تحت عنوان: "لوائح المستقبل متناقضة: هل بدأ موسم الطعن بالخناجر؟"، كتب عبد الكافي الصّمد في "سفير الشمال": كان وصفاً دقيقاً للغاية عندما شبّه مرجع سياسي قانون الإنتخابات النيابي الجديد بأنه "قد يدفع الأخ إلى طعن أخيه"، وذلك على خلفية التنافس بين المرشحين من أجل كسب ودّ الصوت التفضيلي، مع أنهم ضمن لائحة واحدة، واصفاً مرحلة ما بعد الإنتهاء من تشكيل اللوائح في 26 آذار الماضي، بأن "أيام الطعن بالخناجر من الخلف قد بدأت".

ومع أن هذا المشهد السياسي والإنتخابي المأزوم بحدّة موجود في معظم اللوائح الإنتخابية بلا استثناء، إنّما بنسب متفاوتة، فإنّه يبدو فاقعاً ونافراً في تيار "المستقبل" أكثر من سواه من بقية القوى والتيارات والأحزاب السياسية الأخرى، إنطلاقاً من أمرين: الأول أنّ "التيار الأزرق" هو حزب السلطة (وهو أمر يسري تقريباً على أيّ حزب أو تيار مشارك في السلطة)، وبالتالي فإنّه من الطبيعي أن تتوجه الأنظار إليه أكثر من غيره، والثاني أن تيار "المستقبل" يعاني منذ فترة تراجعاً حاداً في شعبيته، ما جعل رفاق الأمس ضمن القلعة الزرقاء وعلى لوائحه، لا يتوانى أحدهم عن تجهيز خنجره لطعن رفيقه وحليفه على قاعدة: "اللهم نفسي، ومن بعدي الطوفان".

طرابلس شهدت قبل غيرها ملامح هذا الوضع المربك داخل قواعد "التيار الأزرق". ففي يوم إعلان الرئيس سعد الحريري لائحته في دائرة الشمال الثانية، التي تضم طرابلس والمنية ـ الضنية، من باحة "مركز الصفدي الثقافي" في المدينة، ظهر الإنقسام بين قواعد تيار "المستقبل" كما لم يظهر من قبل، بعدما حرص جمهور كل مرشح على رفع صور مرشحه فقط، بينما كانت صور الحريري قليلة مقارنة بما كان يحصل سابقاً، ما يدلّ أن مرشحي تيار "المستقبل" في هذه الدائرة، كما في غيرها على الأغلب، لا يوجد شيء يجمع بينهم إلا الإطار الشكلي للائحة فقط.

من يستمع إلى ما يقوله بعض مناصري لائحة "المستقبل" بحق بعضهم البعض، في الشارع أو في الغرف المغلقة، لا سيما مناصري الوزير محمد كبارة والنائب سمير الجسر، الحليفين الأبرز ضمن اللائحة، يظن أنّهما خصمين لدودين وليسا حليفين مفترضين، نظراً لحدّة وحجم الكلام المرتفع السقف الذي يقوله جمهور كل واحد منهما، ما يثبت وجهة النظر التي قالها البعض بعدما أقرّ قانون الإنتخابات الجديد القائم على النسبية والصوت التفضيلي، من أن الخصم الحقيقي لأي مرشح هو حليفه في اللائحة، وليس خصمه في اللائحة أو اللوائح الأخرى.

وفي الضنّية، ظهر التباين إلى العلن بين مرشحي "التيار الأزرق" بوضوح، عندما أعلن النائب أحمد فتفت، في مقابلة تلفزيونية على "تلفزيون المستقبل"، أنّه سيصوّت لمصلحة نجله سامي، الذي ترشح بديلاً منه، ولن يلتزم بقرار الرئيس الحريري إذا قرر إعطاء الصوت التفضيلي في الضنية للنائب قاسم عبد العزيز، ما كشف لأول مرّة، منذ إقرار قانون الإنتخابات، الصراع المكتوم بين المرشحين، الذي ينتظر أن يخرج إلى السطح أكثر في الأيام المقبلة.

ولا يبدو الأمر مختلفاً في عكار، فمرشحي اللائحة الزرقاء لم يشهدهم الجمهور الأزرق في المنطقة يجولون معاً في زياراتهم الإنتخابية، ولم تلتقط لهم صورة واحدة سويّاً إلا عندما يزور الرئيس الحريري أو الأمين العام لتيار "المستقبل" أحمد الحريري عكار، أما في الأوقات الأخرى، فكل منهم يسعى جاهداً لكسب أصواتاً تفضيلية لنفسه فقط، وبشتى الطرق، من غير أن يلتفت إلى زميل أو حليف، ومن غير أن يطمئن أي مرشح إلى أن ظهره محمي من رفيق دربه السياسي أو الإنتخابي.