هذه المادة ستُثير المزيد من الجدل في القادم من الأيام ، ولن تمرّ مرور الكرام من دون تقديم إيضاحات إضافية وربما ضمانات
 

 

مع إقرار قانون الموازنة العامة في لبنان للعام ٢٠١٨  على عجل بعد الإستجابة لضغوطات خارجية كانت متعلّقة بمقررات مؤتمري روما وسيدر ١ ، بدأت تطفو إلى السطح هواجس في أوساط المكوّن المسيحي خصوصا من لغز المادة ٥٠ في القانون .

وأول من أثار هذه الهواجس هو البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي وصفها بأنها مادة تّمهد للتوطين في لبنان .

كذلك وصفها رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل بأنها " توطين مقنّع " ، وتساءل عن سر تصويت جميع الكتل النيابية للموازنة دون لحظ هذه المادة .

والمادة ٥٠ من موازنة ٢٠١٨ تعمد إلى منح كل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان ، إقامة دائمة له ولزوجته وأولاده القاصرين في البلد ، على أن لا تقل قيمة تلك الوحدة السكنية عن ٧٥٠ مليون ل.ل. في العاصمة بيروت ، و ٥٠٠ مليون ل.ل. في باقي المناطق اللبنانية .

والسبب الأساسي للهاجس الكنسي المسيحي بالدرجة الأولى من هذه المادة هو أن حوالي نصف سكان لبنان من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين ، ما سيؤثّر على التوازن الديمغرافي في البلد المختّل أصلا ويهدّد التواجد المسيحي ويطيح بالمكتسبات التي حقّقوها عبر حقبات زمنية مختلفة منذ تأسيس الكيان اللبناني .

وترفض أوساط الكنيسة وضع القضية في إطار جذب الإستثمارات الخارجية ، فالأولوية هي الحفاظ على التوازنات الداخلية لا بيع البلد كما عبّرت .

بالمقابل ، يرى المدافعون عن المادة ٥٠ أنها عامل جذب للإستثمارات الخارجية التي ستُحرّك القطاع العقاري الراكد حاليا ، ما ينعكس زيادة في الإنتاجية وإرتفاع في معدلات النمو الإقتصادي .

 

إقرأ أيضا : بانوراما لبنان الجديد: الراعي يحذر من التوطين والمعركة الإنتخابية تشتد

 

ويستشهد هؤلاء بالتجربة القبرصية التي قامت بنفس الخطوة عندما كانت تعيش نفس أوضاع لبنان ، حيث أمّن لها هذا الإجراء حوالي ال ٤ مليارات دولار خلال آخر ٥ سنوات وأنجزت نموا إقتصاديا طموحا.

وبحسب هؤلاء ، فإن أكثر من نصف اللاجئين السوريين هم من الطبقة الفقيرة ، وبالتالي لا يملكون هذا المبلغ من المال لشراء وحدات سكنية . 

أما على خط اللجوء الفلسطيني ، فإن القانون أصلا في لبنان يمنعهم من حق التملك ، وبالتالي لن تشملهم المادة ٥٠.

ويبدو من آراء المدافعين عن المادة ، أن توجهاتهم متركزة على الجانب النفعي الإقتصادي لهذا الإجراء ، فهم يَرَوْن فيها عاملا تحفيزيا للأجانب للقدوم إلى لبنان والإستثمار فيه ، ويضعونها في خانة التسهيلات لعملهم ، بعد تراجع الطلب على العقارات في الداخل اللبناني. 

لكن الجانب المسيحي يرى الموضوع من منظار كياني وإستراتيجي ، فالمادة قد تؤسِّس لقوانين مستقبلية تتساهل مع الأجنبي أو العربي وقد تعطيه لاحقا الجنسية ولا تكتفي بالإقامة الدائمة .

وترفض الكنيسة وضعها أمام خيارين : إما إفلاس البلد أو بيعه عبر هذه المادة ، وترى أن هناك دائما بدائل عملية تحفظ التوازنات الداخلية وتؤمن النهوض الإقتصادي .

ويبدو أن هذه المادة ستُثير المزيد من الجدل في القادم من الأيام ، ولن تمرّ مرور الكرام من دون تقديم إيضاحات إضافية وربما ضمانات .