أميركا ببساطة تستطيع فرض عقوبات إقتصادية ومالية على الشركات الأوروبية ، ما سيُعرقلها عالمياً وقد تذهب نحو الإفلاس
 

كُتب كثيراً عن العلاقة التي تجمع بين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية ، سواء على المستوى الإقتصادي والسياسي .

هذه العلاقة التي يضعها كثر في خانة تبعية أوروبا العمياء لأميركا ، لما للولايات المتحدة من ثقل ودور سياسي وإقتصادي وأمني داخل وخارج الإتحاد الأوروبي .

بعد الحرب العالمية الثانية ، وإنتصار الحلفاء ، واجهت أوروبا مأزقاً حقيقياً في إعادة إعمار دولها بعد الخراب الذي حلّ فيها ، خصوصاً ألمانيا .

تصدّت حينها أميركا للمهمة وأسعفت أوروبا عبر المشروع العملاق " مارشال " الذي أحيا أوروبا عبر المساعدات الأميركية ، وهو مشروع وضعه رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية في الحرب ووزير الخارجية منذ ١٩٤٧ جورج مارشال. 

وما أن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى بدأت الحرب الباردة بين الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية ، وإختارت أوروبا محور أميركا ، بسبب تقارب العوامل الثقافية والسياسية وحتى أسلوب العيش .

وشكّلت حينها أميركا مظلة حماية أمنية وعسكرية لأوروبا أمام الغول السوفياتي ، في إعادة تكرار لوقائع الحرب العالمية الثانية التي أنقذت فيه أميركا الدول الأوروبية من الوحش النازي الألماني .

في هذه الحرب الباردة ، تشكّل " الناتو " كحلف عسكري وأمني متين ، إستطاع بالسياسة والنظرية الإقتصادية والأمن والعسكر إسقاط الإتحاد السوفياتي وإبعاد خطره .

إلى تلك اللحظة التاريخية ، كان واضحاً أن لا أحد يُسعف أوروبا ويحميها سوى أميركا ، رغم التقدم التكنولوجي الذي حصل داخل دول الإتحاد الأوروبي والنهوض والنمو الإقتصاديين اللذين سُجِّلا فيها ، لذلك بقيت أميركا حاجة أمنية ذات وظيفة عسكرية وسياسية وإقتصادية لأوروبا .

 

إقرأ أيضا : حرب رسوم جمركية تهدد التجارة العالمية .. ماذا يحدث؟

 

 

ولعبت عملة أميركا " الدولار " القوية دوراً بارزاً في هيمنة أميركا على بورصات وأسواق العالم ، فاليوم أي تداول للعملات داخل الأسواق الشرعية لا بدّ أن يمر من بورصة نيويورك .

ومع توقيع الإتفاق النووي بين ألمانيا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وأميركا من جهة والجمهورية الإسلامية في إيران من جهة أخرى ، في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ، برز إنقسام في الرأي بين أوروبا وأميركا .

ترسَّخ هذا الإنقسام بعد قرار الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب الإنسحاب من الإتفاق ، فيما أصرّت أوروبا على التمسك به .

وبغضّ النظر عن الحاجات الإقتصادية والمصالح المشتركة بين أوروبا وإيران ، فإن الأولى تتمسك به أيضاً لحاجات أمنية في ظل أزمة النزوح واللجوء إلى أوروبا وإرتفاع منسوب خطر الإرهاب .

وقد إعترف السيد " حسن نصر الله " في مقابلته الأخيرة مع الأستاذ سامي كليب على الميادين بوجود تنسيق أمني بين " حزب الله " وبعض الدول الأوروبية .

لكن ترمب له رأي آخر ، فهو يريد أوروبا معه في إستراتيجيته لتقليم أظافر إيران في الشرق الأوسط ، وهو يرى أن أولى الخطوات لهذا التقليم هو تحسين شروط الإتفاق النووي ، وعندما عجز عن نيل هذه الشروط من الإيراني إنسحب منه .

أوروبا بالمقابل تمسّكت بالإتفاق ، فأمهل ترمب الشركات الأوروبية ٦ أشهر للإنسحاب من إيران وفضّ عقودها هناك ، وبالفعل بدأت بعض الشركات في فعل ذلك كشركة " بيجو ستروين ". 

لماذا ؟

لأن أميركا ببساطة تستطيع فرض عقوبات إقتصادية ومالية على هذه الشركات ، ما سيُعرقلها عالمياً وقد تذهب نحو الإفلاس ، ولأن حجم التبادل التجاري بين إيران وأوروبا لا يتجاوز ال ٢٠ مليار دولار ، فيما يصل إلى مئات المليارات مع أميركا ، الشريك الأول والأساسي للإتحاد ( ٢٠٪؜ من صادرات الإتحاد الأوروبي و ١٥٪؜ من وارداته ).

في اليومين الماضيين ، رفع ترمب الرسوم الجمركية على مواد الصلب والألمنيوم الأوروبية المُصدّرة إلى أميركا ، ما سيرفع سعرها في السوق الأميركي ويُفقدها قيمتها التنافسية ، فجنّ جنون الأوروبيين .

وهذا الإجراء سبقه مُطالبات من ترمب لأوروبا بزيادة حصصها المالية في الناتو وباقي الأحلاف الإقتصادية والسياسية التي تجمعها بأميركا ، فشعار ترمب " أميركا أولاً ".

لذلك ، تعيش أوروبا اليوم في مأزق حقيقي ، فهي لن تستطيع وبلغة الأرقام ومفهوم المصلحة الإقتصادية أن تصمد أمام شروط ترمب ، وهي في الأخير ستختار مصلحتها ، فالإتحاد الأوروبي سيرفع قريبا شعار " أوروبا أولاً " هو الآخر ، وإلاّ فإن مسيرة النمو الإقتصادي ستتأثّر سلباً ، ولن تستطيع لا روسيا ولا الصين أن تُعوّض أوروبا عن الخسارة الأميركية فيما لو حصلت وإذا ما عاندت أوروبا .