هل يمكن أن يذهب العهد لتشكيل حكومة أمر واقع، خصوصاً أنّ التأخير ليس من مصلحته بأيّ شكلٍ من الأشكال؟!
 

ما تزال الأجواء السياسية المتصلة بتشكيل الحكومة غير واضجة المعالم مع التطورات الأخيرة، وبروز عقبات جديدة في الربع الساعة الأخير، حيث كان من المقرر إعلان الحكومة يوم الاثنين وقد بات واضحا أن حيثيات الخلافات على أكثر من جهة وجبهة خرجت من كواليس المشاورات إلى العلن.


وفي هذا السياق، نقلت مصادر ما اعتبرته "أجواء امتعاض لدى "حزب الله" لتفرد الوزير باسيل بعملية التأليف، من دون أن يقيم أي اعتبار للحزب، ولو من باب استمزاج الرأي".


وهذا ما عبرت عنه أيضا أوساط مقربة من "حزب الله" لجهة "انزعاجها من الطريقة المتبعة في تأليف الحكومة والأداء في هذا الشأن، حيث يبدو لها أنه يريد التفرد في كل القرارات.


وسط هذه الأجواء، من المتوقع أن تتضح معالم الصورة السياسية في الساعات القليلة المقبلة، لكن من المؤكد أن الخلاف على تقاسم المقاعد في الحكومة ما عاد مقتصرا على الخصوم السياسيين فحسب، لا بل طاول الحلفاء أيضا، في ما يبقى الانتظار الحاضر الأكبر، مع تأكيد الإصرار مرة جديدة في اتجاه تذليل العقبات وسط العديد من التساؤلات، المتوقع أن توجد لها إجابات واضحة في الأيام المقبلة . وفي مجال آخر متصل كشف ديبلوماسيون غربيون لمسؤولين لبنانيين عن تحضيرات اميركية ‏لسلة عقوبات جديدة، قطعت شوطاً كبيراً في الكونغرس، وتطال في جانب ‏أساسي منها "حزب الله"، ووُصفت بـ"غير المسبوقة". وقد تصدر بالتوازي ‏مع سلة عقوبات قاسية على إيران.

واضافت انّ أخطر العواصف تتهدّد الوضع المالي والاقتصادي في لبنان، والمراجع ‏المالية ترفع الصوت وتدقّ ناقوس الخطر وتنقل تحذيراتها الى المراجع ‏الرسمية والسياسية، من انّ البلد مقبل على كارثة اذا ما ظل، كما هو حالياً، ‏فاقداً لعناصر الصمود أمام العاصفة وفي اعتقاد هذه المصادر، ان افرقاء في لبنان يدركون هذا الواقع، لكنهم يفضلون المزايدة السياسية شعبوياً.

وبحسب المعطيات والاجواء السائدة والمتعلقة بالمفاوضات حول التشكيلة الحكومية فإنّ الحريري، الذي لن يشكّل الحكومة هذا الاسبوع، يجهد ويناور ويحاور للحصول على 6 وزراء له فيها، امّا اذا ترك تسمية وزير سنّي لرئيس الجمهورية فسيستبدله معه بتسمية وزير ماروني يكون من حصته "والأرجح انه سيكون مستشاره الوزير غطاس الخوري"، امّا بالنسبة الى مسألة تمثيل سُنّة المعارضة فيبدو انها ليست محسومة حتى الساعة، فالحريري ليس في وارد التخلّي عن مقعد وزاري سني آخر من حصته.

إقرأ أيضًا: هل ينجح الحريري في تذليل آخر العقبات ويعلن حكومته قريبًا؟

وفيما لم يتمكن الحريري حتى الآن من تأليف الحكومة لعوامل داخلية وخارجية، برزت مستجدات مسيحية تتمثّل بموقف لرئيس الجمهورية لا يلبّي تطلعات "القوات" التي عوّلت عليه لإنصافها من حيث حجمها في الحكومة، خصوصاً اذا صحّ ما نقل عن لسان عون بأنّه قيّم حجم التمثيل "القواتي" بـ 3 وزراء فقط، وبذلك لم يُلبّ طموح "القوات" التي راهنت على "دوره" عندما أكدت أنها "واثقة من احترامه للوثيقة الأخوية" وإنصافه لها. وهكذا تخيّم أجواء ضبابية على العلاقة بين "التيار الوطني الحر" و"القوات"، ويسجّل فيها الطرفان بعض المواقف الإعلامية التي تنفي القطيعة لضرورات شعبية، الّا أنّ الحقيقة تكشف الواقع مثلما يكشفه غياب الحوار المباشر حتى الساعة بين الجانبين. وتفيد معلومات بأنّ باسيل ما زال يتواصل فقط مع الحريري في شأن التشكيلة الوزارية المسيحية، ولم يحصل أي لقاء بينه وبين جعجع لإيجاد الحل، وعلى رغم ما حصل من تسريب قبل أسبوع عن لقاء من هذا النوع فإنه لم ينعقد حتى الساعة.


فخلال عطلة نهاية الأسبوع، شهدت مفاوضات تأليف الحكومة "انقلابَين" في المعطيات الإعلاميّة بالحدّ الأدنى. فجأة ومن دون سابق إنذار، قيل إن "انفراجاً" حلّ على الخط، وإنّ الحكومة ستؤلَّف في غضون ساعات، بل نسب البعض إلى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تحديده يوم الأحد موعداً شبه نهائي لولادة الحكومة.


وفجأة أيضاً ومن دون سابق إنذار، عادت الأمور إلى المربّع الأول، ليتبيّن أنّ الأمر لم يكن أكثر من "بالونات إختبار"، بدا أن لا أساس لها، خصوصاً بعدما ظهر أنّ العقد لا تزال على حالها منذ اليوم الأول، من المسيحيّة إلى الدرزيّة فالسنيّة، ولم يطرأ أيّ تعديل ولو طفيف في مواقف المعنيين بها.


وإذا كان هذا الواقع يدفع إلى التساؤل عن مرتكزات التفاؤل غير المفهوم ولا المبرَّر الذي أوحى بقرب الفرج، ثمّة من يطرح أسئلة أكبر من ذلك، إذ هل يمكن أن يذهب "العهد" لتشكيل "حكومة أمر واقع"، خصوصاً أنّ التأخير ليس من مصلحته بأيّ شكلٍ من الأشكال؟!


لا شكّ أنّ تسمية "حكومة الأمر الواقع" ليست محبّذة في القاموس الشعبي اللبناني، ولطالما استُخدِمت فقط لدواعي "التهديد" من جانب رؤساء الحكومات الذين يتمّ تكليفهم عندما يصطدمون بالشروط والشروط المضادة، لدفع الأفرقاء لتقديم التنازلات، وحتى الهدايا، لتسهيل عملية التأليف، إلا أنّ أياً من حكومات ما يسمّى بـ"الوفاق الوطني" أو "الوحدة الوطنية" لم تُعلَن رسمياً إلا بعد مصادقة جميع مكوّناتها على الحصص المعطاة لها شكلاً ومضموناً، أي بمعنى آخر حجماً ونوعاً. لكن، ماذا لو بقيت الشروط المتبادلة قائمة؟ هناك من يستبعد قبول الحريري برؤية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الحكوميّة، ما يوحي حينها إمّا بتمديد عمر التكليف الى زمن غير محدّد، وهذا يصيب العهد في الصميم، وينسف البلد في إقتصاده وحياته، وإما يصار الى اعتذار الحريري عن المتابعة، ليُصار الى تكليف رئيس حكومة جديد، كل الخيارات قائمة، في ظل إجهاض المبادرات، وعدم وجود تنازلات.وهكذا سيبقى موضوع التشكيلة الحكومية مكانك راوح أقله خلال الأسبوعين القادمين هذا إذا ما تمددت حتى إشعار آخر.