الضحك، اللعب واللهو مع أصدقاء الطفولة، الإنشراح وتقبّل الآخر من دون أيّ أحكام مسبقة، البكاء عند الحاجة، محبّة الآخر من دون أيّ عوائق... وغيرها من السلوكيات المنوطة بالأطفال أكثر من الراشدين، مفاتيح «مقاومة الأمراض الفتّاكة» والخطيرة. فالرجوع إلى الطفولة والاستسلام للراحة والقدر بدل التفكير بمشكلات الحياة، من أفضل الأدوية والعلاجات لتقوية الجهاز المناعي عند الإنسان. فهل هناك رابط حقيقي بين صحة الإنسان النفسية والجسدية من جهة وسلوكياته من جهة أخرى؟ وهل حقاً يقع الإنسان الكئيب ضحية الأمراض أكثر من الشخص المنشرح والسعيد؟
 

نلاحظ أحياناً، خلال زيارتنا لمسنّين في منازلهم أو في الدور المخصّصة لهم، أنّ بعضهم تخطّوا الثمانين عاماً، وما زالوا نشيطين ويحبّون المغامرات ويتميّزون بحب الإستطلاع والإنفتاح ومصادقة الآخرين... كما يلفتنا أنّ معظم هؤلاء يتميّزون بصحة جسدية ممتازة، وحالتهم النفسية منشرحة وهادئة وفرحة. 

 

الطفولة والنضوج
تتميّز الطفولة براحة البال والفرح والإنشراح وقبول الآخر... فالأطفال لا يبنون حواجز، ولا يرفضون صداقة أحد. ومع مرور الوقت، يتعلّم الطفل صفات «الرفض» و»عدم تقبّل الإختلاف» و»المقارنة» بينه وبين الآخرين... هذه «الحواجز» تنمو بسرعة فائقة بتشجيع الأهل الذين يدفعون الطفل تجاه عدم تقبّل غيره. وعند بلوغه سنّ الرشد، تصبح حياته أصعب بسبب سلوكه الرافض لأيّ كان. إنّ دور الأهل الأساسي هو التفسير لطفلهم كيفية تقبّل وحبّ الآخر في مرحلة الطفولة، ما قد يؤثر إيجاباً على صحته العقلية والنفسية عند بلوغه سنّ الرشد. وأكدت دراسات أجرتها جامعة فلوريدا الأميركية، أنّ هناك اتصالاً مباشراً ما بين الدماغ وجهاز المناعة عند الإنسان، واعتبرت أنّ الألم «تَخفّ» آثاره إذا كان المتألم يعيش حياته بإيجابية، وطفولته بطريقة غير مباشرة. 

 

الجهاز المناعي والسلوكيات
لكل مرحلة عمرية سلوكياتها ومميّزاتها، فلا يمكن أن نرى طفلاً يتصرف بطريقة «راشدة» وناضجة، أو شخصاً راشداً ما زالت الطفولة مسيطرة عليه. ولكن دراسات علمية جديدة لاحظت وجود رابط إيجابي قوي ما بين السلوكيات وعمل الجهاز المناعي. 
وتنقسم هذه السلوكيات الى إيجابية أو سلبية. ولكل سلوك تأثيره الخاص على الجهاز المناعي الذي يؤدي دوراً كبيراً في صحة الإنسان الجسدية. فالسلوكيات الإيجابية كالفرح والغبطة، وتقبّل الآخر والابتعاد عن الأحكام المسبقة وحبّ الإكتشاف... نصادفها في مرحلة الطفولة، وهي لا تقوّي الجهاز المناعي وحسب، بل تُبعد الترهّل عن الإنسان وتجعله نشيطاً، كما تقوّي ارتباطه بالحياة من خلال رسم أهداف مستقبلية له. لذا للإحتفاط «بالطفولة» على رغم التقدّم في السن، إيجابيات لامتناهية على صحة الانسان الذهنية والمناعية. 
أمّا السلوكيات السلبية، ومنها الحزن والغضب بسرعة وعدم تقبّل الآخر... فتجعل الإنسان «عجوزاً» وتسرّع ترهله، وتُضعف جهازه المناعي. كلّ ذلك، يظهر الرابط القوي ما بين الجهاز المناعي وصحة الإنسان الجسدية والنفسية على حدّ سواء. 

 

الضحك سلاح فتّاك
هناك العديد من العلاجات النفسية والتقنيات التي يمكن استعمالها خلال حصص العلاج، ومنها العلاج بالضحك، الذي يؤكد يوماً بعد يوم، فعاليته ونتائجه الإيجابية على حياة الإنسان الصحية. كما أنّ «الرجوع إلى الطفولة»، والتصرّف بشكل بسيط وبعيد عن التكلف والإصطناعية، يقوّي النظام الدفاعي في الجسم. وإليكم بعض الإرشادات التي تساعد الإنسان، ومنها:
• اللهو والتمتّع بالحياة. تذكروا دائماً أنّ هذه الحياة لن تتكرّر. ويمكن أن يعيش الإنسان حياة مزرية وبائسة، كما يمكن أن يعيش حياة جميلة متمتّعاً بتفاصيلها، والخيار في ذلك يعود لكل شخص منّا. فإذا كنتم تزورون مكاناً جديداً لأول مرة، إستفيدوا من المناظر الطبيعية والجمال الذي يحيط به، وانسوا كلّ المشكلات وتمتّعوا بكل لحظة. 
• «إضحك... تضحك لك الدنيا»... إستمتعوا برفقة أصدقائكم المقرّبين، واضحكوا معهم وتسلّوا... ونظّموا نزهات أسبوعية لتكتشفوا أماكن جديدة لم تقوموا بزيارتها من قبل. وتذكروا دائماً أنّ الوقت يمرّ بسرعة، وأنّ الضحك هو المفتاح السرّي لحياة خالية من الأمراض. 
• ممارسة الرياضة بشكل منتظم، الأكل الصحي، سماع الموسيقى، قراءة كتاب شيّق، مشاهدة فيلم جميل... سلوكيّات ممتازة لحياة بعيدة عن الاضطرابات الجسدية. 
• كما أنّ اللعب مع أطفالكم أو أطفال إخوتكم وأخواتكم... يخفّف الضغط النفسي الذي يمكن أن يسبّب أمراضاً خطيرة إذا استمرّ لفترة طويلة. 
• تعلّموا كيف تهتمّون بالآخرين وبمشاعرهم، فهذه السلوكيات من صفات الأطفال، وإذا طبّقها الراشد يشعر بالكثير من الراحة النفسية.