهدئة ليست خطوة من فراغ ومن دون قصد أو تخطيط. والانطباع السائد هو أن العقد المسيحية والدرزية والسنية الظاهرة مرتبطة، الى جانب أسبابها، بسبب أكبر تختصره عقدتان: واحدة هي حسابات الانتقال للمرة الأولى منذ الطائف الى حكومة لها موازينها تسمّى حكومة العهد. وأخرى هي رهانات على انتصارات محور الممانعة والمقاومة في اليمن والعراق وسوريا وحصوله على 74 نائبًا في لبنان على حد قول قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، وبالتالي تأليف حكومة تكرّس الانتصارات وتواكب التحوّلات في المرحلة الآتية وتكون نوعا من حكومة الممانعة والمقاومة. واكثر من ذلك ان الذين تكيفوا مع مقولة حكومة العهد الأولى يرون انهم يصطدمون بطموحات لتشكيل حكومة عهدين، أي حكومة تخدم عهدا وتمهّد لعهد آخر. 

أمر مستغرب. وكأن عهد الرئيس القوي هو عهد انتقالي وكأن الانتصار الظاهر لمحور اقليمي كرّس نهاية التاريخ في المنطقة، فلا تطورات ولا رمال متحرّكة ولا متغيرا وتحولات وكأنه يبدو أنه لا دور للروس سوى خدمة محور الممانعة، ولا مندوحة من تكريس و تثبيت الانتصار الاقليمي بحكومة ما في لبنان. 

واذا صحّ ان العقد داخلية، ولا عقدة خارجية، كما قال الرئيس المكلف سعد الحريري وسواه من المعنيين، فان هذا حكم بالفشل على التركيبة السياسية العاجزة حتى عن تأليف حكومة قبل الحديث عن معالجة قضايا الناس. لا بل حكم بالفشل على النظام وما أبعد التغيير، فالرئيس المكلّف، يرى نفسَه في زمن الحكومة الجاري تأليفُها، غيرَ ما كان عليه في زمن الحكومة السابقة التي انتهت صلاحيتها وطويت مع كلّ الوضع السياسي الذي ساد خلال السنتين الماضيتين، وطبعاً انتهت مع كلّ التفاهمات السرّية والعلنية و "التسويات الكبرى"، التي طويَت مع الانتخابات النيابية، وبالتالي لا يريد، بل لا يقبل بحكومة يبدو فيها محجّماً، وإنّما يريد حكومةً له وليست لغيره، حكومة يَحكمها لا حكومة يُحكَم فيها. 

خلاصة الكلام أنه في ظلّ هذه "المعركة الوجودية" المستمرّة والتي تدور بعقلية متصلّبة، تبقى بلوَرةُ المخارج بعيدةً عن متناول اليد، إلّا إذا وَجد أطراف الطبقة السياسية أنفسَهم أمام لحظة التنازل وتخفيض السقوف.