الفنونُ الحيّة، العروض الأدائيّة، الفنونُ المرئيّة، الرسم، الطباعة بالشاشة الحريريّة وغيرها هي عماد مشروع «الإقامة الفنّية في المدارس الرسمية للسنة الدراسية 2017-2018»، الذي أطلقه «بيروت متحف الفن» في تشرين الثاني المنصرم، وجوهر معرض «تخيّلات مشترَكة» الذي تضمّن باكورة هذه الأعمال الطلابية المنجزة، وأُقيم في بيت بيروت، برعاية وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة، ممثلاً بمدير عام الوزارة السيد فادي يرق. وقد عملت على تصميم المشروع لين سنيج مستشارة الشؤون التربوية لبيروت متحف الفن، تحت الإشراف الكامل للقيّمة على المشروع في «BeMA» مايا حاج.
 

ضمّ معرض «تخيّلات مشترَكة» أعمالَ الإقامات الفنية من مختلف المدارس المشارِكة، حيث تنوّعت بين «دمى متحرّكة وفيديو» أعدّته «مجموعة كهربا» وطلاب مدرسة كمال جنبلاط الرسميّة في منطقة الشوف ومدرسة زحلة الرسميّة المختلطة، مشروع حول الطباعة بالشاشة الحريريّة، بعنوان «أبعد من الكلمات: تحارير بالنّسيج»، نفّذته الفنانة الفرنسية الإيرانية ثريا غيزلباش، في مدرسة صور الرسميّة للبنات ومدرسة حارة صيدا الرسميّة، فكرة «المساحة المجاورة» التي ابتكرها «استديو كواكب»، وذلك من خلال سلسلة ورش عمل نُظّمت في مدرسة الأمير شكيب أرسلان الرسميّة في فردان، ومتوسطة جبيل الأولى، هذا فضلاً عن مشروع «حديقتي» للفنانة شانتال فهمي، مع طلاب مدرسة راشيل إدّه الرسمية سبعل- زغرتا.

كلمات رسمية

بعد عرضِ وثائقيٍّ يلخّص مراحلَ تنفيذ المشروع، ألقت العضو المؤسس لـ»بما» ونائب رئيس «الجمعية اللبنانية لتطوير وعرض الفنون (APEAL)» السيدة ساندرا أبو ناضر كلمة ترحيبيّة أعلنت فيها أنّه «بعد النجاح الكبير الذي حقّقه المشروع في مرحلته الأولى وبناءً على طلب وزارة التربية تمّ تمديدُ مشروع الإقامات الفنية في المدارس الرسميّة على مدى عشر سنوات، لتشمل أربعين مدرسة إضافية تتوزّع على كامل الأراضي اللبنانية على أن يُدرج هذا المشروع ضمن المنهج الدراسي لهذه المدارس».

وقال مدير عام وزارة التربية والتعليم العالي فادي يرق إنّ «ما نشهده اليوم تجربة رائدة ومتميّزة تتجسّد في هذا التعاون بين وزارة التربية والتعليم العالي وبيروت متحف الفن (BeMA)، الذي ابتكر برنامجاً يجعل تلامذتنا في المدارس الرسمية على علاقة مباشرة مع كبار الفنانين والرسامين والمبدعين من أجل اكتساب مهارات جديدة تجعلهم قادرين على تنمية مواهبهم، وتفتح أمامهم أبواب الشهرة والإبداع وصقل المواهب وتحقيق الذات».

قدرة إنسانية خارقة

من ناحية أخرى، صرَّح حسين نخّال من ستوديو «كواكب» لـ»الجمهورية» أنّ ورشة العمل الأولى كانت حول الرسم، أما الثانية فتناولت التحريك Animation، ما حتّم على الطلاب كتابة نصّ القصة، أي ما يشبه الـStoryboard من أجل تنفيذ الرسوم وتحريكها وفقاً لمجريات تلك الحكاية، متوقّفاً عند استخدام التقنيات القديمة في «التحريك» لتوسيع مدارك الأطفال حول هذه الوسائل، ولأنّ للولد قدرة على استيعابها بشكل أسرع.

استوقفت نخّال تلك القدرة الإنسانية الخارقة لأطفال تراوح أعمارَهم بين العاشرة والحادية عشرة ما أضفى على حياته ألقاً خاصاً بعيداً من خمول المدينة. مؤكّداً أنّ «الوضع القائم في البلد يطرح الكثير من التساؤلات حول مقاربة العمل الفني، فالمهم ليس فقط إنتاج عمل فني جميل بل الأهم بالنسبة للأطفال هو اكتشاف آلية هذا العمل وتلك الصلة وذاك الرابط الإنساني اللذين ينشآن معه».

وتمنّى أن يأتيَ يومٌ تصبح فيه علاقتُنا بالفنون نقدية إلى هذه الدرجة وألّا يقتصر دورُها على الجماليات التي هي عنصر أساسي فيها.

آفاقٌ بعيدة

أمّا ثريا غزلباش فقد اعتبرت أنّ الهدف الأساسي كان تعليم الأطفال وسائل جديدة للتواصل. وقد تمحور النشاط حول ابتكار عمل جماعي عن مدينة صور. وتوقّفت غزلباش أيضاً عند حماسة الأطفال لهكذا مشروع ولفتتها قدرتُهم على التعلّم بسرعة أكبر من الناضجين الذين عملت معهم في ورش كهذه.
وعقّبت ثريا على ذلك بالقول: «الأطفال يملكون تلك الحرية في دواخلهم، التي لا تقيّدهم وتتيح لهم التحليق في آفاق بعيدة».

وآثرت شانتال فهمي التحدّث عن التقنية التي اعتمدتها في «حديقتي» بحيث صنع الطلاب لوحاتهم من اليباس بالتقنيات التي سبقت عصر التصوير بالكاميرا الفوتوغرافية وعصر التصوير الرقمي بطبيعة الحال. أطلقت فهمي على هذه الورش تسمية «الرسم التصويري» أو الرسم من خلال الضوء على اعتبار أنّ الضوء هو العنصر الأساس في خلق هذه الأعمال الفنية.

فضاءاتٌ متفلّتة

أما ماريليز عاد من «مجموعة كهربا» فاعبترت أنّ أهمّ ما في الأمر هو أن يجد الأطفال مساحة أو وسيلة يعبّرون من خلالها، والدمى تتيح لهم فضاءات متفلّتة من كل الضوابط والحواجز، حيث يقوم الأطفال بإسقاط ما في دواخلهم عليها دونما تحفّظات. فالورش لا تقتصر على تحريك الدمى بل تتيح فرصة التعبير وخلق شخصيات من خلالها.

وأكّدت أنّ استجابة الأطفال كانت عنصر مفاجأة لهم إذ كانوا يتشرّبون المعلومات، وأثنت أيضاً على المواهب الواعدة في صفوف التلاميذ.

أمّا ماري حنا والدة إحدى الطالبات فقد عبّرت عن فرحتها بهذه الورش الخارجة عن المألوف والتي تتيح للطلاب اكتشافَ ما في دواخلهم وربما قد يجدون أنفسَهم في الفنون، فإن كان الطفل لا يُفلح في مادة معيّنة، فهذا لا يعني أنّه فاشل، بل على العكس قد تكون لديه موهبة لم تتِح له فرصة اكتشافها بعد.

وما يؤثّر بك فعلاً هو كلام الطلاب أنفسهم، بحيث اعتبرت الطفلة حبيبة كردي أنّ هذه الورش أتاحت لها اكتشافَ الحسّ الفنّي لديها، وهذا ما لم تملك فرصة التعرّف إليه من قبل. فيما وجد الطالب محمد نور هواية جديدة هي صناعة الدمى التي لم يكن يعرف عنها شيئاً.

وقد كانت للجمهورية وقفة مع إدارة إحدى المدارس، إذ أكّدت ليندا خير الدين، مديرة مدرسة صور المتوسطة الرسمية للبنات، أنّهم يركّزون على النشاطات اللاصفّية ويشجعون مبادرات كهذه ويتطلعون إلى تكرار التجربة في السنة المقبلة.