خبراء يعتبرونها {انتحاراً سياسياً}
 

اتهم «التيار الوطني الحر»، الرئيس الأميركي دونالد ترمب ودول الغرب، بمعاقبة لبنان اقتصادياً بسبب أزمة النازحين؛ إذ رأى القيادي في «التيار» النائب السابق نبيل نقولا، أن اللبنانيين «باتوا أمام خيارين، إما القبول بالنازحين السوريين في لبنان حتى إيجاد الحل السياسي على الطريقة الفلسطينية مع إغراءات مالية، أو إعادتهم إلى الأماكن الآمنة في سوريا ومساعدتهم في بلدهم». وقال: «هذا ما يعارضه ترمب والغرب عبر معاقبة لبنان اقتصادياً». وتابع: «عليكم الاختيار أيها اللبنانيون».
ويؤشر هذا الموقف إلى أن التيار المحسوب كلياً على رئيس الجمهورية ميشال عون، اختار اللجوء إلى مواجهة سياسية مع الغرب من بوابة النازحين، وما لذلك من تداعيات سلبية على الأوضاع الاقتصادية، والمساعدات التي أقرّت للبنان خلال مؤتمر «سيدر» الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس في شهر أبريل (نيسان) الماضي، والبالغ (11.8 مليار دولار) بين هبات مالية وقروض ميسرة.
ويأتي كلام القيادي في «التيار الوطني الحر»، استكمالاً للحملة التي شنها رئيس «التيار» وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، ضد المنظمات التابعة للأمم المتحدة، عندما أمر بسحب إقاماتهم في لبنان، رداً على ما أسماه «تحريض النازحين على عدم العودة، ومحاولة توطينهم في لبنان».
وأوضح عضو تكتل «لبنان القوي» (كتلة التيار الوطني الحر) النائب ماريو عون، أن «التيار» «يميز بين الدعم الأميركي والغربي للبنان، وبين موقفه الثابت من عودة النازحين إلى سوريا». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «لا يمكن أن يستعيد عافيته مع بقاء هذا الكم من النازحين، ونحن نقارب هذا الملف انطلاقاً من مصلحة لبنان العليا، التي تبقى أولوية لحل باقي الأزمات»، مذكراً بأن «الحكومة اللبنانية هي التي ستعالج هذا الملف وليس (التيار الحر) وحده».
ورغم اللهجة الحادة التي يستخدمها «التيار» في خطابه مع الغرب ومنظمات الأمم المتحدة، شدد النائب ماريو عون على أن «لبنان لن يدخل في تحدٍ مع المجتمع الدولي، المعني بمساعدتنا اقتصادياً من خلال مؤتمر (سيدر) وغيره»، معتبراً أن «المواقف التي تصدر عن بعض السياسيين، تعبر عن وجهة نظر أصحابها، أما السياسة العامة للبلاد فتعود للحكومة اللبنانية مجتمعة». لكن التحذيرات من تداعيات هذا الخطاب على علاقات لبنان، مستمرة. فقد نبّه مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» والخبير الاقتصادي الدكتور سامي نادر، إلى أن لبنان «لا يمتلك مقومات المواجهة الاقتصادية والاستراتيجية للدخول في معركة من الغرب». ورأى أن ذلك «أشبه بعملية انتحار سياسي واقتصادي».
ولا تتوقف الوسيلة الناجعة لإعادة النازحين على القرار اللبناني، وفق تقدير سامي نادر، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «لا يمكنه أن ينظم حملة ضد الغرب على الأرض بذريعة إعادة النازحين، وهو يعلم أن الطريق الوحيدة لإعادتهم تكمن بالتحدث مع الروس الذين يمتلكون القرار السياسي في سوريا»، معتبراً أن «العودة لن تتحقق إلا ضمن المخطط الروسي - الأميركي، وبالتالي فإن الغرب ليس الطرف المناسب لهذه المعركة».
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون، قال أمام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم الجمعة الماضي «لا نريد أن نموت قبل أن نرى السوريين عائدين إلى بلادهم». وسبق لعون وأعلن أن «الدولة اللبنانية لديها الوسائل الكفيلة بإعادة اللاجئين من خارج الأمم المتحدة»؛ وهو ما رسم علامات استفهام عن الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لإعادتهم من طرف واحد.
ومع غياب أي موقف رسمي من الجانب السوري، عن مدى تجاوبه مع الرغبة اللبنانية، ذكر الدكتور سامي نادر أن «من يمنع عودة النازحين ليس موظفي الأمم المتحدة ولا المجموعة الأوروبية، بل النظام السوري عبر إصداره القانون رقم 10 الذي سلب النازحين ممتلكاتهم، وقطع عليهم كل أمل بالعودة إلى بيوتهم ومناطقهم». وأضاف: «الوقائع تفيد بأن من يضع العقبات أمام عودة اللاجئين هو بشار الأسد ونظامه». ورأى أن «لا وجود لمناطق آمنة في سوريا، إنما مناطق عسكرية تقع تحت سيطرة النظام، وربما للأخير مصلحة بتجنيد الشباب العائدين في الجيش السوري، أو تأهيل بعد المناطق بالسكان، لأسباب أمنية بحيث يصعب على المعارضة قصفها».
وتقاطعت قراءة سامي نادر مع موقف النائب والوزير الأسبق محمد عبد الحميد بيضون، الذي لفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «معركة هذا الفريق تأتي بطلب من بشار الأسد، الذي لا يريد عودة السوريين، بل ينفذ الخطة الإيرانية التي تقضي بتخفيض عدد سُنّة سوريا إلى النصف، أي 10 ملايين بدل 20 مليون مواطن، في مقابل حملة تجنيس شيعة من إيران والعراق وأفغانستان». وأشار إلى أن «ثمة مشكلة تتمثل في حاجة الأسد إلى عائلات فيها شباب جاهزون للتجنيد والقتال في صفوف قواته وميليشياته، من هنا يدفع النظام باتجاه استعادة عائلات غنية بالشباب، وهذه سبب مشكلتهم مع الأوروبيين». وشدد بيضون على أن «الطبقة التي تحكم لبنان، تعمل لخدمة الوصاية الإيرانية؛ وبالتالي لا مشكلة لديها بما يترتب على لبنان من آثار سلبية بسبب هذا الملف».