أثار فلتان الوضع الأمني فجاة وعلى نحو واسع في مدينة بعلبك وجوارها، أسئلةً عن أسباب طفرة بعض المخلين بالأمن والمطلوبين هذه، وذهب بعضهم إلى حد اعتبار أن المستهدَف منها سياسياً هو بيئة "حزب الله" وجمهوره الواسع، بعد أن حصد مع الحليف "حركة أمل" كل المقاعد الشيعية في المنطقة إثر تعرُّضه لحملة ممنهجة بهدف انتزاع ولو مقعد واحد منها. إلا أن مسار الأمور لم يُوحِ بوجود خلفيات سياسية واضحة وراء الانتهاكات الأمنية، بل دل دلالة جليّة على أن السبب الرئيس في ما يحدث هو التراخي الأمني، وقد عبرت عن هذا كتلة "الوفاء للمقاومة" وحركة "أمل" ونائب المنطقة المستقل اللواء جميل السيد في تصريحات علنية. ومن أسباب انعدام الأمن الأخرى العقليات الثأرية التي لا زالت تتحكم بالكثير من عائلات المنطقة وعشائرها.

وتروي مصادر نيابية في المنطقة، أن المعاناة من الفلتان الأمني ليست مستجدة في بعلبك ومنطقتها، لكنها تجاوزت الحدَّ أخيراً نتيجةَ تجاوز المطلوبين والملاحَقين والمرتكِبين الرقابةَ الأمنية الصارمة، حيث يمكِّن بعض عناصر القوى الأمنية –كما يسمع نواب المنطقة من الأهالي- المطلوبين من الفرار عند كل مداهمة أو دورية والاختباء إلى حين هدوء الأوضاع، ليعودوا بعدها إلى ممارساتهم الشاذة.
وتشدد المصادر النيابية على أن العبث بأمن المنطقة لأسباب سياسية وارد، وقد تمَّ التحسُّب له خلال فترة الانتخابات، ولكنْ لم يحصل ما يعكّر صفو الأمن، بل على العكس، فقد كانت المنطقة هادئة ولم تنفلت الأمور إلا بعد الانتخابات.
وترى المصادر أن المطلوب من القوى العسكرية والأمنية عمل أمني استخباراتي هادئ وفعّال يجتث البؤر التي تعكر صفْوَ الأمن، وأصحابها معروفون بالأسماء، وليس المطلوب مجرد "عراضات" لا تصل بالأهالي إلى هذه النتيجة المطلوبة تحديداً. وتشير هذه المصادر إلى أنه بالتزامن مع العمل الأمني تجب معالجة الأسباب التي تؤدي إلى الأعمال المخلة بالأمن، وهو ما لم يحدث خلال فترات الحكومات الماضية كلها، مثل حالة البطالة المتفشية في شكل واسع جداً، عدا الفساد "المعشعش" في أجهزة الدولة، ما دفع شبان المنطقة إلى أعمال البلطجة والخوات والسرقة، وأحياناً القتل، أضف إلى هذا إهمال قطاعات الإنتاج الزراعية والصناعية، والخدمات الضرورية حياتياً وتربوياً وصحياً.
ومع استبعاد الخلفيات السياسية للأحداث بهدف إحراج حزب الله ودفعه إلى خطوات سلبية، تقول المصادر النيابية إن الناس باتت تطالب بقرار سياسي على أعلى المستويات لمعالجة الفلتان الأمني بسرعة، أسوة بما طُبِّق في طرابلس قبل سنوات، حين تم بقرار سياسي وقف كل الأعمال العسكرية والإرهابية والتخريبية وأعمال الإخلال بالأمن، بأيدي قوى عسكرية وأمنية من بيروت لا من ابناء المنطقة، عملت على ضبط الأمن بقوة وأنهت الأوضاع الشاذة.
وتؤكد المصادر أن القوى السياسية في المنطقة رفعت الغطاء عن كل المخلين بالأمن، وأبلغت القيادات الأمنية والعسكرية بذلك عبر موفدين منها، كما طلبت منها التشدد في فرض الأمن. وعلى رغم أن القرار السياسي كان يؤخر هذا الامر لحسابات كثيرة تتعلق ببعض أركان الحكم وقتها، فقد آن الأوان اليوم لتحزم الحكومة أمرها، وبخاصة بعد موقف رئيس الجمهورية المتمسك ببسط سلطة الدولة وهيبتها، ووعده بمعالجة المسألة.
وتدور حالياً أحاديث حول أنه قد يتم تشكيل وفود من نواب المنطقة وفاعلياتها لزيارة المرجعيات السياسية والرسمية المعنية مجدداً، لمطالبتها بقرار سياسي كبير يعالج المشكلة الأمنية من جذورها، أسوة بطرابلس.