عاش جيلنا والأجيال التي سبقته في المنطقة العربية باحثين عن جواب لسؤال التغيير في مجتمعاتهم وطريقة حدوثه، بصفته طموحا مشروعا ياملون المساهمة في تحقيقه وبلوغه، وهو من المؤكد لايزال احد الأسئلة الملحة لدى الأجيال الشابة في هذه المرحلة ايضا.

مرت المنطقة العربية بتجارب عديدة اتخذت أشكالا متنوعة للتغيير من واقعها، بعضها جاء فوقيا من الأعلى واُخرى جاءت تحتية من المجتمعات او من النخب سواء كانت ثقافية او عسكرية او دينية. ولكن من الواضح ان معظم هذه التجارب لا تزال لم تحقق النجاح المطلوب بل وسببت احيانا تراجعا كبيرا للخلف كما حدث مع نتائج احداث الربيع العربي عام ٢٠١١.

السؤال كما أشرنا مشروع في اصله لانه عبارة عن رغبة لمعالجة أنماط الخلل التي جعلت من دول هذه المنطقة في اخر ركب التنمية والتقدم والحضارة، وانعكس ذلك على حالة من الاحباط والتعثر في القدرة على تحريك طاقات أبناء هذه المجتمعات من الشباب والشابات، وتفعيل ادوارهم.

تتعدد الاطروحات والمبادرات للإستجابة على هذا التحدي العميق، وتتخذ احيانا أشكالا من العنف والمواقف الحادة من المجتمع وتحت شعارات مختلفة ورغبة في التغيير السريع جدا. وهذا النوع من التغيير كما كشفت التجارب يقود الى الانتقال من حالة سلبية الى اخرى دون إنضاج التجربة والبناء على المنجزات التي تم تحقيقها.

المهم في اَي عملية تغيير في المجتمعات العربية، هو وجود ديناميكية وحركية مستدامة نحو التحول للافضل تتجاوب مع وضع كل مجتمع واحتياجاته وتطلعاته، ولا تتأخر عن هذه التطلعات لئلا يتراكم الاحباط ويتعمق اليأس. وهناك قضايا أساسية في كل مجتمع ينبغي الالتفات اليها ووضعها كاولويات نحو التغيير وخاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية كالبطالة والعدالة والمشاركة وغيرها.

ما ينبغي فعله ايضا هو الوقوف امام حالات التطرّف أيا كان شكلها ومصدرها، فهي تدعي انها تقدم حلولا جاهزة وحاسمة وسريعة للتغيير ومعالجة الازمات، الا انها اثبتت انها عكس ذلك وتقود الى المزيد من التوتر والصراعات وبالتالي تأخذ المجتمعات نحو صراعات متجددة ومتواصلة تهدد كل المكتسبات التي تم بناؤها.

الديناميكية الاجتماعية للتغيير في منطقتنا تستلزم مشاركة فعلية ومخلصة وجادة من مختلف القوى الفاعلة في المجتمع، بحيث تعمل جميعا من خلال النظرة للمصالح الوطنية العليا وليس الفئوية الضيقة. وينبغي ان تكون تفاعلية ومتواصلة دون توقف، تبني على ما تم انجازه من مكتسبات لتحافظ عليها وتنميها. التغيير قدرنا في هذه الحياة، وهو من سننها، ومن يتوقف عن التغيير والحركة تاخذه التيارات الى اتجاهات لا يكون قادرًا على السيطرة عليها او الاستفادة منها، لذا فلابد ان تكون هناك إرادة للتغيير وقيادة واعية ورؤية واضحة تحدد اتجاهات التغيير ومساراته واتجاهاته وانعكاساته.