الحياة في لبنان مكلفة، لا بل مكلفة جداً، والتفاوت الطبقي ظاهر بشكل محلوظ، وقد أدّت سنوات الحرب إلى تفاقم هذه الظاهرة، بسبب ما أصاب لبنان من دمار مادّي ومعنوي، ولا شك أن هناك علاقة وثيقة بين الفقر والبطالة التي بلغت في آخر إحصاء قام به البنك الدولي 34%، فلا أحد يستطيع أن يغمض عينه وينكر ما يشاهده من مواطنين يقتاتون من مستوعبات النفايات، وآخرين يموتون على أبواب المستشفيات، وأُسر تعيش في المقابر وتحت الجسور وأكواخ من التنك، وهذه المشاهدات تعود جذورها إلى مراحل تسبق الحرب اللبنانية وتكمن في طبيعة النظام السياسي الاقتصادي الذي سمح بوجود تفاوت طبقي، أدّى إلى وصول نسبة الفقراء في لبنان إلى أكثر من 50%، والدولة لا تحرك ساكناً، ولماذا التحرّك، وإذا كان رئيس مجلس الوزراء يتقاضى 17مليون و737 ألف ليرة شهرياً، أما الوزير فراتبه الشهري 12 مليون و 937 ألف ليرة، والنائب يتقاضى 12 مليون و 750 ألف ليرة لبنانية، فراتب نائب واحد هو أكثر من راتب عشرة موظفين، وفي استطلاع على أوضاع بعض العائلات في لبنان، التقيت بالمواطن"ع.هـ"، يعمل في إحدى مشافي لبنان الخاصة، لا يتحاوز معاشه 900 ألف ل.ل، لديه طفلاً وحيداً، يدفع قسطاً شهرياً 185 ألف للمدرسة الخاصة، بإلإضافة إلى 50 ألف لوسيلة النقل إلى المدرسة، ويدفع 300 ألف أجار للشقة السكنية، و100 ألف للكهرباء والمياه، فيبقى معه250 ألف ليرة فقط ،لا تكفي لشراء اللوازم الحياتية الأساسية، فيُنفق ما تبقى من معاشه في 20 الشهر، وعندما سألته ماذا تفعل في بقية أيام الشهر، قال لي:" بيدبّرا الله".
وهذا حال المواطن الذي لديه طفلاً واحداً، فما بالك بالمواطن الذي لديه أكثر من طفل، فهذا المواطن"ح.ش" موظفاً رسمياً، لديه أربعة أطفال، يدفع شهرياً 200 ألف لباص المدرسة الرسمية، و450 ألف أجار منزل، و150 ألف كهرباء ومياه، فيبقى من راتبه 400 ألف ليرة، تنتهي في منتصف الشهر، وعندما سألته ماذا تفعل في بقية الأيام قال: "بتديّن لآخر الشهر".
هذا هو وضع المواطن في ظل شبح غلاء المعيشة الذي يهدّد اللبناني، ويسرق لقمة عيشه من فمه وفم أطفاله، فالمواطن الذي يستنفذ كل مداخيله اليومية والشهرية في قت وجيز دون أن يقدر على توفير كل مسلتزمات معيشته سيكون مضطراً بلا أدنى شك إلى استنباط كل الحيَل والطٌّرُق لتوفير مداخيل إضافية تساعده على تسديد نفقات مستلزماته التي لم تكفِ مداخيله الرسميّة تحمُّلها، فقد ضاق به العيش وغدا الفقر وقوداً للسياسة، وعلى حاجات الناس يعبر المتزعمون...