رأى مفتي الأزهر الشيخ أحمد الطيب، أن مسألة تعدد الزوجات هي "ظلم للمرأة" وأنها ليست أصلاً في الدين الإسلامي. ولقي هذا الموقف ترحيباً من "المجلس القومي للمرأة" في مصر، كما أثار تعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي كان بعضها معارضاً بشدة.

في برنامج أسبوعي يقدمه عبر القناة الفضائية الرسمية، قال الشيخ الطيب إن "أولى قضايا التراث التي تحتاج إلى تجديد هي قضايا المرأة، لأن المرأة هي نصف المجتمع، وعدم الاهتمام بها يجعلنا كما لو كنا نمشي على ساق واحدة"، وأكد أن "مسألة تعدد الزوجات تشهد ظلماً للمرأة وللأولاد في كثير من الأحيان، وهي من الأمور التي شهدت تشويهاً للفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية". وأضاف: "من يقولون إن الأصل في الزواج هو التعدد، مخطئون، وعلى مسؤوليتي الكاملة، فإن الأصل في القرآن هو فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة"، "علينا أن نقرأ الآية التي وردت فيها مسألة تعدد الزوجات بشكل كامل، فالبعض يقرأ مثنى وثلاث ورباع، وهذا جزء من الآية، وليس الآية كاملة، فهناك ما قبلها وما بعدها".

أثار هذا التصريح ردود أفعال متباينة، ما بين ترحيب من جانب النشطاء في مجال حقوق النساء، ومعترضين يرون أنه يمّثل إنكاراً لنص صريح في القرآن يبيح للرجل الزواج بأربع نساء. سارع الأزهر إلى إصدار بيان نشره في موقعه الرسمي، أكّد فيه أن "الإمام الأكبر لم يتطرّق مطلقاً إلى تحريم أو حظر تعدد الزوجات"، واستعاد حديثاً أدلى به الطيب خلال كلمته أمام مؤتمر الإفتاء العالمي في خريف 2016، ونصّه: "أبادر بالقول إنني لا أدعو إلى تشريعات تُلغي حق التعدد، بل أرفض أي تشريع يصدم أو يهدم تشريعات القرآن الكريم أو السنّة المطهرة، أو يمسّهما من قريب أو بعيد، وذلك كي أقطع الطريق على المزايدين والمتصيّدين كلمة هنا أو هناك، يقطعونها عن سياقها، ليتربّحوا بها ويتكسبوا من ورائها".

شكرت رئيسة "المجلس القومي للمرأة" الدكتورة مايا مرسي، شيخ الأزهر، "على تصريحه الذي أشار فيه أن أولى قضايا التراث التي تحتاج الى تجديد هي قضايا المرأة، لأن المرأة هي نصف المجتمع". في المقابل، قالت مديرة التنفيذية مؤسسة "نظرة" للدراسات النسوية، مُزُن حسن، إنها لا تطالب شيخ الأزهر بأي توضيحات في هذا الشأن، لأنها تقدر الأزهر كمؤسسة دينية "محترمة" في العالم الإسلامي، لكن ليس لها وصاية على المجتمع. وطالبت الحكومة المصرية والبرلمان، إعادة النظر في التشريعات التي تحكم قضايا الزواج والأحوال الشخصية في مصر، ورأت أن هذه التشريعات "ترجع إلى العام 1920 وتخلّفت كثيراً عن قضايا المرأة في الوقت الراهن".  كذلك، اعتبرت الناشطة في "المركز المصري لحقوق المرأة" نهاد أبوالقمصان إن تصريحات شيخ الأزهر الأخيرة تمثل إنصافاً للمرأة، "لكنها تأخرت كثير". وتساءلت: "هل بعد أكثر من 1400 سنة لم تتطور ثقافة المجتمع لتتأكد أن تعدّد الزوجات فيه ظلم شديد للمرأة؟".

في واقع الحال، يمكن القول بأن الشيخ الطيب تطرّق بخفر شديد إلى مسألة "قديمة" تطرّق لها بجرأة عدد من كبار الأئمّة المصريين منذ نهاية القرن التاسع عشر. في 16 تموز/يوليو 1945، وبمناسبة مرور أربعين عاماً على رحيل "المصلح العظيم الشيخ محمد عبده"، كتبت مجلة "الإثنين": "أُثيرت مسألة تعدّد الزوجات في الآونة الأخيرة، لكن الشيخ محمد عبده كتب فيها بجريدة "الوقائع المصرية الرسمية" في سنة 1881، أي منذ 64 سنة، فأنشأ مقالاً بعنوان "حكم الشريعة في تعدد الزوجات"، ودلّ فيه على وجوب الحد من تعدد الزوجات عند عدم القدرة على العدالة في النفقة والمبيت"، واستشهدت المجلة بقول الكاتب: "أباحت الشريعة المحمدية للرجل الاقتران بأربع من النسوة إن علم من نفسه القدرة على العدل بينهن، وإلا فلا يجوز الاقتران بغير واحدة. فإن الرجل إذا لم يستطع إعطاء كل منهن حقها، اختلّ نظام المنزل وساءت معيشة العائلة".

قبلها، في 16 نيسان/ابريل 1945، كتبت "الإثنين": "لا يزال مشروع تقييد الطلاق وتعدّد الزوجات موضع بحث وزارة الشؤون الاجتماعية، وقد رأينا أن نسأل فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي رأيه فيه مفصلاً فتفضّل بالإجابة". في هذا الرد، قال الشيخ محمد مصطفى المراغي: "ان جواز تقييد الطلاق يعتمد على قاعدة مقررة في الشريعة الإسلامية، وهي ان وليّ الأمر له الحق في أن يأمر بمباح فيجب، وأن يُنهي عن مباح فيصير حراماً". وأضاف: "إذا سنّ قانون بأن الطلاق لا يكون إلا بعد إذن القاضي، فليس في ذلك خروج على قواعد الشريعة الإسلامية. لكني مع هذا كلّه لا أرى ان يتوقّف الطلاق على اذن القاضي، لاعتبارات اجتماعية. ذلك أن إذن القاضي لا بد أن يقتضي بحثاً واستقصاءً عن الزوجين يؤدي إلى مشاكل اجتماعية ربما كان ضررها على المجتمع شديداً، فنكون قد استبدلنا بشرّ يسير شرّاً كبيراً. وزيادة في التفصيل، أذكر أن إذن القاضي بالتطليق يضطر المطلّق إلى أن يبين الأسباب، وقد تكون الأسباب من الأسرار القاتلة التي لا يجوز الإفضاء بها، وقد يؤدّي الإفضاء إلى حوادث جنائية، وقد يجني على الأبناء ويصمهم بما لا ذنب لهم فيه. أمّا منع تعدّد الزوجات، كما جاء في مشروع القانون الذي قدّمته وزارة الشؤون الاجتماعية، فلا شائبة فيه من الناحية الشرعية، ولي فيه بحث قديم مطبوع ضمن بحوث في التشريع الإسلامي، وقد كنت وقتئذ أرى منع التعدّد، إلا أني الآن لا أرى ذلك لاعتبارات اجتماعية جديدة ترجع إلى تطوّر الحياة. ومن رأيي أن يُترك الأمر للزمن، وأن نصلح العيوب الناشئة من حرية التطليق وحرية الزواج، بتهذيب الطبقات العامة بوسائل المعرفة ووسائل الدين، حتى لا يُساء استعمال هذه الحرية".

وختم الشيخ المراغي ردّه بالقول: "على أن المشروع كله ليس جديداً، فقد وضعته لجنة الأحوال الشخصية في سنة 1927، وكنت وقتئذ رئيساً لها، ثم عُرض عليها مرة أخرى في سنة 1928، وفي وزارة العدل مذكّرة مطوّلة عن تقييد الطلاق كُتبت في ذلك الوقت".
أثار هذا التصريح المطوّل الدكتورة درية شفيق، فردّت في مقالة نُشرت في 18 حزيران/ يونيو تحت عنوان "الدين يؤيّد تقييد تعدّد الزوجات". قالت الناشطة النسوية الشهيرة في مقدّمة هذا الرد الحماسي: "إن فكرة إباحة الزواج بأربع نساء، كان الغرض منها، في الواقع، القضاء على الزواج بأكثر من أربع زوجات، إذ كانت الحال فوضى قبيل الإسلام. وهذه الفكرة عينها، فكرة الزواج بأكثر من واحدة، إلى أربع زوجات، تمهيد طيب للاقتران بزوجة واحدة. وآية ذلك أن تعاليم الدين الإسلامي، تؤيد من بعيد ومن قريب، فكرة الاقتصار على زوجة واحدة فقط. ذلك ان الشرط الأساسي لجواز تعدّد الزوجات في الإسلام، هو تثبّت المتزوج من صحة معاملة زوجاته معاملة عادلة، فإذا لم يكن في الإمكان تحقيق هذه العدالة بصورة قطعية، فلا يحقّ للرجل الاقتران بأكثر من زوجة".

استعادت درية شفيق الحديث النبوي: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقّه مائل"، وقالت: "ونستطيع نحن أن نجزم، أن التعاليم الدينية الصحيحة، قد حرّمت الزواج بأكثر من زوجة واحدة حين نعود للآية الكريمة: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، فأي تحريم لتعدد الزوجات أقوى من هذا التحريم؟ إن في هذه الآية وحدها، تقييداً للزواج، أو على الأقل تبريراً للاتجاهات الحديثة التي تذهب إلى تقييد الزواج. ولا أريد أن أذكر المآسي التي تترتّب على الزواج بأكثر من زوجة واحدة، فإن معظم المحن والخصومات التي تنشأ بين الأسر، وليدة جشع بعض الرجال في الزواج لإرضاء نزوة من النزوات، كما ان الحياة الاقتصادية والاجتماعية لم تعد تحتمل أو لا تكاد تحتمل زوجة واحدة. فكيف بزوجتين أو بأربع زوجات؟".

شغل محمد مصطفى المراغي منصب شيخ الأزهر بين 1928 و1930، وشغله مرة أخرى في 1935، حتى وفاته في 22 آب/أغسطس 1945. بحسب الروايات، عزم الملك على الطلاق من زوجته فريدة، ورغب في إصدار فتوى من الشيخ المراغي تحرّم عليها الاقتران بزوج آخر بعد طلاقها، لكن شيخ الأزهر رفض ذلك، كما رفض أن يصدر ما يمنعها من رؤية بناتها، حيث لا يتفق هذا ولا ذاك مع الشريعة الإسلامية، وقال: "أما الطلاق فلا أرضاه، وأما التَّحريم فلا أملكه، وإنَّ المراغي لا يستطيع أن يُحرِّم ما أحلّ الله". أدت زيارة الملك فاروق إلى الشيخ المراغي في المستشفى إلى تدهور حالته الصحية، وحدثت مشادة كلامية بينهما تسبّبت في وفاته. 

حدث ذلك في صيف 1945، في زمن الشيخ المراغي، ويبدو أن السجال نفسه لا يزال يتواصل اليوم، في زمن الشيخ أحمد الطيب.