الأسد لن يكون جديًا في التوصل إلى أي حل سياسي يوفر على سوريا المزيد من الدمار وعلى أهلها المزيد من القتل والتهجير
 

إستخدام السلاح ليس دائما وسيلة لتوسيع رقعة الحروب وايقاع المزيد من القتلى والجرحى وفرض التهجير كأمر واقع وإلحاق الأذى تدميرًا وتخريبًا في الدول التي تشتعل فيها نيران المعارك، بل ان استعمال القوة وفي غالب الأحيان يكون معبرا للحلول السياسية التي تحتاج إلى مثل هذا النوع من التدخلات العسكرية لفرض وقائع ميدانية جديدة ولتغيير موازين القوى وإيجاد نوع من التوازن بين الأطراف المتحاربة واجبارهم على الذهاب إلى الحل السياسي والجلوس إلى طاولة المفاوضات والبحث عن صيغ للتوافق بشكل يحفظ حق الجميع وبدون أن يكون الحل لصالح طرف على حساب الأطراف الأخرى. 
والضربات الصاروخية الأخيرة التي نفذتها الدول الغربية الكبرى الثلاث وهي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ضد مواقع عسكرية ومراكز أبحاث ومدارج مطارات يشتبه بعلاقتها بالسلاح الكيماوي. 

إقرأ ايضًا: إهتمام المواطن في منطقة بعلبك الهرمل
وقد أطلقت البوارج الأميركية المتواجدة في البحر المتوسط والبحر الأحمر، وبالتنسيق مع وحدات من سلاح الجو البريطاني ومشاركة طائرات حربية فرنسية، هذه الضربات التي احدثت أضرارًا جسيمة في المنشآت التي سقطت فيها وأدت إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى هي رسالة سياسية بأدوات عسكرية لاستعادة زمام المبادرة أولا وتغيير قواعد اللعبة في الميدان السوري ثانيا وخلق نوع من التوازن بين الأطراف المنخرطة في الحروب السورية أخيرًا بعدما تمادى رئيس النظام السوري "بشار الأسد" وبدعم من حليفيه الروسي والإيراني باستخدام القوة المفرطة ومنها السلاح الكيماوي الذي استخدمه في "دوما" بدون أي روادع أخلاقية وقانونية ضد أطراف المعارضة من أبناء شعبه، وبعدما أخذته العزة بالنفس وأسكرته نشوة النصر الذي تحقق في "الغوطة الشرقية" بإخراج المسلحين منها وتهجيرهم باتجاه الشمال السوري. 
ويرى بعض المتابعين للشأن السوري أن هذه الضربات الصاروخية ربما تكون السيناريو الأفضل الذي يمكن أن يعيد لسوريا استقرارها، إذ أن مثل هذه الضربات تجبر النظام السوري على الانصياع للحل السياسي والمفترض أن يكون بإشراف الأمم المتحدة التي تتولى عملية الإشراف في سوريا لمدة محددة بما يمكن السوريين من إجراء انتخابات حرة ونزيهة تفرز قيادة جديدة، وغير ذلك فإن الرئيس الأسد لن يكون جديا في التوصل إلى أي حل سياسي يوفر على سوريا المزيد من الدمار وعلى أهلها المزيد من القتل والتهجير. 

إقرأ أيضًا: مؤتمر سيدر ١ مرهون بالتزامات لبنان الدولية
لا شك أن تخاذل المجتمع الدولي عن اللجوء إلى إتخاذ الإجراءات الضرورية الفعالة لوقف النزف في سوريا هو الذي أفسح المجال للرئيس الأسد على استخدام السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة وأكثر أنواع الأسلحة فتكا، وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية إذا لم تكن جادة في تغيير استراتيجيتها باتجاه حل سياسي شامل في سوريا، فإن عودة الأسد لاستخدام السلاح الكيماوي مجددًا، ربما تكون مسألة وقت، خصوصًا وأن الهدف التالي للنظام السوري هو إدلب التي شكلت المأوى للملايين من الشعب السوري الذين تم تهجيرهم إليها بعد أن طردهم الأسد من بيوتهم، والذين يعتبرون من أكثر الأطراف المعارضة والمتمردة على النظام السوري وحكومته.
وفي سياق متصل فإن الرئيس الفرنسي ماكرون يحاول تقديم مشروع قرار إلى الأمم المتحدة يأمل أن يساهم في استئناف عملية الانتقال السياسي في سوريا، إلا أن روسيا التي فشلت في تحويل نصرها العسكري في سوريا إلى نجاح سياسي ، ترفض المبادرة الفرنسية، وقد انتقد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة هذه المبادرة وحذر بالقول "إذا كان الهدف إجبار الرئيس السوري تحت وابل من الصواريخ على الجلوس إلى طاولة المفاوضات فإنه ببساطة مسعى غير واقعي"، وهذا يعني أن هناك وقت طويل لتلاقي الدول الغربية مع روسيا والتفاهم معها.