لمن يقرأ عبارات التنديد اللبنانية، وتحديداً من رئاسة الجمهورية والخارجية اللبنانية، ببيان بروكسيل الذي يُذكّر النظام السوري بواجباته في القانون الدولي، يخال له أن الدولة اللبنانية تلعب دوراً ريادياً في الدفاع عن حق اللاجئين السوريين بالعودة.

لكن الواقع مغاير ذلك. الدولة اللبنانية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، لم تُصدر بياناً واحداً أو تطلب توضيحات من الجانب السوري حيال صدور القانون رقم عشرة لعام 2018، والذي يُمهّد لحرمان مئات الآلاف وربما ملايين المهجّرين السوريين من ممتلكاتهم نتيجة غياب الوثائق ومهلة غير واقعية لإثبات الحقوق.

يُحدد القانون الجديد للسوريين (ومنهم اللاجئون) مهلة 30 يوماً فقط لإثبات ملكيتهم أو حصصهم، وبالتالي فإن ذلك يحرم أغلب اللاجئين في لبنان من تثبيت حقوقهم، ويحول دون عودتهم. فوفقاً لدراسات عديدة، غادرت الغالبية الساحقة من اللاجئين السوريين في لبنان، ديارها دون وثائق ملكية، ما يُعقّد عملية اثبات الحقوق العقارية، ويجعل العودة شبه مستحيلة. كما أن جزءاً مهماً من السوريين في لبنان غير قادر على العودة نتيجة قوانين التجنيد الإجباري، واحتمالات الملاحقة الأمنية للمشاركة في تظاهرات، أو لوجود أقارب لهم في المعارضة المسلحة أو المدنية.

صدر القانون رغم 10، مطلع هذا الشهر، لكن أقطاب السلطة اللبنانية، وبخاصة تلك المطالبة بالعودة السريعة للنازحين السوريين، لم ينطقوا بكلمة تنديد واحدة، أو على الأقل يطلبوا استثناءات من الجانب السوري حيال تطبيق القانون على اللاجئين السوريين الراغبين في العودة من لبنان إلى سوريا.

في المقابل، تحركت الديبلوماسية اللبنانية بقوة ضد البيان المشترك الصادر عن مؤتمر «دعم مستقبل سوريا والمنطقة» في بروكسل في 24 و25 نيسان (أبريل) الجاري. والبيان، ورغم تشديده على "حق العودة" وفقاً للقانون الدولي الانساني، تحدث عن "أن الظروف الراهنة لا تساعد على العودة الطوعية للوطن بأمان وكرامة، وانه لا تزال هناك مخاطر. فظروف العودة كما تحددها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووفقاً لمعايير قانون اللاجئين الدولية لم تتحقق بعد".

البيان يتناول أيضاً ضرورة الدعم الأوروبي والدولي لدول الجوار السوري الحاضنة للاجئين، ويتحدث عن توفير الخدمات وفتح أسواق العمل وغير ذلك. هنا أساس الاحتجاج اللبناني. لكن هذه حقوق طبيعية للاجئين يحصلون عليها في أوروبا. كما أن البيان ليس مُلزماً بأي شكل من الأشكال، ولا أثر له على لبنان، إذ كيف يمنع الأوروبيون مثلاً أي موجة عودة طوعية سورية إلى الأراضي السورية؟

رغم ذلك، إلا أن السلطة اللبنانية وبدلاً من مواجهة التطور الحقيقي الوحيد على الأرض، والمرتبط بالقانون السوري الجديد، آثرت شن هجوم على البيان، والتوعد بإجراءات ضد المنظمات الدولية على الأراضي اللبنانية.

رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون رأى "ما ورد في هذا البيان يتعارض مع الدستور ومع قسمي ويعرض وطني للخطر لأن مؤداه توطين مقنع للنازحين السوريين في لبنان، فاني أعلن رفضي البيان الصادر عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وما تضمنه، خصوصاً ما ورد في البيان حول "العودة الطوعية" و"العودة المؤقتة" و"ارادة البقاء" و"الانخراط في سوق العمل" وغيرها من عبارات تتناقض وسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها".

بعد موقف بعبدا، ورد موقف أكثر تشدداً من الخارجية اللبنانية. صُهر الرئيس ووزير خارجيته جبران باسيل ذكر أن "البيان استعمل مصطلحات جديدة غير متفق عليها وغير مقبولة لبنانياً كمفهوم العودة الطوعية والعودة المؤقتة وخيار البقاء والإقامة الشرعية وغيرها من المفاهيم التي تشجع السوريين على البقاء في لبنان وتمويل بقائهم". ومن ثم هدد داعمي اللاجئين السوريين: “أرى نفسي مضطراً للتفكير باتخاذ إجراءات بحق المنظمات التي تصر على اعتماد سياسات ومواقف وبيانات تمس بسيادة لبنان وقوانينه وتهدد سلمه الأهلي. لبنان قدم الكثير للنازحين فبادلوه بالأفعال وليس ببيانات تقوضه وتقوده للمجهول".

والمثير للضحك أن هناك سوء تفاهم ناجم عن تباين في قراءة البيان. بيد أن بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان ومكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان أكدا في بيان مشترك أن شيئاً لم يتغير في الموقف من الوضع الموقت للاجئين السوريين في لبنان، وأن بعض العبارات الواردة يُقصد بها الداخل السوري.

الأرجح أن الأوروبيين قصدوا بالعبارات عمليات نقل السكان من الغوطة الشرقة وغيرها باتجاه إدلب.

فالأوروبيون، تماماً كلبنان، لديهم عدد مماثل من اللاجئين السوريين، ويبحثون في احتمالات العودة عند توافر ظروفها. كما أنهم يتكبدون فاتورة باهظة سنوياً لمساعدة لبنان والأردن على توفير الخدمات الأساسية للاجئين السوريين. إذاً، من مصلحة الأوروبيين، مالياً وسياسياً أيضاً، حصول العودة لو توافرت شروطها الانسانية لجهة كونها طوعية وآمنة.

العقبة الوحيدة أمام هذه العودة هو اتجاه النظام السوري إلى تدشين عمليات اعادة اعمار ستستثني جزءاً مهماً من اللاجئين وتُقنن تشريدهم، كي لا يبقى مكان يؤويهم سوى الدول المجاورة، وتحديداً لبنان حيث تعلو الأصوات دوماً في الاتجاه المعاكس.