الحديث عن حرب ايرانية-اسرائيلية بات أشبه بالطلاسم. إيران وإسرائيل لا تريدان حرباً، كتب عاموس هآريل في صحيفة "هآريتس" يوم أمس، لكن طهران مصممة على التأسيس لوجود لها داخل سوريا، وتل أبيب مُصرّة على منعها من ذلك. هُما دولتان تسيران على سكة الصدام غير المرغوب به، بحسب عاموس. أول مؤشر إلى صدق احتمالات هذا الصدام كان إسقاط طائرة ايرانية بلا طيار فوق الجولان المحتل، تلتها ضربات اسرائيلية واسعة النطاق، انتهت بإسقاط طائرة وإصابة طياريها بجروح.

مثّل هذا التصعيد علامة فارقة في الحديث عن حرب محتملة.

على الصعيد الدبلوماسي، تشعر أوساط أوروبية بقلق حيال الحراك السياسي الإسرائيلي الذي أخذ منحى تصعيدياً بعد خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر ميونيخ الأمني. عندها طالب رئيس الوزراء الاسرائيلي العالم بمواجهة ايران ومحاولتها التأسيس لوجود دائم على الأراضي السورية. حَمَلَ جناح الطائرة الايرانية المُدمرة وخاطب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالقول "هذه تعود لك".

نتنياهو طالب العالم بالوقوف إلى جانب اسرائيل في المواجهة مع ايران، ورسم بوضوح معالم المواجهة المقبلة. لكن الأمر لم ينته هنا.

بداية، واصلت ماكينة الدبلوماسية الاسرائيلية واللوبيات المرافقة لها، العمل من أجل اقناع العواصم الغربية بهذا المنطق. إيران خطر على السلام العالمي، ويجب وقف تقدمها في الشرق الأوسط. ولاحظ دبلوماسيون أوروبيون، سيما أولئك المعنيين بالاتفاق النووي واستمراره، أن هناك حراكاً ناشطاً لـ"شد العصب" ودعم إسرائيل في أي حرب اقليمية ضد ايران وحلفائها.

يبقى أن الاتفاق النووي مع ايران، يُشكّل عقبةً رئيسيةً أمام تحصيل التأييد السياسي المطلوب لحرب واسعة النطاق ضد طهران. لهذا السبب، طلب نتنياهو من حليفه في واشنطن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخروج من الاتفاق في 12 أيار (مايو) المقبل (عندما يحين الموعد المقبل لرفع العقوبات). كان الرئيس الأميركي أمهل شركاءه الأوروبيين حتى ذلك الحين لتعديل الاتفاق، وإلا سيُلغيه منفرداً.

وبالفعل فإن دبلوماسيين أوروبيين شرعوا في العمل على ادخال تعديلات جديدة على الاتفاق، تشمل البرنامج الصاروخي الايراني ودور طهران في المنطقة. لكن ايران لم تُبد ليونة في هذا المجال. جاء الرد واضحاً على لسان المرشد الايراني علي خامنئي بأن "الدول الأوروبية تأتي إلى إيران وتقول لها إنها تريد التفاوض معها بشأن ملفات المنطقة، لكن الأمر لا يعني هذه الدول لأن المنطقة منطقتنا ولا نعرف لماذا هم موجودون فيها".

وبعض المسؤولين الايرانيين بدأوا يضغطون في اتجاه انهاء الاتفاق لو خرجت واشنطن منه، نظراً إلى انعدام الفوائد الاقتصادية. بيد أن المصارف الأميركية ما زالت ترفض التعامل مع ايران، وبالتالي فإن الفوائد المرتجاة سابقاً من ابرام هذا الاتفاق لم تُبصر النور، وباتت العودة الى النقطة صفر واردة جداً.

عسكرياً، تُمثّل روسيا نقطة اشكالية لأي حرب اسرائيلية. في مقال نشرته "وول ستريت جورنال" الأميركية يوم أمس، كتب باحثان في "مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية" الليكودية-الهوى في واشنطن، أن القصف الاسرائيلي على قاعدة "تي-4" في محافظة حمص السورية، كان رسالة أيضاً الى روسيا. القاعدة السورية، وفقاً للباحثين تضم إيرانيين ومستشارين روس.

تُحاول اسرائيل تحييد روسيا قدر الإمكان، وهذه مهمة صعبة لأن أي حرب ضد ايران والنظام ستُقوّض النفوذ الروسي وتُهدد "انجازات" موسكو على الأرض. إلا أن ذلك قد يتبدل لو كانت هذه الحرب، أميركية أيضاً. فبحسب بعض بنود خُطة عسكرية أميركية-اسرائيلية نشرها موقع "ديفينز نيوز" العسكري الأميركي، فإن قوات أميركية ستصل الى اسرائيل من أوروبا في غضون 72 ساعة للرد على أي هجوم صاروخي إيراني. هذه الرسالة نقلها ضباط أميركيون كانوا يشاركون في تدريبات جوية مع الجانب الاسرائيلي خلال الأيام الماضية، وذلك ضمن مجهود دوري (مرتان سنوياً) لتعزيز "الرد المشترك".

لكن مثل هذا السيناريو يفتح أبواباً واسعة من الاشتباك. أحد الكتاب القريبين من إيران نشر في موقع باللغة الانكليزية تهديداً بأن أي حرب مقبلة ستشمل أيضاً استهداف الجنود الأميركيين في العراق وشرق سوريا من خلال المجموعات الموالية لطهران.

ربما يُفسّر ذلك هدوء الأسابيع الماضية. ذاك أن اسرائيل لم تُنفذ غارة جوية واحدة ضد القوافل والمواقع الإيرانية منذ اسقاط الطائرة الاسرائيلية قبل شهرين.

إلا أن تل أبيب رفعت منسوب التدريبات وتحشد ديبلوماسياً لمواجهة ايران ومحاصرتها دولياً. لذا، فإن هناك من يخشى أن يُمهّد هذا الصمت الطويل لمواجهة مقبلة أوسع نطاقاً.