بعد الفوز الكبير في الانتخابات النيابية الذي حققته «القوات اللبنانية»، مخيّبةً آمال ثنائي التسوية «المستقبل» و»التيار الوطني الحر»، بأن ترتاح في نتائجها المتواضعة وتريح في حجمها ومشاركتها في الحكومة، وفي طموحها الرئاسي، تستعدّ «القوات» للمرحلة الجديدة التي ستكون أولى معاركها تشكيل حكومة يشترك فيها الجميع، خلافاً لما أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي لمّح الى تشكيل حكومة أكثرية، وهو ما يرفضه «حزب الله»، وحلفاؤه النيابيون الجدد الذين دخلوا الى مجلس النواب.
 

بين سعي «حزب الله» لإفهام الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل أنّ ثنائيّتهما أسقطتها نتائج الانتخابات قبل أن يسقطها فيتو «حزب الله»، تتحرّك «القوات اللبنانية» وفق معادلة الانفتاح على جميع القوى السياسية، وحماية الانتصار وترجمته، خصوصاً في تشكيل الحكومة، وصيانته استعداداً لأيّ طارئ رئاسي.

مع الحريري سيُعاد تشكيل العلاقة وفقاً لمعادلة أن «لا شيكات على بياض» سيتمّ تقديمُها له بعد الآن، «فكلّ شيء بحسابو والعدس بترابو»، أي انّ المِعبَر لتسمية الحريري لتشكيل الحكومة، هو التفاهم السياسي حول ادارة الحكومة، وعدم تكرار ما حصل في الحكومة السابقة، سواءٌ بالنسبة الى التهاون في موضوع النأي بالنفس، أو بالنسبة لإدارة الملفّات، ومنها ملفّ بواخر الكهرباء على سبيل المثال لا الحصر.

تريد «القوات» اتفاقاً مسبقاً وواضحاً مع الحريري قبل وضع اليد باليد، فهي عانت من حالة الذوبان السياسي بين الحريري وباسيل الذي ترجم في الحكومة السابقة على شكل اتّفاق في كل شيء وضع «القوات» على مقاعد المتفرّجين داخل الحكومة حيث بدت أنها مارست المعارضة من داخل السلطة، وهي اليوم تريد أن تترجم حضورها النيابي والشعبي تمثيلاً عادلاً في الحكومة، ولكن على رغم من كل ذلك تترك «القوات» جانباً أيَّ مطلب واضح سواءٌ بالنسبة الى الوزارات السيادية أو نوعيّة الحقائب للوقت المناسب، علماً أنّ أيّ مشاورات جانبية حول الحكومة المقبلة لم تبدأ بعد.

في موازاة هذا التعديل في ميزان القوى، بعد مضاعفة حجم كتلة «القوات»، تبرز مساعٍ عربية وسعودية تحديداً، لإعادة تركيب تفاهم ثلاثي بين «القوات» و»المستقبل» والنائب وليد جنبلاط، وتنظر المملكة الى ما حققه الحريري من نتائج انتخابية بعين الرضى، ولا تضعه ضمن خانة المفاجآت السلبية، وتعتبر دوائر سعودية أنّ إعادة الوصل بين «المستقبل» و»القوات» ما زال ممكناً، وقد بحث الامر مع الدكتور سمير جعجع، وكذلك مع النائب وليد جنبلاط، والهدف منه تحصين هذه القوى الثلاث، في مواجهة «حزب الله» وحلفائه الذين حققوا نتائج متقدّمة في الانتخابات، خصوصاً على الصعيد السنّي، حيث نال حلفاء «حزب الله» عشر مقاعد نيابية، أي اكثر من ثلث عدد المقاعد السنية في المجلس النيابي، وهو ما يؤهل الحزب لاستعمال اوراق الاحتياط وهي كثيرة، في حال لم يلب الحريري مطالبه في تأليف الحكومة.

ويبقى السؤال: هل سيتجاوب الحريري مع جهود المملكة؟ وهل ما زال قادراً أو جاهزاً لفك حلفه التوأمي مع الوزير جبران باسيل، الذي كان أساس التفاهم على انتخاب الرئيس ميشال عون، والتي أنتجت فيما بعد ثنائية، جذبت لها كثيراً من الخصوم والأعداء؟

الواضح أنّ الحريري الذي فاز بكتلة تضم 21 نائباً ما زال القوة السنّية الأكبر، لكن ما تغيّر في المشهد، أنّ حلفاء «حزب الله» السنّة كسبوا الغطاء الشرعي، وهم قادرون على التجمّع في اجندة واحدة من دون الاضطرار لأن يكونوا كتلة واحدة، وخلت الساحة من اللواء أشرف ريفي الذي كان على يمين الحريري، لقيادات سنّية، كانت تنتظر منذ العام 2005 لكي تستعيد حضورها النيابي، وبالتالي سيكون أيُّ قرار لـ«حزب الله» بتسمية رئيس حكومة آخر أكثر سهولة، ولن يحتاج الى «قمصان سود» ولا الى تظاهرة موتوسيكلات، وهذا هو المسار الجديد الذي أنتجته انتخابات 2018.