قال تعالى في كتابه الكريم: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (آل عمران: 104).

 

 

الثقافة الإعلامية:

 

   لما كان الإعلام التلفزيوني يمثّل الوسيلة الفضلى للوصول إلى عقول الناس وقلوبهم والتأثير على قناعاتهم، كان من الضروري أن يعمل الإعلاميون المسلمون على امتلاك الثقاف الإعلامية بكل مستلزماتها على المستوى الفكري والسياسي والفني، بعيداً عن الحماس الساذج والفكرة الغائمة والكلمات القلقة، ولا سيما أننا نخوض التجربة وسط ساحة واسعة يمتلك فيها الآخرون العديد من المؤسسات الإعلامية الممتدة والعريقة، الأمر الذي يحتم علينا أن نبقى في حالة طوارئ إعلامية لمواكبة المستجدات في المجال الإعلامي وتطوير أسلوب الخطاب وطريقة العرض بما يناسب الذهنية العامة لللإنسان 1المعاصر

 

رسالة الإعلام الإسلامي

 

   وإذا كانت رسالة الإعلام الإسلامي تستهدف العمل على التعريف بالإسلام في عقائده وشريعته ومفاهيمه وتاريخه فمن الطبيعي أن يحرص – هذا الإعلام- على عدم الوقوع في الأخطاء والتجاوزات الشرعية تماماً كحرصه على تقديم صورة ناصعة مشرقة عن الإسلام تبعد عنه كل التشويه الذي يعمل أعداؤه – وفق تخطيط مدروس- على إلصاقه به ليغدو نموذجاً للتخلف ومرادفاً للتطرف والإرهاب.

 

   إنّ انتماء الإعلام إلى الإسلام يستدعي امتلاك ثقافة شرعية إلى جانب الثقافة الفنية تمكّن الإعلاميين المسلمين من إدارة العمل الإعلامي بنجاحٍ وتجنبهم الوقوع في فخ التجاوزات الدينية والأخطاء الشرعية، كما أنّه يحتم ملاحقة العناصر المستجدة في المجال الإعلامي للوقوف على مدى تأثيرها على الواقع وانسجامها مع الضوابط الشرعية.

 

   في هذا السياق تأتي أهمية هذه الندوة وأمثالها من الندوات المعدة لدراسة ومعالجة الموضوعات الإعلامية المستجدة ومعرفة الموقف الشرعي منها.

 

  وهذا البحث هو محاولة لمعالجة ودراسة الموضوع الثاني في هذه الندوة الذي يتصل بمسألة ظهور المقدسات الدينية لغير المسلمين، عرضاً أو قصداً في برامج التلفزيون.

 

عنوان المسألة:

 

 أعتقد أنّ المسألة المبحوث عنها تندرج في سياق أوسع وتحت عنوان جامع هو ظهور ما يمثل كفراً أو ضلالاً على شاشات التلفزة، ولهذا العنوان مصاديق كثيرة:

 

 منها: قضية ظهور المقدسات والشعائر الدينية لغير المسلمين.

 

ومنها: عرض المشاهد التي يظهر فيها الشخص مرتكباً للحرام أو بصورة محرمة.

 

ومنها: استضافة بعض أصحاب الفكر الإلحادي أو العلماني للتحدث عن أفكارهم التي تتعارض مع الفكر الإسلامي.

 

   إلى غير ذلك من المصاديق التي تندرج تحت العنوان المذكور وإن اختلفت في درجة الانحراف، بين ما هو انحراف عقدي لا يلتقي مع الإسلام من الأساس، أو انحراف شرعي سلوكي لا يلتقي مع الاستقامة الإسلامية.

 

   نعم إذا كانت للمسألة المطروحة في بحثنا من خصوصية تميّزها عن سواها فهي كونها على اتصال وثيق بعقيدة التوحيد، باعتبار أنّ تعظيم الأصنام وهياكل العبادة المبتدعة يتنافى مع العقيدة المذكورة، وهذه الخصوصية هي التي تبرّر إفراد هذه المسألة بالبحث والسؤال.

 

أنحاء العرض وأقسامه:

 

   إنّ ظهور ما يمثل كفراً أو ضلالاً على شاشة التلفزيون تارة يكون بدون التفات ومعرفة كما لو جاء في سياق بث مباشر، وتارة يكون مع الالتفات والتوجه، وفي الصورة الثانية، فتارة يهدف عرض وإظهار هذه المقدسات إلى التعريف بها في سياق النقد والتفنيد، وتارة أخرى يكون في مقام الترويج والتبشير والدعاية للفكر غير الإسلامي أو يتضمن ذلك ولو من دون قصد. وثالثة يأتي في سياق التعريف المحض دون أن يتضمن ترويجاً وتبشيراً، كما لو كان التقرير الخبري بصدد التعريف بجماعة أو أمة وبيان ما تؤمن به من دين وما تحمله من أفكار وتلتزمه من شعائر، وفي الأثناء تمّ عرض المقدسات التي يؤمن بها هؤلاء والأفكار التي يتبنوها

 

فصوَر المسألة على هذا أربع:

 

1- العرض أو الظهور القهري لصور تلك المقسات.

2-العرض النقدي.

3- العرض التبشيري.

4- العرض التعريفي المحض.

 

ونأتي على دراسة هذه الصور تباعاً:

 

الظهور القهري:

 

أما الصورة الأولى: فالظاهر أنه لا مجال فيها للحكم بالحرمة، لأنّ التحريم منوط بالعلم والالتفات إلى موضوعه، ومع عدمه يكون التكليف مرفوعاً، فمن شرب مائعاً معيناً دون أن يعرف أنّه خمر، بل اعتقد أنه عصير عنبي – مثلاً- كان معذوراً حتى لو ترتب على شربه السكر، ومن رمى طائراً أو غزالاً بهدف اصطياده وأصابت رميته دون علم وتقصير شخصاً فقتل لم يكن آثماً وإن لزمت الدية، وهكذا من أعدّ تقريراً خبرياً ظهرت فيه مشاهد عرضية غير مقصودة لمقدسات غير إسلامية، أو كان بصدد بثٍ مباشر والتقطت آلته بشكل قهري صوراً لتلك المقدسات لا يمكن الحكم بحرمة عمله هذا، لأنّ التكليف كما هو مرفوع في صورة الجهل بالموضوع فهو مرفوع في صورة العجز وعدم القدرة.

 

العرض النقدي:

 

أما الصورة الثانية: وهي صورة العرض النقدي، فالظاهر الذي لا ريب فيه أيضاً أنه لا دليل على الحرمة فيها، بل يمكن القول أنّ ثمة دليلاً على الجواز وهو ما نلاحظه في القرآن الكريم من تقديم فكر الكفر والضلال وحجج الملحدين والمشككين بوجود الله سبحانه وتعالى 2 واليوم الآخر3 ، وكلماتهم القاسية في النبي (ص4، لكن في سياق التفنيد، على أنّ نقد الفكر الآخر وبيان مواطن الخلل فيه لا يمكن أن يتم إلا بعد عرضه وتقديمه.

 

العرض التبشيري:

 

أما الصورة الثالثة: وهي ما لو كان العرض تبشيرياً ترويجياً سواء كان الترويج متعمداً مقصوداً أو غير مقصودٍ وإنما جاء بشكل طبيعي أو قهري في سياق إعداد التقرير الخبري أو العمل الإعلامي وحسب تقديرات ذوي الخبرة وحسهم الإعلامي وتجربتهم في هذا المجال، والحكم في هذه الصورة هو الحرمة، فلا يجوز للمسلم القيام بكل ما يمثّل ترويجاً للكفر والإلحاد أو نشراً للباطل والضلال، وعلى الرغم من أنّ دليل الحرمة في هذه الصورة واضحٌ ويمكن القول: إنّها من سنخ القضايا التي قياساتها معها كما يقول المناطقة، لكن مع ذلك يمكن الاستدلال لها بقوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين} (لقمان: 6) ولهو الحديث هو باطله، وقد اختلف في المراد منه، فقيل: هو الغناء، كما عليه أكثر المفسرين وقيل: هو الأعم من الغناء بما يشمل جميع الملاهي التي تصد عن سبيل الله كالقصص الباطلة والحكايات الفاسدة والأفلام الخلاعية ..

 

   والقول الثاني هو الأقرب لعموم اللفظ ، ولأنّ المورد لا يخصص الوارد، وما ورد في تفسيره بالغناء هو من باب ذكر المصداق ويؤيده: ما جاء في أسباب النزول من أنّ الآية نزلت في "النضر بن الحارث" وذلك أنّه كان يخرج تاجراً إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشاً ويقول لهم: إنّ محمداً يحدثكم بحديث عادٍ وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون سماع القرآن فنزلت فيه الآية 8.

 

العرض التعريفي:

 

أما الصورة الرابعة والأخيرة: وهي ما لو كان إظهار تلك المقدسات بغرض التعريف المحض أو بأي قصد آخر لا يتضمن تشجيعاً ولا ترويجاً – مقصوداً أو غير مقصود- للباطل والكفر وليس في مظنة الإضلال والتأثير السلبي على عقائد المسلمين ولا في مظنة التقديس والعبادة من غيرهم، وهذه الصورة تحتاج إلى تدقيق أكثر من سابقاتها، والسؤال: هل إنّ هذا النوع من الإظهار محرم؟ وهل من قائل بالحرمة؟ وما هو دليله؟

 

 أقول: إنّ الكتب الفقهية خالية من هذا الفرع بصورته المطروحة في بحثنا، لأنّ ذلك من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع، إذ لم تكن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة متوافرة سابقاً ليقع السؤال عن حكم إظهار شعائر غير المسلمين من خلالها، إلاّ أنّ ثمة فرعاً آخر تعرض له الفقهاء قد يستفاد منه حكم المقام بالأولوية، وهذا الفرع هو حكم إظهار أهل الذمة للمنكر وضرب الناقوس أو إظهار الصلبان والاحتفال بالأعياد..

 

 وقد أفتى غير واحد من الفقهاء وأرباب المذاهب الفقهية بمنعهم من ذلك، قال النووي في مجموعه:

 

8"قالت الحنابلة: ويمنعون – أي أهل الذمة – من ركوب الخيل وحمل السلاح ومن إحداث الكنائس ومن بناء ما هدم منها، ومن إظهار المنكر والعيد والصليب وضرب الناقوس ومن الجهر بكتابهم ومن الأكل والشرب نهار رمضان ومن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير" .

 وقد استقر الرأي الفقهي على منعهم من ذلك فيما لو كان البلد مختصاً بالمسلمين، أما لو انفرد أهل الذمة ببلد معين, فهل يمنعون من إظهار شعائرهم؟

 

 اختار بعضهم عدم المنع، وكذا لو كانوا أهل بلدٍ فتح صلحاً على أن يكون البلد لهم ويؤدون خراجه فإنّ الملك والدار لهم فيمكنون من إظهار شعائرهم كما ذكر بعضهم 9.

 

 وبغض النظر عن تفاصيل المسألة – وهي كثيرة – فإنّ ما يمكن أن يقال لربطها بمقامنا أنّه: إذا كان يُحظر على أهل الذمة أنفسهم إظهار الصلبان وإعلان الشعائر الدينية فبالأولى أنّه لا يجوز للمسلمين من خلال وسائلهم الإعلامية العمل والمساعدة على إظهار تلك الشعائر.

 لكن للتأمل في الحرمة مجالاً واسعاً، لافتقار المسألة إلى الدليل التام، لأنّ ما يمكن الاستدلال به في المقام عدة أمور:

 

الدليل الأول: قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} (الحج: 30) وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} (المائدة: 90).

 

 وتقريب الاستدلال: إنّ الأمر بالاجتناب المطلق يقتضي الاجتناب عن كل ما يرتبط بالأوثان والأصنام من صنعها وعبادتها والمتاجرة فيها والترويج لها وإظهارها عبر الوسائل الإعلامية وغير ذلك من أشكال التقلب فيها، لأنّ حذف المتعلق دليل العموم، كما يقول علماء الأصول.

 

 ويلاحظ عليه: أنّ الاجتناب عن كل شيء ينصرف إلى الاجتناب عما يناسبه، فالاجتناب عن الخمر يكون بترك شربها، وعن لحم الخنزير بترك أكله، وعن ثوب الحرير بترك لبسه، وعن الأصنام بترك عبادتها، وأما ترك المتاجرة فيها أو عرضها عبر وسائل الإعلام فلا يستفاد من ظهور الآية.

 

الدليل الثاني: عموم النهي عن الإعانة عن الإثم والعدوان المستفاد من قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة: 2)، بتقريب أنّ إظهار هذه الشعائر يشكل إعانة لغير المسلمين على تقديسها والتعبد لها مما هو باطل ومحرم بل هو شرك بالله العظيم.

 

 ويلاحظ عليه

أولاً: أنّ المنهي عنه في الآية هو التعاون لا الإعانة، وهما مختلفان. فالتعاون من باب التفاعل وهو عبارة عن اجتماع عدة أشخاص على العمل فيكون صادراً عن الجميع لا عن واحد بعينه، كاجتماعهم على قتل نفس محترمة بطعنها دفعة واحدة بالسكاكين من قبل الجميع، وأما الإعانة وهي من باب الإفعال فليس فيها اجتماع على العمل، بل هي عبارة عن إيجاد مقدمات فعل الغير مع استقلال ذلك الغير في صدور الحرام والإثم منه، ومن الواضح أنّ حرمة التعاون لا تلازم حرمة الإعانة كما اختاره غير واحد من الفقهاء 10.

 

ثانياً: مع غض النظر عما تقدم، فإنّه لا ملازمة بين إظهار تلك الشعائر وبين تقديسها والتعبد لها، فإنّ المسيحي – مثلاً – لا يتعبد للصليب كلما رآه أو شاهد صورته، وعليه فلا يكون الإظهار إعانة له على الإثم، على أنّ المشاهدين في كثير من الحالات هم من المسلمين وهم بطبيعة الحال لا يتعبدون للصلبان والأصنام، نعم لو كان الإظهار في مقام التعبد أو مستلزماً له لزم اجتنابه.

 

  على أن هناك ملاحظة ثالثة تحتاج إلى تأمل ومتابعة، وهي أنّ اعتبار ما يفعله غير المسلمين من ضروب التقديس والتعبد للصلبان من الإثم المنهي عن الإعانة عليه في الآية غير واضح, وذلك لأنّ التقديس وإن كان إثماً بل شركاً باعتقادنا الحق، لكنه بنظر أولئك يمثل طاعة وعبادة، والسؤال أنّ النهي عن الإعانة على الإثم – لو تم – فهل هو شامل لمثل ذلك أو يختص بما إذا كان الطرف الآخر معترفاً ومقراً بأنّ ما يفعله حرام، وأما مع عدم اعترافه بذلك فلا تكون مساعدته إعانة على الإثم – كعنوان المعصية – متقوماً بالالتفات بمعنى أنّ الإنسان لا يعد آثماً بارتكاب ما يجهل حرمته إلا إذا كان جهله تقصيرياً, بعد كونه كذلك يرد السؤال هل إنّ الإثم المنهي عن الإعانة عليه هو الإثم بنظر المعين أو الإثم بنظر المعان والمعين؟ فعلى الأول يصدق عنوان الإعانة على الإثم، دونه على الثاني.

 

 الدليل الثالثسيرة المسلمين، فإنّ من جملة ما كان يشترطه المسلمون على أهل الكتاب ضمن عقد الذمة ترك إظهار الشعائر والمقدسات، قال في الشرح الكبير:

 

 "يمنعون من إظهار المنكر كالخمر وضرب الناقوس ورفع أصواتهم بكتابهم وإظهار أعيادهم وصلبهم، لأنّ في شروطهم لعبد الرحمن بن غنم: "أن لا نضرب نواقيسنا إلا ضرباً خفياً في كنائسنا ولا نظهر عليها صليبنا ولا نرفع أصواتنا في صلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون وأن لا نخرج صليباً ولا كتاباً في سوق المسلمين وأن لا نخرج باعوثاً ولا شعانينن 11 ولا نرفع أصواتنا مع أمواتنا وأن لا نجاورهم بالخنازير ولا نظهر شركاً 12.

 

- ويلاحظ عليه: أنّ وجود سيرة إسلامية عامة وممتدة إلى عصر النبي (ص) على ذلك غير واضح، وما ورد في شروطهم لعبد الرحمن بن غنم لا حجية فيه، لأنهم هم الذين ألزموا أنفسهم بهذه الشروط مقابل الأمان الذين أعطي لهم ولذراريهم وأموالهم، وحتى لو فرضنا أنّ تلك الشروط كانت واردة في عقد الذمة من قبل أمير من أمراء المسلمين فهي لا تصلح دليلاً يحتم علينا ضرورة مراعاتها والتقيد بها على الدوام ما لم تكن واردة في نصٍ واضح الظهورعن النبي (ص) أو الأئمة المعصومين (ع)، لأنّ الأمير أو الإمام العادل كما قد يرى المصلحة في فرض تلك الشروط قد يرى المصلحة في التخفيف عليهم والسماح بإظهار بعض شعائرهم، كما فعل عمر بن العزيز عندما أرسل إلى عماله: "أن لا تهدموا بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار13

 

الدليل الرابعما قيل من أنّ العقل حاكم بوجوب حسم مادة الفساد والقضاء عليها، وأنّ إظهار تلك المقدسات التي هي من أبرز مواد الفساد لا يتلاءم وحكم العقل المذكور.

 

  ويلاحظ عليه: أنه لو سلمنا بتمامية الكبرى، أعني حكم العقل المذكور بوجوب حسم مادة الفساد، وسلّمنا بالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، فإنّا لا نسلّم بتمامية الصغرى وهي اعتبار أنّ عرض تلك الأصنام أو الصلبان يمثل فساداً محضاً، لأنّ المفروض أنّ عرضها في مقام التعريف وليس في مقام الترويج ولا في مقام أو مظنة التعبد والتقديس، وقد يكون فيه فوائد كثيرة تاريخية أو الاعتبار بها، ولذا لو فرض أنّا عثرنا من خلال الحفريات على أصنام الأمم البائدة التي لا وجود لعبدة لها حالياً فلا يمكن اعتبارها مادة للفساد ولا يتحتم وجوب إتلافها، لأنّه ليس في ذلك أي فائدة عقلائية أو شرعية، إذ لا يرغب أحد في عبادتها وتكريمها، إنّما يهتم العقلاء بحفظها في المتاحف للفوائد العلمية والتاريخية.

 

   فتلخص أنّه لا وجود لدليل تام على الحرمة في الصورة الرابعة فيكون المرجع هو أصالة البراءة والحيلة كما هو مقرر في علم الأصول.