الأهم من نتائج الانتخابات كانت نسبة التصويت. يصحّ وصف انتخابات العام 2018، بأنها استحقاق تطويق ثنائي العهد. تطويق تيار المستقبل والتيار الوطني الحر. والأهم أن هذا التطويق لم يحصل من جانب الخصوم بل من جانب بيئاتهم التي لم تقتنع بخطاباتهما، فلجأت إلى عدم التجاوب مع نداءات رفع التصويت والمشاركة. وهذا لا بد من البناء عليه للأيام والاستحقاقات المقبلة. باستثناء دائرة كسروان جبيل التي فيها أكثر من معركة، فإن كل نسب التصويت أوحت بأن بيئة التيارين، لم تتجاوب مع حملات التجييش والجولات التي أجراها كل من الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، لتحشيد الناس نحو صناديق الاقتراع.

تكاد هذه "المقاطعة" هي الإشارة الأهم والأبرز في خلاصة نتائج الاستحقاق. فرئيس الحكومة رفع شعار الدفاع عن بيروت والحفاظ على عروبتها وعدم تسليمها لحزب الله. كل هذه الشعارات، ومعها التذكير بالسابع من أيار 2008، لم تدفع أهالي المدينة للتجاوب مع نداءات المستقبل التي تحوّلت إلى استجداءات في منتصف اليوم الانتخابي، لأن كل التقديرات كانت تشير إلى أن لائحة حزب الله ستحصل على 3 حواصل مع استمرار العمل على الرابع، وحصول فؤاد المخزومي على حاصل أيضاً. في النتيجة العامة، فإن توصيف لهذا الاستحقاق يتطابق مع رأي أحدهم الذي يقول إن 7 أيار 2008، لقي ترجمته السياسية في 7 أيار 2018، عبر قانون الانتخاب والمسار السياسي لتيار المستقبل. لكن الأساس بالنسبة إلى التيار الأزرق هو ما استطاع التعويض عنه في الشمال، عبر استعادة تمثيله في طرابلس، وتجديد انتصاره في عكار.

الأمر لم يكن إيجابياً بالنسبة إلى التيار الوطني الحر، صحيح أنه فاز في البترون بمواجهة النائب بطرس حرب، لكنه فشل في مسعاه لتطويق مختلف القوى المعارضة له، لا سيما تيار المردة، الذي حقق الفوز الذي يطمح إليه، وقد تتوسع كتلته لتضم ستة نواب، إذا ما انضم إليها النائب العلوي في طرابلس وفريد هيكل الخازن. كذلك فشلت رهانات باسيل في تحجيم القوات اللبنانية التي حققت أرقاماً جيدة جداً. ما دفع بمعراب إلى التعبير عن ارتياحها للنتائج كقوة أساسية داخل البرلمان ستكون كل الأطراف بحاجة إلى استمالتها.

ما سيضاف إلى إشكاليات باسيل المقبلة، هو مرحلة ما بعد الانتخابات، وتداعيات سقوط مرشح حزب الله في جبيل الشيخ حسين زعيتر. وهذه ستزيد من حجم الإنزعاج لدى الثنائي الشيعي تجاه باسيل وتصرفاته. والامر الآخر سينعكس على مسيحيي كسروان وداخل التيار، إذ إن باسيل، في توزيع الصوت التفضيلي، أعطى توجيهاته لمنح الصوت التفضيلي لروجيه عازار في كسروان بدلاً من العميد المتقاعد شامل روكز. ما هدد روكز في خسارة مقعده، ووضعه في خانة آخر الناجحين. ويفسّر البعض ذلك على أنه محاولة من باسيل لتعميم وتركيز الحالة الباسيلية داخل التيار، ومحاولة إيصال رسالة لروكز بأنه ليس صاحب الشعبية الأكبر في كسروان، فيما هو حلّ الأول في البترون.

يعتبر أحد المتابعين للوضع على الساحة المسيحية أن ما جرى مع التيار الوطني الحر بعد وصوله إلى السلطة يجب أن يكون درساً أساسياً يتعلّم التيار منه، بأن المسيحيين منحوه أصواتهم وحقق تسونامي حين كان محاصراً، وحين لم يكن في السلطة، أما اليوم، فقد تغيّر الامر بعد تجربة 9 سنوات، وبعد سنة على تسلّم رئاسة الجمهورية. ورغم ذلك لا يمكن إغفال أن التيار حاز الكتلة المسيحية الأكبر، لكن هذا لا يعني أنه يتزعم الساحة المسيحية، لأن عدد نواب خصومه يتخطى عدد نوابه. وهذا سيفرض قواعد سياسية جديدة.

لا بد من القول إن الرابح الأكبر في هذه الانتخابات هو حزب الله وحلفاؤه. وإذا ما عادت العلاقة وتقاربت بين الحزب والتيار الوطني الحر مع مختلف الحلفاء، لا بد من استشراف مراحل سقوط اتفاق الطائف أو بدء نهايته، عبر تكريس قواعد سياسية جديدة، لا بد لها أن ترتكز على مزيد من التنازلات من تيار المستقبل، للحفاظ على البقاء في السلطة. وهذه التنازلات قد تكون أقسى من تلك التي قدّمت على طريق تسوية انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. فحزب الله خرج من الانتخابات بفوز ناجع بعدد كبير من حلفائه السنة والمسيحيين. ما سينعكس في أول أيام تجليه على تشكيل الحكومة، في ظل انزعاج حلفاء الحريري التقليديين من تصرفاته، لا سيما القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. وهذا ما سيفرض قواعد تفاوضية جديدة. حتى الآن يبدو حزب الله متساهلاً في مسألة تكليف الحريري تأليف الحكومة، لكنه لو قصد فتح المعركة، فإن الحريري لن يكون بإمكانه تبوء هذا المنصب.

دخل لبنان مرحلة جديدة، هي مرحلة تسيّد حزب الله، وتشتت "الزعامات" السنية، بحيث أصبح سنّة حزب الله يقولون كلمتهم في رئاسة الحكومة.