في توليفة تجمع مقارباتٍ فنّيةٍ متنوّعة، يقدِّم معرض «المهرّبين» LES PASSEURS، الذي تنظّمه «غاليري ألوان» – «الصيفي فيلادج»، المجموعة الجديدة للفنانة اللبنانية زينة عاصي، وقد أُنتِجَت في محترفها الخاص في لندن.
 

تتناول غالبيّة هذه الأعمال جدليّة الانتماء وتطرح تساؤلاتٍ كبيرة بحجم الهوية والوطنية، متوقّفةً عند هجرة الأدمغة التي شهدها لبنان في العقود الماضية، مسلِّطةً الضوءَ أيضاً على أزمة اللاجئين والدور المتناقض الذي يلعبه المهرّبون بحيث يسهّلون عبورَهم من مكان إلى آخر مقابل مبلغ من المال.

عاصي، التي انتقلت مع عائلتها للعيش في المملكة المتحدة منذ ثلاث سنوات، قد خبرت بنفسها معنى أن تكون مهاجراً وتلك الذخيرة العاطفية، الاجتماعية والثقافية التي تحملها معك عند انتقالك من مكانٍ لآخر.

أعمالٌ فنّية وفيلمٌ قصير

يتضمّن المعرض أعمالاً فنّية متعدّدة الوسائط، من الرسومات، أعمال فنون الإلصاق (كولاج)، الرسم على أواني الزهور، وإلى ما هنالك من ابتكاراتٍ ابتدعتها عاصي. هذا ويجدر التوقّف هنا عند استلهامها أيضاً من الأساليب المتّبعة في فنون الغرافيتي لتجسّدَ نبضَ الشارع في لوحة.

يقدِّم المعرض أيضاً فيلماً قصيراً تجريبياً، مدّته ثلاث دقائق، يحكي قصة مغترب، ويحمل عنوان «سجلّات مغترب»»Chronicles of a migrant»، وقد أعدّ الفيلم كلٌّ من عاصي، باتريك صفير وأماندين بروناس، ويتضمّن رسوماتِ زينة التي قامت بتحريكها أماندين.

جرى عرض الفيلم في «بينالي البندقية» الـ57 في إيطاليا عام 2017 وفي «متحف الحرب الإمبراطوري» في لندن عام 2018.

إزدواجية المعاني

في حديث خاص بـ»الجمهورية»، تقول عاصي إنّها قد رسمت مدناً بنتها على جسورٍ آيلة للسقوط للتعبير عن مأساة اللاجئين. وأكّدت أنها تناولت في معرضها هذا شعور الانتقال والحالة النفسية التي تفرضها علينا فكرةُ كوننا نعيش بين أماكن مختلفة، الأمر الذي يطرح تساؤلات كبيرة بحجم الهوية والانتماء.

وتتوقّف عاصي عند لوحاتٍ رسمت فيها ما يبدو باقاتٍ من الأزهار لوهلة إلّا أنّك ما إن تحدّقَ بها مليّاً حتى تجدَ لها أبعاداً ومعاني أكثرَ توغّلاً في عمق الموضوعات المطروحة. وفي هذا الإطار، قالت: «أحبّ أن أعزف على وتر عامل الرؤية المزدوجة». وأضافت: «لوحاتي لا تحمل رسالةً مباشرة وهذا ما لا أحبّذه في أية لوحة، أعشق ازدواجية المعاني والإسقاطات التي قد يمليها الناظر».

همُّ الشارع ونزقُه

عن استخدامها تقنيّات الغرافيتي واستلهامِها من مضمونه، تفيد عاصي بأنّ هذا الفنّ يترجم ما يحدث في المدينة، وتضيف: «كلّما رأيتُ تحوّلاتٍ في المدينة، انعكس ذلك على المدن التي أرسمها».

ومن الحريّ قوله إنّ هذه الأعمال هي حصيلة أربع سنوات من الجهد الدؤوب، وقد عُرِضت في باريس ودبي وها هي اليوم تأتي لتستقرَّ في بيروت.
ختاماً، وعن رؤيتها للفنّ، تؤكّد عاصي لـ»الجمهورية» أنّ الفنّ برأيها هو نوعٌ من التأريخ للحظة الإنسانية وما يثقل كاهلها من معانٍ، وهذا ما يؤرقها شخصيّاً.