وحدها القوات اللبنانية، ترفع لها القبّعة، في إدارة معركتها الانتخابية وتحالفاتها. تصرّ القوات على الظهور بصورة معدنها الأساسي. حشر سمير جعجع في زوايا كثيرة، لكنه رفض التنازل عن ثوابته، كرمى لتشكيل اللوائح. المشكلة مع القوات اللبنانية، تكمن في مبدأيتها العميقة، والتي يذهب القواتيون فيها إلى النهاية. هذه مشكلة جعجع مع ورقة إعلان النوايا وما تلاها من دعم انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. انقلب جعجع على ثوابت كثيرة لتعزيز ثوابت أكثر، لكنه غالباً ما يتعرّض للطعون من حلفائه. يوم أقر القانون الانتخابي، استشعر القواتيون نشوة النصر. لكن ما كان يدبّر لهم، غاب عن أذهانهم وحساباتهم، فشكّل القانون الجديد فرصة لتطويقهم. اشترك في ذلك حلفاؤهم الجدد والقدامى. التقى التيار الوطني الحر وتيار المستقبل على محاصرة القوات.

فضّل جعجع البقاء محاصراً على الإنقلاب على ثوابته. يعرف أنه سينتقد وسيهزأ كثيرون من حزبه، حول عدم قدرته على تشكيل لائحة وازنة في كسروان، عقر دار الموارنة. كان جعجع يطمح من خلال القانون إلى تسجيل صحّة تمثيله في هذا القضاء، لكن من راهن عليهم انفضوا من حوله. باكراً، أرسى تفاهماً مع نعمت افرام ومنصور البون، لكن الرجلين انقلبا وذهبا إلى التيار الوطني الحر. كان لدى جعجع خيار التفاهم مع قوى أخرى وازنة في كسروان، لكنه رفض ذلك، وفضّل تشكيل لائحة ضعيفة وقد لا تحقق حاصلاً انتخابياً على الانقلاب على ثوابته والتحالف من لا يلتقي معهم سياسياً. يقول دائماً: "المصالح الانتخابية زائلة، والمقاعد النيابية مرحلية، لا يمكن التخلّي عن الثوابت، ونحن صادقون مع جمهورنا، فلا يمكن الذهاب إلى الخصوم، ولا يمكن التخلّي عن الثوابت، لأجل استحقاق يتجدد كل أربع سنوات". الأمر نفسه تكرر في زحلة التي رفض فيها جعجع التحالف مع الكتلة الشعبية إلى جانب تيار المستقبل.

يوم ذهب جعجع بعيداً في التحالف مع التيار الوطني الحر، ما غيّر كثيراً من التوجهات السياسية في البلد، صوّب عليه كثيرون سهام الاتهام، بالسير مع الرئيس سعد الحريري لتسليم البلد لحزب الله، اليوم يردّ جعجع الصاع صاعين، رغم خسارته في التحالفات وحتى في النتائج أو في حجم كتلته النيابية، فارس سعيد ذهب للتحالف مع فريد هيكل الخازن في كسروان، وهو المؤيد لقوى 8 آذار، والذي استقبل السفير السوري في دائرته في عز الإنقسام اللبناني بشأن سوريا.

قبل أسبوع، توجه وفد إلى معراب بعيداً من الإعلام، عقد لقاءً مع جعجع، تمحور البحث حول كيفية التحالف الانتخابي مع القوات، مقابل عدم مواجهة خطة الكهرباء، ووصف استئجار البواخر بالصفقة، بالإضافة إلى تفاهمات مماثلة، يكون للقوات يد أساسية في صوغها، وفق الرؤية التحاصصية التي تراها مناسبة، لكن جعجع رفض ذلك بشكل قطعي، ورفض بيع شعاراته مقابل التحالفات الانتخابية، لتعزيز وضع القوات نيابياً، فاتُخذ حينها قرار الهجوم الشرس على القوات.

يُلام جعجع على خياره في التسوية الرئاسية، وربما يُلام على مبدأيته الثابتة، بحيث يذهب في خياراته حتى النهاية، فيما الآخرون، ينفضون سريعاً عما التزموا به، لعلّ هذه إحدى أسباب عدم مراكمة القوات الأرباح. لكن ذلك لا يهمّ جعجع، بقدر ما يهمّه الحفاظ على الثوابت، ولذلك قد تخسر القوات مجدداً ما كانت تراهن عليه في القانون الجديد لتعزيز كتلتها النيابية وإظهار مدى قوتها وتمثيلها. يزعج هذا مناصريها، لكن جعجع يردد لا ضير في ذلك، وخسارة المقعد أفضل من خسارة الذات. يمنّي جعجع نفسه أمام جمهوره في ثباته على مواقفه، على عكس التيار الوطني الحر، الذي يصوّب على الجميع ولكنه يتحالف معهم. والأمر نفسه ينطبق على تيار المستقبل. يقدّم جعجع صورة مغايرة لصورة السياسيين في لبنان، يتغلّب على ذاته وعلى مفهوم المصلحة، فيتحكم هو في مسارات خياراته، ولا يدفع المصلحة إلى التحكّم به.

رغم ذلك، تسعى القوات إلى تكبير كتلتها النيابية. ووفق قراءتها ومعطياتها، فإن كتلتها النيابية سترتفع من 8 نواب، إلى نحو 14 نائباً، 3 نواب في دائرة الشمال الثالثة، نائب في عكار، واحد في جبيل، وآخر في المتن، اثنان في بيروت الأولى، واحد في بعبدا، واثنان في الشوف- عاليه، بالإضافة إلى 2 في زحلة، وواحد في بعلبك- الهرمل.