أثار قرار رئيس بلدية الحدث (جبل لبنان) جورج عون، القاضي بعدم السماح بتأجير أو بيع منازل لمسلمين في منطقته، عاصفة من المواقف الرافضة والمستهجنة لهذا القرار، ووصفه كثيرون بـ«العنصري»؛ لما له من تأثير سلبي على العيش المشترك، في وقت دافع رئيس البلدية بشدّة عن قراره، واعتبره يجسّد روح العيش المشترك، ولقي هذا الموقف تأييداً ضمنياً من سياسيين مسيحيين، وسط انقسام شعبي حاد عبّرت عنه تغريدات المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ودافع رئيس بلدية الحدث عن قراره، وقال في تصريحات: «نحن فخورون بهذا القرار ومستمرون في تطبيقه، وهو يأتي من منطلق الحفاظ على العيش المشترك، والحفاظ على المسيحيين، وانسجاماً مع دعوات البابا فرنسيس لمسيحيي الشرق الأوسط للثبات في أرضهم». وأضاف عون: «كل سنة يطلق بعض الإعلاميين وروّاد مواقع التواصل الاجتماعي حملة ضدنا وضد قرارنا وكأنهم يمسكون علينا ذلة، لكن هذا القرار يحفظ التعايش ويحمي الانتشار الديمغرافي»، مؤكداً أن «سكان الحدث رحبوا بالقرار منذ صدوره».

واستدعى هذا القرار تحرّكاً من وزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن، التي كشفت في تصريح لها، عن أنها طلبت من محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي استدعاء رئيس البلدية والاستماع إليه؛ للتأكد بأن ما نقل عنه هو صحيح. وقالت: «في حال حصل تأكيد (من رئيس البلدية) سنطلب التراجع عن هذا الإجراء غير الدستوري». وشددت على أن «الخطاب الطائفي والمذهبي يتناقض كل التناقض مع العيش المشترك».

ويتعارض هذا القرار مع الدستور اللبناني، الذي نصّ في مقدمته على أن «أرض لبنان هي أرض واحدة لكل اللبنانيين، وكلّ لبناني له الحقّ بالإقامة على أي جزء منها، والتمتع بها في ظلّ سيادة القانون، فلا فرز للشعب اللبناني ولا تجزئة ولا توطين».

ويحظى قرار رئيس بلدية الحدث المحسوب سياسياً على «التيار الوطني الحرّ» بتأييد مسيحي ولا سيما من «التيّار» نفسه، إذ لفت عضو تكتل «لبنان القوي» النائب حكمت ديب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «هناك هجرة داخلية للمسيحيين قائمة منذ أربعة عقود (بداية الحرب الأهلية) تارة تحصل تحت الترهيب، وتارة تحت الإغراءات والترغيب». وقال: «هذا الواقع حتّم علينا إبرام تفاهم سياسي مع (حزب الله)، وكان عرابا التفاهم الرئيس (الجمهورية) ميشال عون و(أمين عام «حزب الله») السيد حسن نصر الله في عام 2006؛ من أجل وقف هذا المسار بالتفاهم والتنسيق بين الطرفين، والحفاظ على العيش المشترك؛ حتى لا تأخذ الأمور مساراً آخر».

وأكد ديب، وهو ابن منطقة الحدث، أن «هناك واقعاً لم يعد مقبولاً». وكشف عن أن «جزءاً من منطقة الحدث، لم يعد فيها وجود مسيحي، وباتت كلّها لطائفة واحدة (الشيعة)». وختم قائلاً: «أهلاً وسهلاً بهم، لكننا نحرص على بقاء أهلنا في أرضهم، ونحن نشكر رئيس البلدية ونؤيد موقفه الهادف إلى حماية التنوع، ولا نضعه في مكان آخر، وهذا لا يلغي تفاهمنا مع جيراننا في التواصل السياسي والاجتماعي والتبادل التجاري».

هاجس التغيير الديمغرافي لا يتوقف على فريق واحد، بل يقض مضاجع أغلبية المسيحيين، حيث أوضح وزير مسيحي سابق لـ«الشرق الأوسط»، أن «الدستور لا يمنع تملّك أو سكن أي لبناني في أي منطقة». لكنه سأل «هل الدولة تطبق القانون في نواحٍ مشابهة؟، ولماذا يجمّدون مراسيم توظيف أشخاص فازوا بامتحانات الكفاءة، بداعي فقدان التوازن الطائفي؟». وتحدّث الوزير السابق عن «خوف حقيقي لدى المسيحيين من تهجير مقنّع»، مستغرباً كيف أن «متر الأرض في منطقة الحدث يقدّر بألف دولار، فيأتي متموّل من الإخوة الشيعة ويدفع ثلاثة آلاف دولار للتملّك، وهذا يثير ريبة مسيحية». وقال: «المسيحي قبل الحرب شيء وبعد الحرب شيء آخر». وأعطى مثالاً بأن «مناطق واسعة في ضاحية بيروت الجنوبية مثل المريجة والليلكي وحارة حريك كانت ذات غالبية مسيحية، وبعد الحرب لم يبقَ فيها مسيحي واحد، وهذا يسري على بلدات في البقاع اللبناني، في وقت لا يستطيع المسيحي التملّك في مناطق الطوائف الإسلامية؛ لأن لا أحد يبيعه، وهذا سبب القلق».